لم تستطع دول الشرق الأوسط منذ استقلالها الاستغناء عن تبعيتها أو تحالفاتها مع المراكز العالمية، فقبلت بعضها بالنفوذ الغربي وأخرى بالنفوذ السوفييتي. ورأى مراقبون بعد انتهاء الحرب الباردة أن الصراع في المنطقة حالياً أصبح بين طرفين: أميركا والغرب من جانب، وإيران وحلفائها من جانب آخر. إلا أنه سيتضح سريعاًً أن دور “المركز الإيراني” البديل جرى تضخيمه على غير حقيقته بأمل أن يكون خشبة إنقاذ للمتضررين من المتغيرات الدولية العاصفة.
تتشابه الثورتان، الروسية بقيادة الشيوعيين المتبنين لأيديولوجيا دنيوية، والإسلامية الإيرانية بقيادة رجال الدين، بالطموح لتصدير نموذجهم للحكم عالمياً، إلا أن الحرب الطاحنة مع العراق اضطرت إيران للقبول مؤقتاً بسياسة براغماتية أدارها رافسنجاني، تعاملت مع الوقائع الدولية بمعزل عن شعارات الايدولوجيا الدينية رغم استمرارها مع وقف التنفيذ.
سعى خاتمي بعده لحوار حضارات ولعلاقات طبيعية مع دول العالم على أساس المنافع المتبادلة، وأعطي أملا لغالبية شعبية انتخبته من الشباب والنساء والمثقفين بإمكانية الحد من سياسات تجنيد المواطنين لخدمة الأيديولوجيا بدل أن تكون الأيديولوجيا في خدمة الإنسان، إلا أن رجحان الهيمنة على السلطة للمرشد الأعلى والمؤسسات التابعة له- الأمنية والعسكرية والقضائية -، أعاقت الإصلاح الخاتمي واستخدمته كمرحلة لامتصاص النقمة الشعبية المتصاعدة إثر انتهاء الحرب مع العراق.
إلا أن خيبة الأمل بالسياسة الوسطية الخاتمية المؤدية لتفتت التيار الإصلاحي، وفر الفرصة للمحافظين للعودة للإمساك بالسلطة التنفيذية والتشريعية دون الحاجة لوسيط، لتؤدي الانتخابات الموجهة لنجاح ممثلهم أحمدي نجاد المفتتح لمرحلة أعادة إيران للسياسة الخمينية.
لكن نجاد ليس صانع السياسة الإيرانية بل مسوق لتوجيهات المحافظين، وبعكس موقف خاتمي المعتدل: “نقبل بما يقبل به الشعب الفلسطيني”، أطلق نجاد خطاباً متشدداً بالدعوة لتدمير النظام الصهيوني، وهاجم الدول الإسلامية التي اعترفت أو ستعترف بإسرائيل وهدد أنظمتها بنيران غضب شعوبها.. وتحدث عن صراع ديني بين مسلمين ويهود.. وأنكر المحرقة.. وانتقد سياسة التقرب من أوروبا لمخالفتها للثورة الإسلامية العالمية..
وكترويج كلامي صرح أن الثورة الإسلامية ستشمل قريباً العالم أجمع!، فمساره بعد انهيار الماركسية و”عجز” الليبرالية سيتجه نحو “الأهداف الإلهية!” وسيادة الإسلام المحمدي!، وهو ما يشابه الإعلانات السوفييتية عن عصر انتصار الاشتراكية في العالم!. وبعكس خاتمي الذي عمل للموائمة بين وقائع العصر والأيديولوجيا الإسلامية، ذهب الخطاب النجادي مباشرة لسياسة: “الإسلام الشيعي هو الحل” الصالح للدول الإسلامية وللعالم، بإعلان قرب عودة الإمام المهدي ليقيم حكومته العالمية العادلة، مع تهديد الدول الكبرى بمصير نمرود وفرعون!!.
الدور العالمي لإيران مسرحية للاستهلاك المحلي ولاستقطاب رأي عام إسلامي حول إيران مستقوية بالمعجزات لشطب دول من خرائط العالم على الورق، وهي حالة شبيهة بالخطاب الناري الصدامي قبل سقوط بغداد. لكن دور إيران الإقليمي يبدو حقيقياً رغم مشكلاته، فالعودة لسياسة تصدير الثورة تنتقل الآن لخطوات عملية، مستفيدة من التغيير الذي تم في العراق حيث باتت إيران طرفاً مشاركاً في ما إذا كان العراق سيتجه للاستقرار أم يستمر نهباً للإرهاب والصراع الطائفي الذي تدعم إيران طرفيه لإظهار فشل السياسة الاميركية.
أيدت إيران حماس في انقلابها الأخير للاستيلاء على غزة ودعمت حزب الله في السعي لقلب الحكومة اللبنانية, ويرى البعض أن إسرائيل باتت محاصرة من الشمال والجنوب، مما يذكر “بالكماشة” المصرية- السورية المنتهية بكارثة حزيران 67، فإلى ماذا ستقود “الكماشة” الجديدة طالما سقفها إزالة إسرائيل ؟!
كما تسعى إيران النجادية لدور في الصومال واليمن والسودان.. وتعمل لنشر صواريخ في سوريا، حسب وكالات الأنباء، وتستمر في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث والمطالبة بالبحرين كمحافظة إيرانية، وتهدد بإغلاق مضيق هرمز لوقف إمداد العالم بالنفط، وبضرب قواعد عسكرية أميركية، كما تشيع القلق في دول الخليج وباكستان خشية من تحريكها للأقليات الموالية لها..
لا شك أن الاستبداد الداخلي محفز للتوسع الإمبراطوري، ومن نماذجه الحديثة : ألمانيا الهتلرية، وإمبراطورية الاتحاد السوفييتي في شرق أوروبا، ومحاولة عراق صدام حسين الفاشلة للتمدد شرقاً وجنوباً.. وقد استندت إمبراطورية الشاه الأسطورية على دور إيران كشرطي للخليج مع تحويل الموارد النفطية لاحتفالات البلاط الشاهنشاهي الأسطورية. أما الإمبراطورية الإسلامية الراهنة فاعتمدت الترويج “للأهداف الإلهية” وامتلاك الطاقة النووية لإرهاب الأنظمة العربية.
اعتمدت حملة نجاد الانتخابية على الوعد برفع مستويات المعيشة للإيرانيين في مواجهة دعاية التيار الإصلاحي الواعد بمزيد من الحريات، إلا أنه في التطبيق أهمل نجاد الداخل وتفرغ لتصدير الثورة، لكن الدور الإقليمي والدولة النووية وإنتاج وتطوير الأسلحة مؤدية جميعها لهدر الموارد، بينما يعاني الداخل من أزمة خانقة، فإيران رغم أنها دولة نفطية – تنتج 4 مليون برميل يومياً تصدر نصفها-، فالإيرانيين تحت خط الفقر 40% ومتوسط دخل الفرد 800 دولار سنوياً! مع تضخم متصاعد وميزانية متعثرة وأسعار مرتفعة، والنفط بدل أن يوظف لحل الضائقة الاقتصادية والمعيشية يستعمل كسلاح بالتهديد بوقف إنتاجه لخلق أزمة عالمية.
أفضل مثال للإخفاق الاقتصادي أن إيران تستورد نصف احتياجاتها من البنزين لعدم توفر محطات تكرير كافية!، مما أدى لتقنين شديد ولمظاهرات واعتقالات، فالمعارضة الإيرانية لم تتوقف رغم الاستبداد المغلف بالمقدس.
ولو قارنا مع النظام السوفييتي فإن الفشل الاقتصادي رغم النجاح في إنتاج الأسلحة كان سبباً رئيسياً لانهياره، ومن المرجح أن يكون مقتل النظام الإيراني، بالإضافة لافتقاد الحريات وأزمة القوميات الإيرانية المحرومة من حقوقها، والحرب الباردة المتصاعدة مع الغرب بعد تهديدات وعقوبات المجتمع الدولي.
يمكن إجمال الفوارق بين الاتحاد السوفييتي السابق وإيران أن الأول كان مشروعاً للهروب إلى الأمام بينما الثاني مشروعاً للهروب إلى الخلف. وربما تفيد المقارنة في إقناع المتحمسين للتحالف مع إيران، أن النفخ في “قربة مثقوبة” لن يوصلها لدور البديل للاتحاد السوفييتي.
أفضل ما تستطيعه إيران أن تكون مشروع “إمبراطورية رثة” تقايض بقاء نظامها بأوراقها الإقليمية.. وأفضل ما تفعله الأنظمة المعتمدة عليها التمسك بالسياسة الواقعية والاعتماد على مواطنين أحرار..
* كاتب فلسطيني مقيم في سوريا
الإمبراطورية الرثةبسم الله الرحمن الرحيم الأخ كاتب المقال الجيد ان تشبيه الجمهورية الأيرانية الأسلامية بأتحاد الجمهوريات الأشتراكية السوفيتية غير واقعي اولا الأتحاد السوفيتي كان يضم 21 دولة فى سلطة مركزية واحدة ( الحزب الشيوعي ) وتقوم على المبدأ الأشتراكي فلسفة ماركس و تطبيق لينين وتنكر العلاقة الألهية و تعتبر الدين هو افيون الشعوب كما انها تعتمد سياسة القمع و الأرهاب داخليا ارادت تصدير الهدف السياسي الفكري الى العالم لمواجهة الهدف السياسي المضاد الرأسمالية وفلسفة اليبرالية الغربية اشتركت في الحرب العالمية الثانية وخرجت اكثر قوة من دول غربية اعتمدت على النظام السلطوي وقادت التقدم المطلوب لتحقيق الغاية المحددة وتقدمت على الصعيد… قراءة المزيد ..