تمنيت وكثير ممن شاهد فرحة الإخوة العراقيين بالفوز بكأس آسيا تتدفق علينا من خلال نوافذ الفضائيات ، أن يظلل ذلك الفرح المنهوب من براثن المعاناة والنصب والفقد والخوف وفقدان الإحساس بالأمان أيام العراقيين ولياليهم . سويعات سرقت من الزمن القاسي والأيام المرة لتجلب بعض السعادة لقلوب أدماها الفقد وزلزل أمانها الاحتلال ، وما تبعه من كوارث إنسانية وعمليات إرهابية وتفجيرات وتهجير وفتن طائفية وفرقة وتشرذم . وطرقت ذهني مرارا وتكرارا عبارة قالها بائع مثلجات في كركوك قبل المباراة : إذا فزنا سأوزع كل بضاعتي مجانا ، فأنا ممتن لهذا الفريق الذي أعاد لنا الفرحة ولو لساعتين فقط .
وكنت قد تألمت وأنا اقرأ في اليوم السابق تحذير الأمم المتحدة من أن أجيالا من الأطفال العراقيين المهجرين والمتناثرين في بقع من العالم العربي ستحرم من التعليم ، وأن الأمم المتحدة تستنهض همم المجتمع الدولي لجمع 129 مليون دولار حتى يتمكن هؤلاء الأطفال من الانتظام في الصفوف الدراسية في البلدان التي أجبرتهم الظروف على النزوح إليها . ظروف أليمة وقاسية تجابه العراقيين سواء الباقي منهم في جحيم العبوات الناسفة والعمليات الانتحارية في بقايا وطن ألقت به وعود ديمقراطية العم سام في أتون الفوضى التامة التي يطلقون عليها الفوضى الخلاقة !! أو الآخرين المهجرين في أرجاء الأرض ونواحيها . ومن عمق هذه المعاناة استطاع العراقيون أن ينتزعوا نصرهم ويفوزوا بكأس آسيا لأول مرة .
فرحة حاول العراقيون أن ينهشوها من جدب الأيام وقحط الليالي ، علّها تكون بداية للعودة إلى التوحد تحت مظلة الراية العراقية ، علّها تستطيع أن تكّون شذرة أمل ونفحة حلم أن عراق الوحدة قادم رغم أرتال الفرقة ودوامات النزاعات . وبدا لي الانتصار العراقي إعجازا في ظل الظروف المحدقة بالعراقيين ، إعجاز يؤكد قوة هذا الشعب ومتانة نسيجه الاجتماعي المتعدد الطوائف والأعراق . تنوع الفريق العراقي وتوحد لاعبيه جميعا تحت العلم العراقي جاء ليؤكد أن الخلافات الطائفية دخيلة على المجتمع العراقي ، وأنها ليست إلا حصادا لبذرة حاول الاحتلال أن يزرعها في أعماق التربة العراقية لتستشري وتنتشر وتأكل الأخضر واليابس . فكلنا يعلم أن العراقيين تعايشوا طويلا سنة وشيعة ومسيحيين وأكراد وتركمان في مناخ يسوده التسامح الديني والائتلاف والانسجام والتناغم تحت مظلة المواطنة ، فتعددية المجتمع وتنوعه استطاعت أن تنزع التعصب وتهيأ الأفراد لقبول الاختلاف ولتمثل مفرداته . فعاش العراقيون على اختلاف مذاهبهم الدينية وتنوعهم العرقي في أمان وسلام ، حتى ساهم الاحتلال في بذر الاختلاف والنزاعات ، مستخدما ضعاف النفوس وعازفا على أوتار النزعة البشرية المولعة بالإمساك بصولجان السلطة البراق .
يأتي الفوز العراقي أيضا ليؤكد أن الرياضة نجحت فيما فشلت فيه السياسة ، وأنه من الممكن تعزيز مفهوم المواطنة وتعميق مفهوم الانتماء القطري عبر هذه المنافسات الرياضية التي توحد قلوب الشعوب تحت لواء رايات أوطانها ، ولعلنا نستطيع استثمار ولع الشباب بالرياضة – وكرة القدم على وجه الخصوص – وتوظيفه لتأكيد مفهوم المواطنة وتعميق الإحساس بالانتماء في زمن فقد فيه شبابنا إحساسهم بالانتماء وتقطعت الخيوط التي تربطهم بهويتهم . فالشعب السعودي برمته التفت قلوبه حول المنتخب السعودي متابعا خطواته و متمنيا له الفوز ، ومنتشيا بالنصر الذي حققه حتى وصل للنهائي ، وإن كنت أعتقد أن جّل السعوديين لم يحزنوا على خسرانهم في المباراة النهائية ، فالكأس لم يذهب بعيدا فهو في حضن أشقائهم العراقيين .
تمنيت وأنا أشاهد المباراة أن تمتد وحدة الفريق بمن فيه من سنة وشيعة وأكراد وتركمان تحت الراية العراقية لتكتنف الشعب العراقي وتطويه تحت مظلتها ، أن يمتد ذلك الإحساس بالوحدة ليبدد محاولات التفرقة والتشرذم ، وليؤكد أصالة هذا الشعب وعراقة منبته وقوة ارتباطه بعضه ببعض . وطغى على كياني إحساس بالتفاؤل والأمل أن يستطيع العراق أن ينتشل جسده المثخن بالجراح من تحت وطأة ما يمر به ، ليتوحد ويتعاضد ويقف صفا واحدا لبناء عراق جديد قوي ، لا تستطيع يد دخيلة أن تفرقه أو تفت من عضد متانة أواصره وقوتها .
Amal_zahid@hotmail.com