أعلن تمسكه برئيس من «14 آذار»… لكنه لم يسقط إمكانية «التسوية»
ثائر عباس
اتهم رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط سورية بـ«استخدام جنوب لبنان من اجل تحسين شروط التفاوض مع اسرائيل». وقال ان «النظام السوري لا يعترف بالكيان اللبناني» محذراً من انه «يقوم الآن بما قام به عام 1975، طارحاً ضمان امن اسرائيل مقابل اعادته الى لبنان». وفي مجال آخر، انتقد جنبلاط المواقف الاخيرة للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله ودعاه الى ان يكون «قائداً فوق الإملاءات السورية والإيرانية لنستطيع ان نتصافح». وابدى جنبلاط، في حوار اجرته معه «الشرق الاوسط» في بيروت, تفاؤله «في المدى الطويل». لكنه كان حذراً جداً في التعاطي مع امكانية نجاح وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الذي يزور بيروت اليوم في جمع القيادات اللبنانية. واكد ان المعارضة لم تطرح حتى الآن امكانية التوافق حول رئيس جديد للجمهورية على اساس «احترام القرارات الدولية واحترام مقررات الحوار» مشيراً الى انه بعد «الالتزام» يمكن القيام «بتسوية». لكنه ابدى تمسكه شخصياً برئيس من قوى «14 آذار» وعدم استعداده للقبول برئيس من خارجها، من دون ان يقفل امكانية الوصول الى «تسوية ما» لأن الامر يخضع للتشاور مع حلفائه. وفي ما يأتي نص الحوار:
* يسعى الفرنسيون لجمع قادة الصف الاول في حوار جديد، فهل تكلل مسعاهم؟
ـ لا املك معلومات. سنرى اذا كانت الوساطة نجحت في جمع القيادات. شيء جيد اذا وافق الرئيس (نبيه) بري على اعادة فتح طاولة الحوار.
* انتم في «14 آذار» ابلغتم الفرنسيين موافقتكم؟
ـ نحن لدينا كل الاستعداد. وكنا نملك هذا الاستعداد عندما اتى (الامين العام لجامعة الدول العربية) عمرو موسى. لكن انذاك انتظر عمرو موسى ساعات طويلة الى ان اتى الجواب (من المعارضة) بالرفض حتى لمبدأ الاجتماع. هل تغير الجو؟ … نأمل ذلك.
* حوار بأي شروط وتحت اي سقف؟
ـ مسلمات الحوار الوطني التي اتفقنا عليها قبل الحرب وأنجز منها، بعد نقاش طويل وخسائر مالية فادحة نتيجة الاعتصام (في وسط بيروت)، المحكمة الدولية. ويبقى موضوع العلاقات الدبلوماسية مع سورية وترسيم الحدود والسلاح الفلسطيني خارج المخيم. وقد تبين بعد معركة نهر البارد ان بعض السلاح الفلسطيني داخل المخيمات لا علاقة له بفلسطين. ويبقى هناك موضوع الرئاسة الذي اسميناه خلال الحوار «ازمة حكم».
* هل نستطيع ان نختصر الازمة القائمة بانها ازمة حكومة ورئاسة؟
ـ كلا، عندما اتى امر العمليات بإسقاط هذه الحكومة، التي كانت مع وزراء «امل» و«حزب الله» «حكومة المقاومة» كما اسماها آنذاك نبيه بري، عبر خطاب (الرئيس السوري) بشار الاسد، ثم (آية الله علي) الخامنئي الذي يريد اسقاط المشروع الاميركي في لبنان. ومنذ ذلك الوقت صمدت تلك الحكومة ولم يفلح الاعتصام في اسقاطها ولا استقالة الوزراء الشيعة. هذه الحكومة هي التي وافقت على القرار 1701 بالإجماع وبحضور وزراء «حزب الله» و«امل». هناك مغالطة عند السيد حسن (نصر الله). القوات المتعددة الجنسية لا علاقة لها بقرار الامم المتحدة. القوات المتعددة تأتي عندما تجتمع دولة او اكثر وتقرر ارسال قوات. ولا علاقة لها ابداً بقرارات الامم المتحدة. قرار الامم المتحدة كان تعزيز قوة الطوارئ الدولية. وهذا ما حصل وتحت الفصل الذي اسميناه ستة ونصف، بعدما رفضنا نحن و(رئيس الحكومة) فؤاد السنيورة ونبيه بري وكل لبنان الفصل السابع.
* يقول السيد حسن نصر الله ان الحزب لم يوافق على البنود السبعة؟
ـ مذكرة الرئيس السنيورة واضحة. السيد حسن الذي ادار المعركة آنذاك ببراعة وهدوء اعصاب اضطر بالأمس الى ان يذهب ويزور (المرجع الشيعي) السيد محمد حسين فضل الله. وخرج الاجتماع بفتوى لمناصري «حزب الله» بان يمتنعوا عن اطلاق النار وحرق الدواليب. الذي يستطيع ان يهدد تل ابيب لا يستطيع ان يضبط عناصر غير منضبطة في الشياح (ضاحية بيروت الجنوبية) وغيرها؟ هذا امر خطير. فليتواضع، لأن ما حصل منذ ايام من تحرك وهيجان في الشارع تحت شعار انقطاع الكهرباء لا يبشر بالخير. الحمد لله ان امن الحزب فرض عليه ان يذهب الى عند السيد فضل الله للخروج بفتوى بتهدئة الشارع. وأتمنى لو انهم خرجوا بفتوى لازالة الاعتصام لكان افضل. فمن المعيب على هذا القائد الكبير ان يقول ان الاعتصام تفصيل. ليس تفصيلاً، عشرات الآلاف صرفوا من العمل نتيجة الاعتصام. وهذا ليس أمراً تفصيلياً.
* ما هو الشيء الذي نستطيع ان نقول ان «14 آذار» مستعدة لتقديمه في ملف الرئاسة، التوافق على مرشح وسطي؟
ـ لم يطرح مبدأ التوافق في كل النقاش. انهم (المعارضة) يقولون حكومة وفاق وطني لا اكثر ولا اقل. لم يتحدثوا حتى عن الرئيس.
* ما هي مواصفات الرئيس المقبول؟
ـ احترام القرارات الدولية ومنها المحكمة. وبنفس الوقت احترام مقررات الحوار. اهلا وسهلا. عندها ندخل في تسوية ونبحث عمن هو الرئيس الذي يلبي هذه الامور.
* هل صحيح انكم ابلغتم كوسران القبول برئيس توافقي؟
ـ كلا، عندما زارني كوسران قلت له اننا بعد اجتماعات باريس نريد ان تنجح الوساطة الفرنسية. نريد ان تنجح الوساطة الفرنسية، لكن على مبدأ احترام القرارات الدولية وقرارات الاجماع في الحوار. حتى الان لم يأت اي صدى سلبي او ايجابي.
* «14 آذار» تريد رئيساً منها؟
ـ من حقنا ومن واجبنا ان نتفق على مرشح واحد، ثم نرى كيف ستكون الظروف. لكن لا نستطيع ان نسقط الحق الشرعي بأن يكون لنا مرشح بغض النظر عن كوننا غالبية برلمانية. هم اقلية وقد رشحوا ـ ولم يرشحوا ـ ميشال عون الذي لا يزال ترشيحه من قبل المعارضة غامضاً.
* هل انتم مستعدون للتخلي عن مرشح من «14 آذار» كثمن للتسوية؟
ـ انا شخصياً لست مستعداً. لكن هذا امر يخضع للتشاور مع حلفائي. هذا امر لا استطيع ان اتفرد به.
* هل ترى امكانية لمعاودة الحوار في ظل الحماوة الانتخابية القائمة؟
ـ من حقنا بعد تعطيل الدستور مرات عدة، ويا للأسف، من قبل السيد نبيه بري بعدما اقفل المجلس بشكل غير دستوري وعطله رئيس الجمهورية اميل لحود برفضه توقيع مرسوم الانتخابات الفرعية عندما اغتيل النائب بيار الجميل، علينا ان نقوم بهذه الانتخابات. لكن من المؤسف ان يكون هناك مرشح في مواجهة امين الجميل هذا الرجل الصبور الذي اغتيل ابنه.
* هي انتخابات رئاسية مصغرة؟
ـ كلا، انها حق منطقة المتن. ولآل الجميل ان يستعيدوا هذا المقعد بعد خسارة لا تعوض. بعد ما نشاهده على شاشات التلفزيون، يؤسفني انه لم يعد في لبنان الحد الادنى من الاخلاق السياسية التي يشيد ويصر عليها دائماً السيد حسن عند حليفه ميشال عون. نتمنى ان تعطي فتوى السيد فضل الله مفعولها.
* هل تتوقع صيفاً حاراً؟
ـ الصيف حار أساساً. الجيش اللبناني يخوض كل يوم ملاحم شبيهة بملاحم وادي الحجير ومارون الراس (في جنوب لبنان). وانا من الاساس قلت ان لا فرق بين العدوان الاسرائيلي وعدوان «فتح الاسلام». ونتمنى للجيش كل التوفيق في هذه الملاحم التي يسقط فيها كل يوم شهداء وجرحى.
* هل نخشى الاسوأ في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية؟
ـ لا استطيع ان اتكهن. لكن فقط اقول اننا صمدنا في مواجهة الاغتيالات والتفجيرات وفي مواجهة «فتح الاسلام». في المدى الطويل انا متفائل على رغم الخسائر البشرية والمادية والاقتصادية الهائلة.
* موقف البطريرك الماروني (نصر الله صفير) وبعض اعضاء «14 آذار» من نصاب الثلثين سيعرقل تحرككم لانتخاب رئيس للجمهورية؟
ـ هناك بعض «التفسيرات» الدستورية التي كنا بغنى عنها. ولن اقول اكثر.
* ما رأيك بكلام السيد نصر الله الاخير؟
ـ كنت اول شخص قال عندما استضافتني قناة «الجزيرة» ـ بالصدفة ـ ان المقاومة انتصرت. وسألت لمن سيهدي نصره، فأجاب انه يهدي الانتصار الى الشعب اللبناني والأمة العربية والإسلامية. وقد أجاب بالأمس بنفس الجواب. لم يهد النصر الى الدولة اللبنانية. وهذه نقطة الخلاف. كنت اتمنى عليه ان لا يدافع هذا الدفاع عن سورية وبلادنا احترقت وسقط لنا 1300 قتيل واكثر من 4 مليارات دولار خسائر ومليون مشرد. وهو يأتي ليقول ان سورية كادت ان تدخل الحرب.
* بماذا اوحى لك الكلام عن استعداد سورية للدخول الى البقاع لمواجهة إسرائيل؟
ـ يؤكد لي ان السوريين لم يكونوا مستعدين للقيام بهذا، مع الاسف. انا اميّز بين التضحيات والبطولات العسكرية التي قامت بها المقاومة في بنت جبيل ومارون الراس، وبين مقاومة تستخدم ربما من اجل تحسين شروط التفاوض. وقد تبين لاحقا ان السوريين كانوا يستخدمون ورقة الجنوب على حساب اهل الجنوب من اجل تحسين شروط التفاوض مع اسرائيل عبر ابراهيم سليمان وغيره. ويقال ان احد الرسل كان عبد الله غول المرشح للرئاسة التركية اليوم. هذا مؤسف ويذكرني بما يجري في العراق وكيف ان الساحة العراقية تستخدم من ايران والأميركيين من اجل التفاوض. بالأمس القريب شكلت لجنة امنية مشتركة على حساب الشعب العراقي.
* ألا تخشون صفقة ما على حساب لبنان؟
ـ حتى هذه اللحظة صمدنا صموداً عجائبياً كبيراً جداً في مواجهة ابشع انواع الارهاب والقتل. المسلسل واحد من محاولة اغتيال مروان حمادة حتى نهر البارد. حتى الآن صمدنا. وسنرى لاحقاً.
* لقد تجاهل الرئيس السوري (بشار) الاسد في خطابه الأخير لبنان هل رأيتم في ذلك ايجابية؟
ـ لا استغرب ان يتجاهل لبنان، لان الفلسفة السورية بالأساس، خاصة النظام البعثي الشمولي، لا تعترف بلبنان. احد اسباب الحرب هو تفادي اجماع الحوار، الى جانب النوايا الاستباقية من ايران وسورية عبر «حزب الله» لإعطاء رسائل الى اميركا عبر اسرائيل. ومن جهة ثانية تأخرت الحرب لان الولايات المتحدة ظنت انها تستطيع ان تقضي على «حزب الله» عبر اسرائيل. توصلنا الى المحكمة الدولية. لكن تبقى العلاقات الدبلوماسية (مع سورية) التي تعني الاعتراف بالكيان اللبناني والاعتراف بلبنانية مزارع شبعا. المنطق السوري يقول ان ليس هناك شيء اسمه كيان لبناني.
* ماذا يخسر السوري من دعم «حزب الله»…؟ ـ لا شيء. انه يمرر كل الكميات المطلوبة والممكنة من السلاح. وفي المقابل فان الاستثمارات تزداد في سورية والاستقرار موجود في سورية ـ ونحن معه ـ والاقتصاد ينمو في سورية. ولبنان وحده يدفع الضريبة لان سورية لا تعترف بلبنان. السوري يكرر اليوم ما قام به في العام 1975 عندما كلف انذاك من قبل الولايات المتحدة بالدخول الى لبنان للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وتأمين الحدود الشمالية لإسرائيل. يحاول السوري اليوم ان يقول انه يضمن أمن شمال اسرائيل … لذلك اعيدوني الى لبنان.
* الا تقنعك الشعارات القومية التي ترفعها سورية؟
ـ لم تقنعني هذه الاكذوبة الكبرى بالاساس. ليس هناك قرار بالتصدي. هناك قرار باستخدام الساحة اللبنانية. عندما تقرأ (كلام) السيد حسن نصر الله ترى ان لبنان بالنسبة اليه ساحة عسكرية وخارطة عسكرية. اتمنى عليه ان يكون قائداً فوق الاملاءات السورية او الايرانية، عندها نستطيع ان نتصافح ونقوي لبنان ونبني استراتيجية دفاعية من اجل لبنان.
* ألست مستعداً لمصافحته قبل ذلك؟
ـ لديه ظروفه الأمنية… وأنا ايضاً لدي ظروفي.
(نقلاً عن “الشرق الأوسط”)