«أمانع تعديل الدستور مبدئياً.. لكنني لا أعترض إذا كان إنقاذاً للبلد»
دنيز عطاالله حداد
لا يبدو البطريرك الماروني الكاردينال نصرالله صفير شديد الخوف من الاوضاع وتطوراتها على الرغم من تأكيده «اننا نعيش في قلب الخطر». قد يكون في تساؤله اكثر من مرة «ماذا في يدي، وماذا يمكنني ان افعل» بعضا من مرارة مبطنة، وانتقادا لا يخفيه للطبقة السياسية التي «تبحث عن كيفية تسيير امورها عوضا عن تسيير امور الناس».
من الديمان الى بكركي مسافة يقطعها صفير في الجغرافيا، لكنه يبقى هو هو في المقرين. «انا مع الانضباط ، مع القانون ، مع الدستور» يقول، وينتقد «من موقف مبدئي تعديل الدستور لانه ليس لعبة». لكنه يقول بصراحة «اذا كان تعديل الدستور ينقذ البلد فلا اعترض». ويذهب ابعد قائلا «اذا كان قائد الجيش ينقذ البلد اهلا وسهلا به».
اعتراضه الاكيد على رئيس لسنتين «لان مثل هذا الرئيس قد لا يقبل بالسنتين ويفعل ما لا يُفعل ليمدد له. كما ان البعض قد يأخذها فرصة فيؤتى برئيس لسنتين وبعدها رئيس جديد لسنتين أخريين فأخريين..».
لا يجد حرجا في اقامة الدولة المدنية العلمانية «حيث من ينتخبونه يحتل الموقع سواء في رئاسة الجمهورية او الحكومة او مجلس النواب او غيره». لكنه يرى المشكلة عند الطوائف الاخرى فيقول «اذا كانوا يرضون نحن نرضى» لكنه يستبق مشككا «انهم متعلقون بطوائفهم اكثر من تعلقهم بوطنهم او لا يرون الوطن الا من خلال الطائفة، وهذا عيب».
يشعر بقلق «على البلد ككل وليس فقط على المسيحيين» ويعتبر غياب العنصر المسيحي لن يكون خسارة على المسيحيين فقط والموارنة انما على الجميع. ولا يعود هنالك من مجال ليبقى لبنان. هو على ما هو عليه ولديهم اطماع فيه فكيف اذا ذهب العنصر المسيحي منه؟».
قد تكون الديمان «اقرب الى السماء» كما يشرح النائب البطريركي المطران فرنسيس البيسري الذي يتمتع في توصيف المنطقة «المقدسة»، فيما يبدو المونسنيور يوسف طوق، ابن بشري، موافقا ضمنا وان بقي متحفظا خلف وقار صمته.
اما المطران رولان ابو جودة ، فعلى جاري عادته، يكون شديد الحضور حين يجب وتأخذ عيناه قيلولة حين يريد. في حين يهز المطران شكر الله حرب رأسه موافقا على كل ما يقوله «صاحب الغبطة». يجتمعون على الغداء في التوقيت المحدد. ينتظرون البطريرك عند باب المائدة. يصلون. يأكلون. يزورون الكنيسة المزدان سقفها برسومات صليبا الدويهي. وفي غرفة جانبية يستريحون للقهوة قبل القيلولة. غرفة حجرية جميلة تتصدرها صورة كبيرة للبطريرك الياس الحويك. لا يشرب البطريرك القهوة، لكنه يقوم بكل لياقات الضيافة. ويتكفل الاب الشاب خليل عرب في اتمام اصول اللياقة والمرافقة.
في الديمان التقت «السفير» البطريرك صفير الذي اكد «اننا نعيش في قلب الخطر. عندما يتم الحديث عن حكومتين ورئيسين ولبنانين هنالك خطر. بلدان كثيرة أعداد سكانها كثر جدا يمشون كما الساعة. نحن عددنا ثلاثة ملايين لا نستطيع ان نسيّر أمورنا. هذا خطر. اتمنى ان تسير الامور في سياقها الطبيعي فيكون هنالك رئيس وحكومة ومجلس نيابي وتسّير أمور الناس. اليوم يبحث كل شخص في المسؤولية عن كيفية تسيير اموره عوضا عن تسيير امور الناس».
÷ يحكى عن السعي للاتيان برئيس لسنتين..
هناك حديث عن انتخاب رئيس لسنتين. لست ادري اذا كان ذلك حلا او انه بدء لمغامرة. من يبقى لسنتين؟ «هو يبقى لست سنوات ويجدد» (ضاحكا).
÷ هذا يقتضي تعديل الدستور.
منيح، في كل مرة يعدّل الدستور. اصبح الدستور كاللعبة. الدول تحترم دستورها.
÷ هذه المرحلة تشبه عام 1988
هنالك شبه لانه لم يعد هنالك رئيس يومها وقامت حكومتان. هل كنا سعداء يومها؟
÷ لقد حاولت القيام بدور توفيقي يومها، فهل يمكن ان تقوم اليوم بمثل هذا الدور؟
ماذا في يدي انا؟.. ماذا يمكنني ان افعل؟..
÷ في يدك ..موضوع الثلثين مثلا حسمته.
حسمته لان هنالك محظورا. يقول الدستور عند اجتماع المجلس يجب ان يكون هناك ثلثا النصاب. متى اصبحوا في الداخل يمكن ان ينتخبوا كما يريدون. يمكن لقسم ان ينتخب من يريد او لا ينتخب.لكن يجب على من ينتخبوا ان يكونوا النصف زائدا واحدا. لكن أن يبدأوا بنصف زائد واحد تصبح هذه حجة لمخالفة الدستور. فكما تخالفون انتم نخالف نحن الدستور ايضا ويصبح هنالك رئيسان. نرفض مبدأ السنتين
÷ نقل عنك رفضك الكامل لفكرة انتخاب رئيس لسنتين..
رفضي الكامل لاننا، كما قلت ، ننتخب رئيسا لست سنوات ولا يقبل بها ويريد التجديد. ويمكن العد من بشارة الخوري. الآخرون لم يتوفقوا.
÷ واحد توفق..
توفق ليس بقوته ولا بقوة اللبنانيين. جدد له السوريون.
÷ لكن معظم النواب الحاليين كانوا يومها..
صحيح. جدد للياس الهراوي وللرئيس الحالي. لكن هل جدد الرؤساءالسابقون؟ عندما شعر بشارة الخوري ان الامر خطير قال انني لا اريد سفك الدم واعتذر.
(يضحك متابعا) «كميل شمعون صعد الى السطح وقوّص ولم يجدد» ويكمل بجدية «قيل للرئيس شهاب لا تتركنا والبحر هائج فاجاب طالما يوجد لبنانيون ضدي لا اريد التجديد. الياس سركيس اختنق صوته ولم يمدد ولو لسنة».
÷ لذلك انت ضد رئيس لسنتين..
ضد رئيس لسنتين لان مثل هذا الرئيس قد لا يقبل بالسنتين ويفعل ما لا يُفعل ليمدد له. من جهة ثانية، قد يأخذها البعض كفرصة فيؤتى برئيس لسنتين وبعدها رئيس جديد لسنتين اخريين وهكذا ..
÷ موقفك مبدئي من تعديل الدستور.
الدستور لا يعدل الا لامر خطير. ما هو اليوم هذا الامر الخطير..
÷ لا يعدل لانتخاب قائد الجيش لرئاسة الجمهورية؟
لست ادري.
÷ نتيجة نجاح الجيش في مهماته المختلفة خصوصا في السنتين الاخيرتين، وعدم تصدعه اصبح البعض ينظر اليه نظرة مختلفة..
هذا شيء راهن باعتبار انه في كل مرة عندما يكون الجيش على المحك ينقسم. في ايام فؤاد شهاب انقسم، لاحقا ايضا انقسم. اليوم الجيش متماسك . وقد قالوا لي ان بعض العسكريين الذين يصابون يطالبون بالعودة الى ارض المعركة بعد علاجهم. هذا لم يكن يحصل. لذلك نحيي الجيش خصوصا انه سقط لهم نحو 130 جنديا ضحايا وشهداء ولست ادري بالضبط عدد الجرحى. لم يكن الجيش يوما منضبطا بقدر ما هو اليوم.
÷ اذا توافق الفريقان، اي الاكثرية والمعارضة على تعديل الدستور ويكون بجزء منه موضوع رئاسة الجمهورية هل يمكن ان تمانع؟
انا امانع انطلاقا من موقف مبدئي، لكن اذا كان تعديل الدستور ينقذ البلد فلا اعترض.
÷ في احدى عظاتك الاخيرة قارنت بين الطبقة السياسية والجيش فبدا كأنك تزكي طرفا على آخر.
انا قلت الوقائع كما هي. «اذا كان هذا استنتاجكم فما دخلي انا؟».
÷ كان لكم موقف مبدئي من استلام العسكر السلطة..
كانوا يقولون هل هنالك افضل من فؤاد شهاب؟ (ويسترسل مبتسما) كانوا يقولون
«يا الله تَ ما نرتاب بالعزة الالهية، فيك تخلق احلى من شهاب بالامة اللبنانية؟».
وكان الرد:
«الله من بعد التفكير
حك براسو كتير كتير
قال هاي شغلة ما بتصير
لا لا ما فيي»
(وتكر ضحكته عاليا).
÷ انت كنت يومها مع الحلف الثلاثي؟
انا مع الانضباط ، مع القانون ، مع الدستور. ماذا سيحصل؟ لا اعرف. اذا كان قائد الجيش ينقذ البلد اهلا وسهلا به.
خسارة المسيحيين
÷ ينتقد البعض تجميد الرئاسات وحصرها في طوائف ويتخوفون احيانا من انعكاس فشل الرئيس على الطائفة..
في بلدان اخرى حلوا القضية باعلان الحالة المدنية. هل يمكننا ان نفعل ذلك عندنا؟ اي ان يكون جميع المواطنين سواسية امام القانون. الانتماء الطائقي أشد من الانتماء الوطني واحيانا الانتماء الوطني يكون عبر الانتماء الطائفي وهذا عيب.
÷ ربما الموارنة اكثر المعنيين بهذا الكلام نتيجة الالتباس بين الانتماء الطائفي والوطني خصوصا ان كثيرين منهم يشعرون ان هذا الوطن انشئ من اجلهم؟
انشئ من اجل الموارنة؟ طبعا هم كانوا اول من جاء الى هذه البقعة وكان هنالك غيرهم، ومع الاجيال اتت طوائف كثيرة لكل منها كيانها وعلينا احترام بعضنا البعض. لكن اذا اردنا اقامة وطن مدني يجب ان يتم تغيير كل شيء. لكن هل تقبل الطوائف؟ هنالك طوائف لا تقبل.
÷ ما الذي يجعل بعض الطوائف لا تقبل؟
انهم متعلقون بطوائفهم اكثر من تعلقهم بوطنهم، او لا يرون الوطن الا من خلال الطائفة.
÷ اليس الموارنة اليوم اكثر من له مصلحة فعلية في تخفيف حدة الطائفية السياسية؟
ليس الموارنة. اقنع الطوائف الاخرى. اذا كانوا يرضون نحن نرضى.
÷بالدولة المدنية ام بالعلمانية؟
الدولة المدنية يعني العلمانية. لا طوائف. من ينتخبونه يحتل الموقع سواء في رئاسة الجمهورية او الحكومة او مجلس النواب او غيره. هل هم مستعدون؟ هذا يحتاج الى وقت طويل.
÷ هل تشعر بقلق على مصير المسيحيين؟
اشعر بالقلق على مصير البلد ككل.
÷ لكل طائفة ازماتها لكن الالتباس بين الموارنة ولبنان وموضوع الرئاسة…
منذ نحو ثلاثين سنة ترك نحو مليون شخص لبنان معظمهم من المسيحيين. ولبنان،كما قال البابا يوحنا بولس الثاني، رسالة. رسالة تعايش لجميع الشعوب والطوائف كيف يمكن ان يعيشوا مع بعضهم باحترام ومحبة. فاذا انتفى ذلك ولم يعد هنالك تعاون لن تكون الخسارة على المسيحيين فقط والموارنة انما على الجميع. ولا يعود هنالك من مجال ليبقى لبنان. هو على ما هو عليه ولديهم اطماع فيه فكيف اذا ذهب العنصر المسيحي منه؟ يلحق عندها بسوريا او الاردن او السعودية او غيرها. هذا ما يجعل له فرادة نوعا ما. المسيحيون يعيشون. كم بقي منهم اليوم في لبنان؟ مليون؟ اكثر من مليون بقليل؟ في البرازيل يوجد اكثر من عشرة ملايين. في الولايات المتحدة اصبح لدينا مطرانان ومئتا رعية، ناهيك عن استراليا وكندا والمكسيك والارجنتين… هنالك مسعى لاعادة ربطهم بلبنان. هل سينجحون؟ لست ادري.
÷ يحكى اليوم عن مبادرات لجمع المسيحيين..
اليوم وضع المسيــحيين ظاهر على الشاشات، لكن هل الشيعة غير منقسمين؟ هنالك ناس ضد، لكن ساكتون. كما عند السنة هنالك ناس ضد لكن ساكتون. لكن الموارنة يهشمون بعضهم.
÷ ربما لديهم شاشات..
يضحك: «عندهم شاشات».
÷ هنالك مناسبة هي رئاسة الجمهورية.
هذا قبل. اليوم اصبحت اكثر.
÷ نموذج المتن اعطى مؤشرا على صعوبة التوافق على الوضع الرئاسي..
نعم هنالك صعوبة. راحوا يقولون اين البطريرك لماذا لا يوفقهم؟ ارسلنا اليهم ثلاثة مطارنة وامضوا ثلاثة ايام يجولون عليهم وفي النهاية لم يحصل شيء.
÷ يبدو انك تحب الرقم ثلاثة لانه يقال ان في جيبك اسماء ثلاثة مرشحين للرئاسة..
(يضحك) «معي اكثر»..
÷ تمنى النائب ميشال المر ان يتصاعد الدخان الابيض من بكركي.
ان شاء الله.
÷ هل انت مع رئيس توافقي لا من 8 ولا من 14 آذار؟
يجب على الرئيس ان يكون قادرا على ان يسوس البلد وكل الناس. فاذا كان هنالك ناس ضد، وآخرون مع، تكون رئاسته منذ البداية منتقصة.
÷ هذا اذا استطاع ان يصل طالما انه لا يوجد فريق قادر على ان يوصل رئيسا.
لا، طالما ان كل فريق معروف عدده. هذا اذا لم تحصل اغتيالات. يجب ان يتوفر النصاب قبل كل شيء. في الداخل يمكنهم ان يتخذوا القرار الذي يريدون، لكن هنالك من يريدون المقاطعة قبل الدخول الى المجلس، عندها يجمد البلد ولا يمكن للبلد ان يتقدم وهذا لا يجوز.
÷ هل ترى ان هناك رئيسا للجمهورية؟
ارى كثرا””.
÷ هل سيفوز احدهم؟
بحسب تفكير الفرقاء. اذا كل فئة ارادته منها سيكون هنالك صعوبة. اذا جاء شخص حيادي ووفاقي، على ان تكون لديه الصفات المطلوبة..
÷ هذا يحصر الاسماء . بكم؟ بثلاثة اسماء؟
لا هنالك اكثر من ثلاثة.
÷ هل اعطاكم السفير الاميركي تطمينات بتسهيل الانتخاب الرئاسي؟
السفير الاميركي يقول انه لا يتدخل.
(ينتقد البطريرك صفير «المستوى الذي انحدر اليه الخطاب السياسي. لم يكن هذا الخطاب يوما على هذا المقدار من الانحطاط. «فالكلام الذي يتراشقون فيه كلام شذاذ الافاق ولا يقوله حتى الرعاع من الناس».
÷بعض هذا الكلام طالكم..
بعض الناس لا يحترمون انفسهم فبما تطالبونهم؟
÷ كيف تقرأون الوضع في مخيم نهر البارد؟
لقد سقط للجيش حتى اليوم اكثر من 130 شهيدا وعدد كبير من الجرحى. والمسلحون اتوا من بلدان مختلفة من تونس والسعودية والمغرب وغيرها. يقال ان هنالك نية لاعادة بناء المخيم. نحن نتساءل ما الفائدة اذا عادت الامور الى ما كانت عليه؟ ويقال انه وجد في المخيم تحصينات كبيرة واسلحة وغيره. من جهة ثانية يقال ان هنالك نية لانشاء مخفر داخل المخيم لضبط الامور.
÷ كيف تنظر الى الوضع الفلسطيني في لبنان؟
يجب اولا اعطاء الفلسطينيين بطاقات هوية فلسطينية. لبنان بلد صغير لا يمكنه ان يستوعب الاعداد الكبيرة، فيما دول عربية كثيرة اراضيها اوسع وقادرة على استيعابهم.
(السفير)