الأكثرية العددية من المتنيين عونية الهوى. يستفاد من ذلك أنها كأكثرية مناطقية تبدو مقتنعة بشكل لا رجعة فيه بأن العماد ميشال عون هو صاحب الباع الأطول في مسيرة استرجاع السيادة والاستقلال للبنان، وأنه ما أن استرجعهما حتى أطلق مسيرة استرداد العزّة والكرامة للموارنة. وعليه فهي متمسّكة بشخص العماد ميشال عون، على أنه الأنسب لشغل منصب رئاسة الجمهورية، بقصد اعادة بعض مما خسرته هذه المؤسسة من بريق وكبرياء وصلاحيات.
وبما أنّ التيار الغالب في السنّة هو الذي يقف حجر عثرة إلى الآن ضد توصيل العماد عون إلى رئاسة الجمهورية، فان هذه الأكثرية من المتنيين او المسيحيين، تسلّم ضمناً أو جهراً بأن «البحر السني» يمثّل الخطر الاستراتيجي الذي يهدّد أساس الوجود المسيحي كونه يهدّد امكان استعادة هذا الوجود لروحه المهيمنة على مجمل الواقع اللبناني، سياسة واقتصاداً وثقافة. أما في ما عنى «المعضلة الشيعية» المتمثّلة بامتلاك منظمة حزب الله للسلاح وادارتها للصراع مع اسرائيل على كيفها، فان الأكثرية المتنية أو المارونية لا تجد من سبيل لمناقشة هذه المسألة من موقع اللاموقع، وانما فقط حين يصير للموارنة موقع، أي حين يستردون رئاسة الجمهورية، وهو ما ليس من شأنه أن يتحقّق الا باستسلام جميع مكونات الحياة السياسية اللبنانية، واضطراداً، جميع المعنيين الدوليين والاقليميين بالشأن الرئاسي، أمام هذه الروح الجماعية التي تطالب منذ قرابة العقدين بتبوّأ العماد عون لمقاليد الرئاسة. عند هذه الأكثرية المتنية أو المارونية أن وصوله الى الرئاسة لا يعني فقط وصول أقوى ماروني الآن اليها، وانما أيضاً عودة الموارنة جملة الى حكم لبنان. ليست هذه الشبكة من المسلّمات والقناعات تتولّد فقط من طريق الوقوع تحت سحر شخص أو خديعة، أو لمجرّد أن مسّاً جنونياً قد أصاب الموارنة في الصميم. مع ذلك، ليس التسليم لهذه الشبكة من المسلّمات والقناعات بمركز القيادة والحكمة ممكناً، والدليل على ذلك هو معركة المتن الفرعية نفسها. لماذا؟ لأن العماد عون يريد أن يظهر مسيحياً بأنه رمز لهذه المرحلة بالذات، أي أنه الأقدر على التعامل مع مسألة شائكة من مثل ضرورة استفادة الموارنة من فرصة ذهبية متمثلة بالانشطار المذهبي للمسلمين بين سنّة وشيعة بقصد اعادة تأهيل المارونية السياسية مجدداً لحكم لبنان. لأجل ذلك مثلاً ترى الجنرال مقتنعاً بأن الشيخ أمين الجميّل ما عاد أهلا بهذه المرحلة. أي ليس لدى الجميّل من خطة لتمكين الموارنة من استرداد لبنان من «المسلمين»، وانما هو يكتفي بطرح شعار استرداد «المتن»، وبالكاد يعرف أن يجيب على سؤال «استرداده ممّن؟». أما العماد عون، وبعد أن نجح في استعادة لبنان من براثن سوريا، فإن لسان حاله يجنح للقول بكل صراحة بأنه مصمّم على استرداد هذا البلد من السنة أولاً، وأنه كفيل بإقناع الشيعة بجائزة ترضية، لها أن تتحدّد بشكل نهائي بعد وصوله الى الرئاسة وليس قبل ذلك.
المشكلة هنا، أن من ينصب نفسه صاحب «سياسة استراتيجية» عملاقة الى هذا الحد، ليس بامكانه حتى تحمّل فكرة ابرام تسوية فرعية أو جانبية مع أب مفجوع باغتيال بكره في وضح النهار، وأنه بدلاً من ذلك ينقاد الى منطق دعوة أكثرية المتنيين للمصادقة الموضوعية على فعل الاغتيال. لأنه اذا خرجت الصناديق بنتيجة تخذل أمين الجميّل يوم الأحد المقبل، فانها ستكون بطبيعة الحال نتيجة تبارك فعل اغتيال نجله. ليس من الضرورة التفتيش عن كلمات أخرى لقول ذلك. ان أكثرية المتنيين ذات مزاج عوني. اذا استنفرت هذه الأكثرية المتنية نفسها بشكل ساحق سوف تكسب السباق. لكنها سوف تكشف أيضاً عن خساسة «السياسة الاستراتيجية» التي تزعم أنها تنتهجها بازاء «المسلمين»، سنة فشيعة، في هذا البلد، وتكشف بالتالي عن التحاقها بإحدى الفرقتين المحمديتين ضد الفرقة الأخرى، قياساً على التحاق القسم الآخر من المسيحيين في دهاليز هذا الصراع الاسلامي الاسلامي.
ان أكثرية المتنيين ذات المزاج العوني لها مصلحة بأن لا تخذل الجنرال عون شخصياً. لكن هذه الأكثرية ستخذل كل فرد فيها لو صحت يوم الاثنين المقبل على نتيجة تمثل قتلاً للأب من بعد قتل الابن، وستكتشف بذلك وهن كل ما بنته على فرضية أنها تتبع «سياسة استراتيجية» بنت المرحلة وقادرة على اعادة الدولة للطائفة المارونية وللصيغة المارونية السياسية المدعّمة بمنح نظام حكم ذاتي مغلق وموسع لطائفة الشيعة.
كائناً من يكسب هذه الجولة، فان أمراً واحداً أصبح محسوماً، وهو أن «السياسة الاستراتيجية» التي ينتهجها العماد عون بقصد اعادة الحكم للموارنة هي سياسة لا معنى لها ان كان لم ينجح في أن يتعامل بنبل وحكمة مع عقبة أخلاقية من مثل الحق الطائفي المشروع في أن يرث الأب المفجوع ابنه الشهيد.
سيقال أنها «اللعبة الديموقراطية». منذ متى كان شبح الاغتيال مشاركاً في الألعاب الديموقراطية؟ سيتعجب دعاة الديموقراطية لذلك، ويقولون ومنذ متى كانت «الكتائب» ديموقراطية، وكانت الوراثة السياسية ديموقراطية، ومنذ متى كان أمين الجميّل رمزاً من رموز الديموقراطية؟!
طبعاً، لن ندعي بأن الاجابة على مثل هذه الاعتراضات البديهية هو أمر سهل، وانما نعود فنذكر بأن هذه الاعتراضات بحد ذاتها سهلة وتغوص في الشكلية، كمثل شكلية أن يتخوف فريق مسيحي من أسلمة لبنان اذا ما وقّع على شرعة الطفل المسلم وكان عدم التوقيع أفضل مع أن هذا الفريق يغفل حيناً، ويستذكر حيناً آخر، بأنه حليف أعظم حزب اسلامي ثيوقراطي في الشرق الأوسط.
السفير
كيف تستعاد المارونية السياسية بوأد أصلها؟!
ان لبنان بدون المسحيين ليس بلبنان ولكن مللنا من من كثرة الترداد بان المسحيين مهمشيين وبانهم سيذوبون بين المسلميين فلهم رئاسة الجمهوريه وقيادة الجيش ورئاسة البنك المركزي والقطاع المصرفي والقطاع السياحي وهم بارعيين في قيادة هذه القطاعات ولكنهم دائما يتذمرون من التهميش .مع انني مسلمه لااشعر بان لبنان سيكون بدون المسحيين