في تقديري ان المقاومة وحزب الله، اذا ما استطاعا ان يحسبا بدقة حساب النزوع الى الحرية في الموقف والتعبير، وضرورتها في المجال الشيعي كمجال وطني وإنساني، اصبح في إمكانهما ان يكتشفا في التعدد الشيعي الكامن او الحائر او الخائف او المبادر الى التعبير عن نفسه بقلق نسبي او شديد او قلق متصل بالاصرار على الاحتياط وعدم التسرع، ولاسباب اخلاقية وسياسية في معظم الحالات.. ان يكتشفا فيه سندا احتياطيا لهما وتسديدا لمسيرتهما من موقع الاختلاف الضروري وغير الضار، الا اذا كانا يستشعران من قوتهما ما يجعلهما في غنى عن أي قوة اخرى، ما يؤدي عادة الى تجميع القوى الاخرى او تجمعها على اطروحة نقيضة تتجاوز السلب كعامل اجتماع الى الايجاب _ او كانا الحزب والمقاومة _ على يقين من عصمتهما أو عدالتهما، ومن ان الآخر شر مطلق او خاطئ او جاحد، ومن دون استثناء لأحد.
يستطيع حزب الله ان يسجل قفزة في السلوك السياسي والعلائقي والحواري او السجالي، عندما يعدّي تقديسه لحريته الى تقديسه لحرية المختلفين عنه او معه على المستوى الوطني او المذهبي، وبذلك يتيح لهم ان يكونوا مكملا، لا ان يذهبوا مرغمين الى صقع آخر، قاطعين معه ولو على مضض، في حين انه يمكن ان يكون بعض او كثير من الشيعة من خارج حزب الله، على تواصل مع الحزب والمقاومة، من دون قطيعة مع الموالاة او على تواصل حقيقي معها من دون قطيعة مع حزب الله، بالمعنى اليومي والتبادلي وفي الاطار الوطني المرن، ومن دون ان يقع حزب الله في وهم إمكان اشتراط اطروحته كاملة عليهم، وبهاجس ايديولوجي يتخطى السياسة، وبحيث تصبح علاقتهم، علاقة الشيعة الراغبين بالفعل السياسي خارج حزب الله، بالآخرين، الموالاة وغيرها، علاقة نفاقية او سرية وكأنها ارتكاب، لان ذلك سوف يؤدي إما الى نهاية عدائية مع حزب الله، وإما الى علاقة نفاقية التصاقية شديدة الخطورة. اذاً فلا بد من فسحة من دون منة، لا بد من فسحة في عقل حزب الله وخطابه للآخر الشيعي لكي يقول قناعته من دون رهبة ومن دون خطر التهمة بالمروق او الارتداد او الخيانة، ولا بد من القبول بالقول الوسط، وان ليس الحق المطلق في جانب ولا الباطل المطلق في جانب آخر، وان النسبية صواب او هي الاصوب والاجدى «اليمين مضلة والشمال مضلة والطريق الوسطى هي الجادة» كما يقول عليّ (ع)، ومن لا يكون نسبيا سوف يكون خاسرا، لان الوقوف على طرف ليس بعده الا الوقوع في الحفرة، اما الوسطى فهو اكثر حرية في حركته لاتساع المساحة والرؤية.. والتسوية بنت النسبية والوسطية هي السيدة، لانها تحصن أبناءها وصانعيها من ان يتحولوا الى عبيد مغلوبين من دون ضمانة في ان لا يتحول المستعبد الغالب الى مغلوب وعبد لاحقا. كما هي سنن التاريخ البشري القائم على التوازن.
إنني أسترعي انتباه حزب الله والمقاومة الى هذه الامور، وأنا لا أحمل اطروحتها، واأحترمها لا تنزلا ومسايرة بل واقعا، شأني شأن الاغلبية من الناس، حتى الذين يبدو انهم الآن قد عدلوا عن موقفهم لاسباب لا تتعلق بأصل المقاومة، وأشدد على وجوب تجنب أذية المقاومة والمقاومين مع عدم المصادرة على النقد البناء، تماما كما اني لا أحمل أطروحة حزب الله انطلاقا من فهمي لأثر الحزبية الدينية على الدين والسياسة معا، مميزا الى أبعد الحدود للمنتج الايراني، المطابق بنسبة راجحة ومنطق مقبول وقابل للنقاش لاوضاع ايران ودولتها الحديثة، على ثقافة اسلامية وخصوصية شيعية لا تخلو من نكهة ايرانية او وطنية ايرانية ضرورية جدا، ولا داعي لتوقع التنصل او البراءة منها لان ذلك غير مجد، بل هو مضر بالاجتماع الايراني والدولة الايرانية.
وأدعو الى ان نقرأ حالنا في لبنان، لنهتدي مرة اخرى الى نكهتنا التي يتذوقها بشغف ودائما في السلم، واثناء الحروب الداخلية او على ابوابها، كل من يعرف لبنان عن كثب، خاصة اولئك الآتين من بلاد ذات نكهة احادية، دينية او مذهبية او اثنية، حارقة ومنفرة رغم الثراء والأبهة.. نهتدي الى نكهتنا، من دون تقليد أعمى أو مماهاة مع المختلف، لان المماهاة، وان قل الاختلاف، تمنع من الافادة من المشتركات بيننا وبين ايران وغيرها من اشقاء واصدقاء، راكمت تجربتهم الكيانية، الى خصوصياتهم المكونة، خصوصيات اخرى، لم يعد بالامكان تخطيها او تجاهلها، على ان العناية بخصوصياتنا، لا تحد من سعة المشتركات التي تدعونا باستمرار الى تحرير مساحاتها بعلم وروية، حتى لا يختلط الحق بالباطل، والممكن بالمستحيل، والمستحب بالمكروه، والواجب الحرام.
وأسترعي انتباه الحزب والمقاومة، الى ضرورة تثقيف القواعد والكوادر الوسيطة، بثقافة السماحة وعدم استسهال تأسيس او افتعال او تنشيط او ترسيخ العداوات بين الناس ومع الناس، خاصة في الوسط الشيعي، اعتمادا على القراءة الناقصة او الرؤية الخادعة او السماع المشوَّش والمشوّش للرأي الآخر، وحمله قسرا على ان يوافق كامل المخزون العاطفي للشخص الحزبي، وتحويله الى مبرر للاتهام والبخس والاختلاق، الذي يتنافى مع القيم الدينية والوطنية والإنسانية، والذي يكثر اعداء الحزب والمقاومة، او يجعل من يحترمونهم، من موقع الاختلاف، في حالة من الحرج والغيض المكبوت.
مع حذري الشديد من الوقوع في إغراء التمجيد والتنديد، أجهر بالاعتراف بأن فعل المقاومة قد فعل بي ما يفعله أي فعل مدهش بمراقب أو مشاهد أو مشارك من مكان ما في نفس الفعل، أو أي مشاهد عادي وسوي، أي غير معاق عقليا أو نفسيا أو روحيا.
وكون الفعل مدهشا له علاقة بالصور التي مرت بذاكرتنا، يوم كنا في ذروة حماستنا للمقاومة، الى حد التغاضي أو المشاركة بشكل أو بآخر في أخطائها الصغيرة والجسيمة، خاصة تلك التي تتصل بمصداقية الكيان اللبناني والوطنية اللبنانية ومترتباتها الطبيعية، وبذريعة، او مهرب قومي سرابي او سديمي تذرع بفلسطين ليلغيها، ما عرضنا لإحباطات تشبه ما عشناه من خيبة جراء ما عقدنا من آمال على دولتنا الحديثة واحزابنا التحررية على اساس انها متخصصة في بناء الدولة ومتفرغة لها، لانها تعدنا بما نبحث عنه من تحرير وتحرر ودمج اجتماعي في حضن الدولة الجامعة، الى تقدمنا، ورفاهنا وحفظ معنوياتنا في مقابل العدوان او الاستحواذ علينا، هذا، من دون نسيان او تناسي تأثير العوامل الداخلية التي حولتنا الى هدف سهل وساحة لنضال أهوج أو أرعن تعددت أشكاله من دون فرق في مضامينه وغاياته المتحققة فعلا أو الساقطة أو المتبقية معششة في زوايا الكهوف العصبية الرطبة والمعتمة.
إن مشكلتي مع المقاومة، كمشاهد سوي ومندهش، رغم اني قاطع مع المقاومة في مستواها العسكري اذا ما حصرت به، وتحولت المستويات الاخرى، الثقافية والاجتماعية والدينية والسياسية الى عوامل ثانوية ومساعدة، سبيلا للتحرير والتحرر والنهوض.. وأشترط التركيب، الذي تمثل التنمية الشاملة المفهوم الجامع لعناصره، والتي تكون المقاومة بمعناها العسكري أو الميداني والمباشر بعضا منها، يمكن أن يكون الابرز كما كان قبل التحرير عام ألفين أو الاقل بروزا أو استئثارا كما كان ينبغي ان يكون في ما يعود الى استكماله بتحرير مزارع شبعا، مشكلتي على دهشتي وانجذابي، اني أرى المقاومة هناك في الواقعة العملانية وصانعها المباشر اولا، ومن دون افتئات على صانعها المفكر، فإذا ما أحلت المقاومة البطولية تلك الى يوميات إطارها الحزبي وما يترشح منه الى الاطار او الظهير الشعبي الاوسع، تحولت الدهشة الى شي ء يقرب من الغصة، لان الذي يجري تظهيره والترويج له هو مثال يشبه (رامبو) أكثر مما يشبه المقاوم نفسه، أي الذي يحمل قضية ولا يختبر عضلاته فقط.. رامبو يجذب المراهقين لأنه يعطل الفكر ليحقق جاذبية ضعيفة أو قصيرة النظر، وهذا ظلم للمقاوم… ومع الغصة يأتي الاعتراض والاحتجاج والسؤال الذي يطير في الهواء… لا جواب! فالشاشة والفضائية خصوصا جذابة، وكاتب السيناريو والمخرج والممثل يقومون بفعل تعويضي أو تقويضي، يشبه الفن.
إن هناك فجوة فاجعة بين الواقعة وصورتها المتنقلة، بالحديث اليومي الاشد ارتباكا وإرباكا من الحديث او المشهد الاعلامي (2)، ما يقتضي تصحيحا لا يمكنه ان ينجز إلا بالسياسة ذات الحدود الفاصلة بين المكابرة والمكايدة، أي إحالة السياسة الى اصول حضارية، تمتزج فيها بالمنطق والتاريخ، حيث يظهر بوضوح ان «الحدود هي اصل البناء» بناء المدينة، وتحديد تخوم الكيان أضرارا الى التحديد والحدود في السياسة والجغرافيا، تخوم الكيان (الوطن الدولة) وتعيين العاصمة لعصمتها والاعتصام بها، باعتبارها المكان العام الذي يحتضن الخصوصيات ويضبطها ويستمد منها حيويته، فالكيان، وحتى الكيان الامبراطوري «موجود لان هناك حدودا ترسم هويتها، واذا ما حدث وانتفت هذه الحدود سقطت الامبراطورية، ويحق لأي كان آنذاك ان يعين من المدن ما يشاء»(3)، مدينة له او عاصمة لجماعته الدينية او الاثنية او عائلته او حزبه… أي لا وطن!!!
(2) وكأن هناك منتجا كادحا للمقاومة ومستهلكا لها.
(3) امبرتو إيكو _ التأويل.
حرب تموز والمقاومة: القول الصعب بين التبخير والتجنيس 2
alah ma3ak
حرب تموز والمقاومة: القول الصعب بين التبخير والتجنيس 2
أعانك الله
يا اخي والحبيب
على تجالدك في السعي الدؤوب الى وطن …حتى حيث لا انتباه إلى الفارق بين
” التجنيس” و ” التبخيس”
أختك
اسيل عبد الحميد
بنت عازار الكندرجي.