في 25\7\2007 نقلت وكالة رويترز النبأ التالي:( قال السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة دان غيلرمان للصحفيين أنه تصافح مع نظيره السوري بشار الجعفري وتحدث معه أمس. وشوهد الرجلان يسيران من المراحيض خارج مجلس الأمن حتى الغرفة المؤدية لقاعة المجلس،وسُئل غيلرمان عما إذا كانا قد ناقشا أي شيء أهم من حالة الطقس فقال:”لم نناقش حالة الطقس”، وسُئل فيما إذا كانت هناك مصافحة فقال:”نعم”، لكن الجعفري نفى أنه تحدث مع غيلرمان وقال للصحفيين:”لم أكن أسير معه، لقد كان يتبعني، لم أخاطبه، ولم أتحدث معه”، وسُئل إذا كان تصافح مع غيلرمان فقال:”لم نتصافح باليدين ولا بالأقدام”).
واضح ذعر الجعفري، ُجمله مقطّعة وحادة وقلقة، واضحٌ دفاعه الهش وينطبق عليه المثل العربي: “يكاد المريب أن يقول خذوني”.
تصافحا أولاً، وتحادثا ثانياً في دورة مياه مجلس الأمن. أراد الجعفري أن تبقى ارتكابتاه الاثنتان سريةٌ وأراد للقاء دورة المياه أن يبقى مخفياً، فقد علمته الدكتاتورية السورية وعقله التآمري تلك السرية وذاك الخفاء. غيلرمان في موقع القوي الواثق، نقل لرويترز ما حصل، سقط الجعفري في الذعر والكذب وغاب عن إدراكه ـالمرتبك المشوش ـ أن الإسرائيلي لا يقدر على الكذب مع الإعلام ولو فعله لمسحت الصحافة رخام دورة مياه مجلس الأمن بربطة عنقه وياقة قميصه.
لم ينشأ الكذب والذعر عند الجعفري بعد احتكاكه بزميله الإسرائيلي….لم ينشأ خوفا على بكارته الوطنية وعذريته القومية…. أبداً، فقد فقدها مع النظام الذي يعمل في أجرته منذ فترة طويلة، ولن يذعره ذاك؛ فأسياده فعلوها معه وقبله بزمن طويل وعن سابق تصميم وإصرار عندما سلّموا الجولان مفروشاً، وحافظوا على العهد والوعد “الصادقين” بحماية أمن إسرائيل أربعاً وثلاثين عاماً، وعندما أصروا على أنهم سيردون على ضم الجولان في الزمان والمكان المناسب، بل في الوقت المستحيل، وعندما حولوا البلد والجيش والشعب إلى ركامٍ مهيءٍ أن تلتهمه إسرائيل في ساعات معدودة.
إن الذعر الحقيقي الذي شعر به الجعفري ـ وهنا بيت القصيد ـ ناشئ من قدرة خصومه وفروعهم الأمنية على التغلب عليه وعلى فرعه الملحق به، وتحت حجة الحدث تافه المصافحة وتافه المحادثة. إن الجعفري يعرف جيداً الكثيرين من أجراء الدكتاتورية والذين سقطوا نتيجة صراع تكتيكي على السلطة بين مختلف فروع الأمن ويعرف جيداً أنه من الممكن أيضاً أن يكون في عدادهم.
إن ذعر الجعفري لن يخففه أن “المرحوم” حافظ الأسد قد صافح رئيس إسرائيل في جنازة الحسين رحمه الله وطيب ثراه. وأن بشار الأسد قد ابتسم مرتين وتحادث مرتين مع المغتصب الجنسي المطرود رئيس دولة إسرائيل “كاتساف” في وفاة سيد الكاثوليك البابا، وأن الأسد الإبن يتمنى لقاء الإسرائيليين ويستجديه في ماضي هذا الزمان وحاضره ومستقبله؛ هذا إن كان له في المستقبل موضعٌ أو مكان، ولن يخففه أن مفتي الدكتاتورية السورية وشيخها ودكتورها وعلاّمتها أحمد حسون كان يعانق وينتظر بشوقٍ ضم الحاخامات اليهود في بقاع الأرض، ولن يخففه التعامل المزمن ـوالذي ارتفع إلى مستوى التفاوض ـ الذي قام به وتعاطاه الإقتصادي والسياسي رجل الأعمال السوري إبراهيم سليمان والمقرب جداً من العائلة الأسدية.
إن الجعفري ساهم في صنع حدث دورة المياه، وعقّب عليه بغباءٍ وحمقٍ وذعرٍ وكذبٍ وعريّ، وهذه معانٍ رخيصة انتقلت إليه من أسياده الذين تعشقوها ومارسوها مع السوريين والمنطقة والعالم بعد أن أضافوا لها أسوأ ما في هذا العصر، الإرهاب والجريمة المنظمتين وهوس السلطة الجنوني. ولا أعتقد أنهم سيفلحون بل سيساقوا إلى لاهاي وإلى القصر العدلي في الشام….. ليتخيل الجعفري نفسه وهو ينتظر دوره طويلاً ليقضي الشعب السوري في أمره بعد أن قضى في أمر الذين فوقه بمئة درجة.
إن كل أشكال الذعر والكذب التي شعر بها ومارسها الجعفري هينةٌ سهلةٌ، وأبعد ما قد تصل إليه أن يقعد في بيته ويخسر الحياة المترفة من طراز خمس نجوم في نيويورك. ثمة ذعر وخطر قادمان قد لا يراهما الجعفري، وقد يكون المنصب أعماه عنهما، وانصحه أن يرى أبعد من أنفه ورغباته الراهنة، أنصحه أن يرى بركان الشعب السوري المتقد تحت الغطاء السميك ظاهراً والهش حقيقة والمحاك برداءة من أحابيل الإستفتاء الرئاسي وأكاذيب مجلس “الشعب” ومن جملة إرهابات النظام وسياطه وعفن جحور مخابراته.
وفي خاتمة هذا اللغو النافع أقول للجعفري أن بإمكانه التخلص من كل ما هو فيه بإعلان الإنشقاق عن النظام وطلبه اللجوء السياسي في بلاد العم سام….. فهل يفعل؟. ولا أظنه يملك الشجاعة والذكاء لذلك، وإن كان يملك بعضاً منها يوماً ما، فإن طاحونة الدكتاتورية السوداء قد حولتهما إلى رماد، وحولت صاحبهما إلى كاذب مذعور خائف وسيبقى كذلك وأمثاله من خدم النظام حتى ساعة الحساب أمام الشعب في الدنيا وأمام الله في الآخرة.
* كاتب سوري.
مآسد ومراحض
يتسلّى العالم ويفكه، بما فيه عالم العرب اليوم، بتسلسل مشاهد “سوريا الأسد”. وآخرها مغامرات الجعفري المرحاضية. المكان يليق فعلاً بالبطل، فما يمارَس عادة فيه، يبقى من حيث العقل ومن حيث النظافة، أرقى، وبأشواط، من أداء مافيا الشام في السياسة. والمرحاض يعني الخلاء، والعزلة, وهو صورة صادقة عما وصلت إليه مافيا الشام : زاوية معزولة، لمزاولة الحاجات الطبيعية. بانتظار اليد التي ستكبس على “السيفون”، لتصريف سوائل (وجوامد) الصمود والتصدي والممانعة والمقاومة … والمراحضة، طبعاً، هذا ما عدا الحزبلة والمزبلة ونحو ذلك من المفاهيم الأسدية الفكاهية.