ثمة نزاع من طبيعة درامية، يدور بين النائب السابق والمعارض السوري رياض سيف وسلطات بلاده. هو يريد السفر للعلاج في الخارج، وهي تمنعه من ذلك. لم تسقط عنه من الناحية الشكلية حق السفر للعلاج، لكنها ترى انه لا مبرر للأمر، طالما أن هناك مستشفيات في سوريا. كان الجواب الرسمي: لتتعالج في المشافي السورية مثل بقية المواطنين. هو يقول إن نتائج التحاليل الطبية التي اجريت بالمراسلة في مخابر مدينة هامبورغ الألمانية، تؤكد انه مصاب بسرطان البروستات، وأن الإصابة وصلت إلى مرحلة متقدمة، فإذا لم يتم علاجها بسرعة، فإنها تهدد بالانتشار في بقية انحاء جسد الرجل الذي تجاوز الستين. وهو من حيث المبدأ غير متعفف على العلاج في وطنه، بل إن الأمر يتعلق بقدرة المشافي السورية على إنجاح العملية.
لو كان رياض سيف يريد السفر للعلاج على حساب الدولة السورية، فإن من حقها أن ترفض ذلك، وتحيله للعلاج في مستشفياتها أسوة ببقية أبناء الشعب، ولكن بما أن الرجل يريد أن يذهب للعلاج بطرقه الخاصة، من دون أن يكلف خزانة الدولة ليرة واحدة، فمن غير المفهوم التعلل بعذر من هذا القبيل. وعدا ذلك، إن فهم المسألة لايحتاج إلى تنجيم في الغيب ومحاججات افلاطونية، فهناك قرار أمني وسياسي لا يزال ساري المفعول، يمنع الرجل من العودة إلى الحياة العادية، بعد سنوات السجن السياسي التي قضاها وراء القضبان، ولم تشفع له في حينها حصانته النيابية. لكن بما أن حالته الصحية مهددة في الوقت الحاضر، فإن ذلك يسقط جميع الأسباب التي تحول دون سفره، ويجعل التضامن مع وضعه الصعب واجباً إنسانياً قبل كل شيء.
لم يكن القدر سيقود رياض سيف إلى النيابة، ومن بعد ذلك إلى صفوف المعارضة في سوريا، لو أن طريقه كصناعي وكرجل أعمال استمر مفتوحاً. ويثبت خط تجربته الحياتية انه لم تكن لديه أية انشغالات سياسية خاصة، بل إن إعادة تركيب شريط حياته من جديد، وقراءة خياراته في ضوء ذلك، يؤكدان أن الرجل كان يريد الذهاب نحو أفق آخر، بعيد كل البعد عن العمل السياسي المباشر. ولأنه جاء من وسط فقير ووجد فرصة النجاح سانحة أمامه، فإنه أراد أن يترجم ذلك في إطار رؤية اقتصادية وطنية. هو رجل يلخص شريحة أساسية من المجتمع السوري، بدأت في الستينات على نحو عصامي في بناء نفسها، وتمكنت من النجاح بفضل الجد والتضحية والاستقامة وجودة الانتاج. وقد واتته الظروف كصناعي بسيط يحظى بالمصداقية ليقيم علاقات مع شركات دولية كبرى ألمانية وفرنسية مثل “اديداس”، وقد كان مبعث فخر لسوريا أن تعلن فرنسا خلال أولمبياد سنة ،1998 أن ملابس اللاعبين صنعت في سوريا. وبالطبع كان ذلك في المعامل التي أقامها سيف في دمشق، لكنها تحولت نقمة عليه، بدلا من ان تصبح نعمة تصيب سوريا.
مهما يكن من أمر، فإن رياض سيف ومشروعه هو ضحية البيروقراطية التي منعت الاقتصاد السوري من أن يتطور على نحو حر وخلاق، وتلخص المواجهة مع سيف المعركة بين المبادرة الفردية من جهة، ومن جهة ثانية العقل البيروقراطي المتحجر والنظام الاقتصادي العتيق، الذي اضاع على سوريا الكثير من الفرص الثمينة. وكانت النتيجة أن المشروع الذي بدأ من الصفر، وعلى نحو عائلي، ووصل إلى تشغيل نحو 1200 عامل، انتهى إلى الفشل. فلا القطاع الخاص استفاد، ولا الدولة، بل خسرت سوريا جزءاً من سمعتها على صعيد سوق الاستثمار الدولي، وهي لا تزال تدفع الثمن إلى اليوم.
بدوره دفع رياض سيف الثمن، حيث وصل إلى حافة الافلاس نتيجة الصراع مع الجهاز البيروقراطي، وتحول من رجل أعمال كبير إلى شخص مفلس يسدد عنه أهله وأقاربه وأصدقاؤه الفواتير التي تطارده حتى الآن. ولكن الرجل أبدى شجاعة نادرة وعناداً لامثيل له، حين دخل المعترك السياسي، وترشح لكرسي النيابة عن دمشق، ففاز في دورتين متتاليتين (1994 -2002)، لكنه قضى القسط الأكبر من ولايته البرلمانية الثانية في السجن الذي دخله سنة ،2001 بسبب مشاركته النشطة والفعالة في تجربة “المنتديات” التي عرفتها سوريا، في إطار ما عرف ب”ربيع دمشق”، الذي تلا موت الرئيس السوري السابق حافظ الاسد، ومجيء نجله بشار إلى السلطة.
إن الرجل الذي استعاد حريته منذ حوالي سنة ليس حراً إلى حد الآن، هو لا يطالب الآن بأكثر من حقه في جواز السفر، والذهاب لتلقي العلاج. فرياض سيف حياً هو أفضل لسوريا منه ميتاً، وصناعي مبادر وعصامي من هذا الطراز يجب أن يتم إنصافه، لا وضع العراقيل في طريقه، بما في ذلك تعريض حياته للخطر.
bpacha@gmail.com
* كاتب سوري – باريس
معارض سوري وحق العلاج
احترم شخصا تخاف منه حكومتنا !!!!!!!!!! smartevil