من المفروض أن تنْكبَّ الأحزاب والتنظيمات الإسلامية في المغرب على دراسة تجربة حزب العدالة والتنمية التركي بغاية الاستفادة منها في وضع الخطط وصياغة البرامج الانتخابية. والأمر هنا يتعلق أساسا بحزب العدالة والتنمية المغربي الذي ـ تبعا لعدد من استطلاعات الرأي ـ يُتوقع أن يوسع قاعدته البرلمانية التي تؤهله للمنافسة على تولي منصب الوزارة الأولى . فهل يمكن استنبات تجربة أردوغان في المغرب ؟ أكيد أن المغرب في حاجة إلى تجربة حزبية إسلامية جديرة بالاحترام من طرف الأصدقاء والخصوم ، من جهة ، ومن أخرى قادرة على تخليق الحياة العامة ومحاصرة بؤر الفساد ونهب المال العام، ومن ثم توفير الظروف الموضوعية للتنمية الشاملة والمستدامة.
ذلك أن التجارب السياسية التي عرفها المغرب لم تعط الغنى البرنامجي والفعالية المطلوبة في إدارة الشأن العام. إذ كل الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة تراهن على مبادرات الملك وتعيش عليها. وانطلاقا من برنامج العدالة والتنمية المغربي واستراتيجيته يمكن رصد العوائق التي تحول دون أن يستلهم حزب العثماني تجربة حزب أردوغان ، ومن أبرزها:
1 ـ أن حزب العثماني تأسس على عقلية الصدام وثقافة الكراهية وعقائد التكفير التي تشرَّبَها قياديوه وفئات من أعضائه داخل تنظيم “الشبيبة الإسلامية” الذي مارس الاغتيال وهيأ أتباعه لارتكاب الأعمال الإرهابية. ومن شأن هذه الثقافة والعقائد أن تؤثر على نفوس الأعضاء وتجعلهم يتعاملون مع الخصوم السياسيين كأعداء “لادينيين”، الأمر الذي يقوي استعدادهم للصدام والمواجهة والعنف ، بل وتحريض الشعب ضدهم كما حصل عقب صدور مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية حيث جاء في افتتاحية التجديد عدد 51 بتاريخ 12 يناير 2000 ما يلي ( وستكتشف بعد القراءة المتأنية أن مناط الخلاف مع واضعي الخطة والمتعصبين لها ليس هو التنمية ولا إدماج المرأة في التنمية ، وأن القضية أكبر من هؤلاء، إذ تتعلق بمواجهة مؤامرة على الأسرة المسلمة تقف وراءها قوى دولية هي التي زرعت الكيان الصهيوني في فلسطين .. وستكتشف أن الأمر لا يعدو أن يكون بالنسبة لفئة من بني جلدتنا خضوعا لدورة جديدة من دورات الاستعمار .. وستكتشف أن المستهدف هو هدم أحكام الشريعة الإسلامية وتقويض الأركان التي تقوم عليها الأسرة المسلمة .. وسيأخذك العجب العجاب ويذهب بك إلى أقصى حد الاستغراب ، حينما ستكتشف أن الذي يقوم على تنفيذ هذه الخطة الاستعمارية المسندة أمريكيا وصهيونيا ليس هو اليمين الليبرالي (الرجعي) ، كما عودنا خطاب أيام الحرب الباردة ، وإنما هو اليسار الاشتراكي التقدمي، وجمعياته وشبكاته وجبهاته). إن مثل هذا التحريض والكراهية لم يصدرا عن حزب أردوغان ضد الجيش والعلمانيين .
2 ـ أن حزب العثماني يفتعل الأحداث لممارسة الصدام وبث الكراهية . ويمكن أن نورد على سبيل الذكر فورة القيادي بن كيران داخل البرلمان في وجه صحافية 2M لارتدائها قميص “تيشورت” وهي تنجز تغطية لأشغال المجلس ـ الاحتجاج على حضور الفنان ” لوران جبرا” بالدار البيضاء بعد اتهامه بالصهيونية ـ الاحتجاج ضد فتح كازينو مالاباطا بطنجة ـ الحتجاج الذي حوله إلى صراع ديني بمناسبة صدور مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية الخ . كما نجده يتخذ من الوقائع المعزولة أو التي يرى له فيها مآرب ، مناسبة لإظهار خصومه وكأنهم في حرب ضد الدين ( الضجة ضد إدارة الخطوط الملكية للطيران لمنعها الصلاة داخل المكاتب ، اتهامها بمنع الحجاب على المضيفات ، اتهام مدير إحدى أكاديميات وزارة التربية الوطنية بمحاربة المحجبات لما طالب بشديد المراقبة ضد الغش في امتحانات البكالوريا الخ ، اتهام المؤسسة العسكرية بمنع الحجاب ، اتهام الدولة بالحرب على الدين عبر إغلاق المساجد وفتح الخمارات كما جاء في جريدة التجديد ( تشهد بلادنا حركة ظاهرة لإغلاق المساجد وفتح الخمارات ، فما يكاد يمر يوم أو أسبوع حتى نسمع بإغلاق مسجد هنا أو هناك ، وإغلاق مركز لتحفيظ القرآن أو دار من دور القرآن ، وفي المقابل نشهد فتح خمارة أو متجر بيع الخمور جملة وتقسيطا ) .
وإذا كان هذا الحزب يمارس التحريض ويفتعل المواجهة وهو بعدُ لم يمتلك القوة السياسية التي يحظى بها حزب أردوغان ، فكيف به فاعل لما يمتلكها ؟ هل كان حزب العثماني ـ وهو بثقافة الصدام وعقيدة الكراهية ـ سيصادق على طرد العسكريين ـ على اختلاف رتبهم ـ لـكونهم يمارسون نشاطات موالية للإسلاميين كما فعل أردوغان الذي ترأس المجلس العسكري الأعلى يوم السبت 4 غشت 2007؟
3 ـ إن حزب العثماني يتستر على المتطرفين ويدافع عن الإرهابيين . ومنذ إعلان الأجهزة الأمنية عن تفكيك الخلايا الإرهابية النائمة ، والحزب يشكك في مجهودات الأجهزة ويتهمها بفبركة الملفات بغرض الانتقام منه ومحاصرته حتى يخلو الجو للخصوم السياسيين الذين ينعتهم بـ”الاستئصاليين” . وإذا كان الدكتور الخطيب آوى حسن الكتاني أحد شيوخ التطرف ، فإن حزب العثماني أسس جمعية “النصير” لمساندة أمراء الدم وكل العناصر المعتقلة على خلفية الأحداث الإرهابية . بل إنه يطالب بإحداث “هيئة إنصاف ومصالحة ” جديدة لتعويض الإرهابيين ومعتقلي السلفية الجهادية بعد إطلاق سراحهم والاعتذار لهم من طرف الدولة . هل فعل أردوغان هذا أو طالب به؟
4 ـ إنه حزب يجري وراء الكراسي والمناصب ويغتال لديمقراطية الداخلية . والأمثلة على هذا كثيرة نذكر منها نموذجين :
أ ـ تدخل الأمانة العامة للحزب لتفرض عددا من المرشحين على رأس لوائح الترشيح للانتخابات المقبلة ( شتنبر 2007) أمثال بنكيران ويتيم وباها وآخرين ضدا على إرادة القواعد الحزبية .
ب ـ الاستقالة الجماعية التي قدمها عدد من مناضلي ومناضلات الحزب بطنجة بسبب ما عبرت عنه العثماني سعيدة إحدى المستقيلات ( التطاحن من أجل الحفاظ على المناصب ) و( الخط السياسي الغير الواضح) ، وسيطرة حركة التوحيد والإصلاح على الحزب وتحكمها في مساره وهيكلته .
إذن ، تجربة حزب العدالة والتنمية المغربي لن تخرج عن تجارب الإسلاميين في الدول العربية (الجزائر، الكويت، الأردن، السودان غزة) من حيث كونها تخلق مشاكل جديدة وتزيد القائمة تعقيدا. فجميعهم ينهل من فكر المودودي وعقائد قطب التي تخلق الفتنة ولا تحقق التنمية .
5 ـ إنه حزب يفتعل المعارك الدينية ويجعلها أولى أولوياته بدل التنمية . وهكذا صرح بعض قيادييه مثل بنكيران ( نحن الآن في مرحلة الدفاع عن الحصون المتبقية من الإسلام )( برنامج “في الواجهة” لقناة. M 2 ) . الدكتور الريسوني لقناة ” العربية” ( الآن هناك دعاة كثيرون للإصلاح لكنهم مثلا في بلدنا وفي غير بلدنا يرون بالذات أن الإصلاح هو إزالة ما بقي من ديننا ، ونحن نقول الإصلاح هو إعادة ما ضاع من ديننا ) . بل إن الورقة المذهبية للمؤمتر الخامس للحزب تنص على التالي ( إن تعزيز المرجعية الإسلامية سواء على المستوى الدستوري أو على المستوى التشريعي ، مدخل أساس من مداخل الإصلاح ، وأحد الشروط لإطلاق مشروع تنموي .. مما يتطلب إعطاء النصوص الدستورية المتعلقة بالإسلام مدلولها الفعلي وأثرها الملموس في جميع جوانب الحياة وسن نص صريح يقضي بأن الإسلام هو المصدر الأسمى لجميع التشريعات والقوانين واعتبار كل ما يتعارض معها لاغيا ) .
كل هذه المعطيات وغيرها كثير تؤكد أن عقائد الحزب وتوجهاته ستضل تحول دون بروز “أردوغان ” بين صفوفه .
selakhal@yahoo.fr
* المغرب
هل يمكن أن يصير العثماني أردوغان المغرب؟للاسف كلامك مليء بالاسفاف والعبارات الغليظة..ويفتقر للموضوعية..لان كلا الجبهتين قد تطرفتا في استعمال الخطاب السياسي المتطرف..وكان اولى بك ان تورد الخطاب المقابل ليحكم القاريء..وليعرف القاريء هل خطاب العدالة خطاب اصيل ام رد فعل على خطاب اقصائي شوفيني مبتذل.. وقضية المراة التي اشرت اليها مناط احتجاج كل الفضاء الاسلامي المغربي وبالمناسبة ففيه تيارات اخرى ليبرالية ووطنية كالحركة الشعبية ذات النزوع الامازيغي والاتحاد الدستوري الليبرالي وجمعيات مدنية متنوعة وحزب الاستقلال كذالك وغيره.. ومناط الاحتجاج هو باختصار:لماذا موضوع كهذا يبث فيه تيار معين لوحده دون ان يعرض على سائر المغاربة..ولماذا يتم تهريب الموضوع خلسة دون اجراء حوار… قراءة المزيد ..