(هذه الصورة التقطت سرّاً لحركة إحتجاج لدى نقل الطلاب الثمانية لمحاكمتهم أمام محكمة أمن الدولة.)
أقامت وزارة الداخلية السورية بالتعاون مع معهد جنيف لحقوق الانسان دورة في مجال حقوق الإنسان لضباط الأمن السوريين بتاريخ 12/8/2007 ، تستمر لخمسة أيام بهدف “دعم قدرات ضباط الأمن السوري فى مجال حقوق الانسان”، وفق ما أعلن عنه.
وقال مدير إدارة الامن الجنائي اللواء محمد علي الصالح تعليقاً على الدورة “دستور الجمهورية العربية السورية اكثر مواده ضامنة لحقوق المواطن من حرية التعبير الى الاجتماع والتنقل والتعلم والمقاضاة”.
ربما لصُدِّق أن هذه الدورة هي فعلاً لتاهيل كوادر الأمن، ليتعاملوا بطريقة إنسانية مع المعتقلين، لولا الخبر الذي أعلنته اللجنة السورية لحقوق الإنسان في لندن قبل يومين من الإعلان عن هذه الدورة عن وفاة المواطن السوري الشاب عبد المعز سالم ابن المهندس محمد بشير سالم نتيجة التعذيب في فرع فلسطين.
ولربما نسي سيادة اللواء أن الدستور السوري معطل وموضوع في “الثلاجة” بسبب حالة الطوارئ، وماهو إلا حبر على ورق، والدلالة على ذلك هو رفض القضاء في سوريا مذكرات عدة كان محامو معتقلي الرأي قد تقدموا بها، ارتكزت في معظمها على الدستور السوري وكون ممارسة موكليهم هي من صرف “حقوقهم الدستورية”، إلا أن الأحكام الجائرة بحق هؤلاء المعتقلين قد صدرت ولم يفدهم الدستور شيئاً، فصدرت أحكام بسجن د.كمال اللبواني 12 سنة وسجن الكاتب ميشيل كيلو والناشط الحقوقي محمود عيسى3 سنوات وسجن المحامي أنور البني5 سنوات، وجميع من ذكروا دفعوا في دفاعهم بحقهم “الدستوري” في حرية الرأي والتعبير كما أسلفنا.
بالإضافة إلى مجموعة الطلاب حسام ملحم، عمر علي العبدالله، دياب سرية، علام فاخور وأيهم صقر حيث حكم عليهم بالسجن 5 سنوات، وحكم على كل من طارق الغوارني وماهر اسبر بالسجن 7 سنوات وذلك بسبب تأسيسهم ـ ووفقا للدستور السوري وما منحهم من حقوق ـ لتجمعٍ شبابيٍ ثقافيٍ علني.
كل ذلك تزامناً مع محاكمة المعارض السوري الأستاذ فائق المير، بتهم النيل من هيبة الدولة وإضعاف الشعور القومي وزعزعة الأمن والاستقرار وإثارة الفتنة ودس الدسائس لدى دولة معادية والتي قد يصل الحكم فيها، فيما لو دين بها إلى السجن مدى الحياة، وكل هذا بسبب تعزيته بالشهيد جورج حاوي في لبنان.
إن أياً من المذكورين لم ينتهكوا الدستور السوري بشيء، إنما إنتهك النظام حقهم الدستوري في حرية التعبير والإجتماع والرأي.
أما عن حرية التنقل والتي يكفلها الدستور السوري أيضاً، ققد اصدر النائب السوري السابق رياض سيف بتاريخ 13ـ 8 ـ 2007 بياناً أوضح فيه أن السلطات السورية منعته من السفر خارج البلاد بقصد العلاج بعد أن استفحل مرض سرطان البروستات الذي أصابه والذي لا يمكن علاجه إلا في الخارج، ناهيك عن توسع قوائم الممنوعين من السفر من المثقفين والنشطاء والمعارضين الى حد غير مسبوق، وتكريسها عبر قرارات من السلطات الأمنية لا القضائية.
يضيف اللواء صالح: “التشريعات الوطنية السورية جاءت مكملة للدستور وضامنة لتلك الحقوق وقواعد النظام الداخلي للأمن ايضا تعتبر كوثيقة ضامنة لحقوق الفرد”.
هنا يبرز بوضوح جهل الأخير بقوانين بلاده، فهو بالتأكيد لم يقرأ المرسوم التشريعي رقم (14) الصادر بتاريخ 15 /1 /1969 (مرسوم إحداث إدارة المخابرات العامة)، حيث يحمي المرسوم المذكور عناصر المخابرات من أي ملاحقة قد تطالهم، الأمر الذي كرس غياب ثقافة المحاسبة، وأطلق يد الأجهزة الأمنية للتحكم بالبلاد والعباد، فالمادة (16) من المرسوم المذكور تنص على أنه: “لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في الإدارة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات المحددة الموكولة إليهم أو في معرض قيامهم بها إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن المدير”،(لم يصدر أي أمر ملاحقة منذ تشكيل الإدارة المذكورة الى اليوم).
لعل الدستور السوري يحفظ بعض الحقوق في متنه، إلا أنه مجمد تماماً بفعل حالة الطوارئ المفروضة منذ آذار 1963، ما جعل الأجهزة الأمنية هي الحاكم الفعلي للبلاد، بلا رقابة وبلا محاسبة، الأمر الذي أدى الى تصنيف سوريا كإحدى أكثر الدول إنتهاكاً لحقوق الإنسان في العالم، على الرغم من دستورها، فالعبرة في الأفعال لا في الدساتير، سيما إذا كان الدستور في الثلاجة.
ahedalhendi@gmail.com
(*) كاتب وناشط سوري.