كلما تردد الحديث عن “حوار” بين “الأفرقاء” اللبنانيين يضع كثير من اللبنانيين أيديهم على قلوبهم، فما بالك إذا عُقد اجتماع وفي باريس ليتحاور فيه من استُدعوا للحوار برعاية فرنسية؟
فكلما سمعنا كلمة “حوار” حتى من باب رفع العتب، أو المناورة، أو التضليل، نحس وكأنَّ شيئاً يُحضَّر في الخفية والظلام أقصد عملاً “انقلابياً” يبرمج في أقبية الأجهزة والمخابرات الخارجية المعروفة، لتكرار محاولات تدمير الدولة، وتعطيل الدستور، وتخريب الاقتصاد، وتقسيم البلاد، وزعزعة الاستقرار، وزرع الفوضى. فكأن ما من حوار جرى إلا وكان خلف كواليسه وفي دهاليزه من يحوك “الفتنة” في أعرق صورها وتجلياتها النظيفة الطاهرة. نَتَذَكَّر ما حدث بعد طاولة الحوار من تطورات دراماتيكية وصلت مفاعيلها الى إعلان حرب تموز واستدراج العدو الصهيوني لتدمير لبنان اقتصاداً وسياسة وأمناً. ونتذكر كيف أن شعار “النصر الالهي” على اسرائيل الذي تحمّل نتائجه كل الشعب كان يُضمر في تضاعيفه وسرائره “حرباً” على اللبنانيين تؤدي الى “نصر إلهي” “آخر” على لبنان. شيء مرعب الانخراط في حرب (قررها الخارج) تكون ذريعة ضد لبنان. فكأن المستهدف كان الدولة والانقلاب عليها، وميزان الميثاق، أكثر مما كانت مستهدفة الدولة العبرية العدوانية.
حصل اجتماع سان ـ كلو! ما كان من حوار “لست أذكره”. وامتشق البعض “بَرْقَ” الأمل، والبعض الآخر “الوعد الصدوق”، وآخرون تنكبوا “الحذر”، وآخرون أيضاً، ونحن منهم استشعروا الخوف كأنما تكهنوا أو استشفوا أن شيئاً ما أو أشياء لا بد وأنها تُحَضَّر في موازاة أو قبل أو بعد هذا الحوار. معارك الجيش مع “شذاذ” الوصايتين من “فتح الفتوح” ولا فتح ولا فتوح، ومن الاسلام ولا إسلام ولا دين ولا مذاهب سوى العمالة المجرمة لنظام دأب دأباً منهجياً على تصدير الخراب والمخرّبين الى لبنان والى سواه. وإذا كان الجيش اللبناني (الذي حُرم الذخيرة والعتاد والسلاح والعقيدة على امتداد 30 عاماً ليكون جيشاً نظرياً) في صدد أن يحسم انتصاره على من تبقى من شذاذ “الخارج” المنتحلين “أسماء” وصفات، فإن الأيدي الـ8 آذارية نفسها التي ساوى بعضها بين الجيش والعصابة، وحاولت تدمير معنوياته، للحؤول دون إحرازه انتصاراً، نخشى أنها تهيئ، داخل غرف العمليات السوداء ولدى “خوارج العروبة”، لإثارة فتن أخرى، قد تستهدف الجيش وقوى الأمن، والناس، والحكومة والمؤسسات والاستحقاقات، بحثاً عن “حروب” جديدة عندنا، خدمة لاسرائيل أولاً وأخيراً. ذلك أنه لو أراد هؤلاء العملاء فعلاً أن يحاربوا اسرائيل، فعليهم أن يذهبوا الى حيث تحتل أراضي عربية مسلمة وعروبية، لا أن يقوّضوا (بخطة صهيونية باطنية مشتركة) الدولة اللبنانية ومؤسساتها المدنية والعسكرية. لكن ماذا تفعل إذا كانوا يُريحون اسرائيل بتدمير كل ما تبقى من الدولة العربية (فلسطين، لبنان، العراق). فهؤلاء إذاً يناهضون العرب أكثر مما يعادون اسرائيل. واللافت أنك تستشف “حقداً” وكراهية لدى هؤلاء على اللبنانيين أنفسهم، وليس فقط على الحكومة والدولة والجيش. وها هم يقصفون بالكاتيوشا الناس الآمنين؛ إذ ماذا يعني هذا القصف على المدنيين من فلول مخيم نهر البارد على القرى والبلدات والمجاورة سوى هذا الحقد المرصوص، المتراكم في “تربيتهم” ونفسيتهم… (والفلسطينيون منهم براء) من دون أن ننسى الذين يرعونهم ويمولونهم ويمدونهم بالسلاح. فحقد عصابة العبسي مستمد من الذين “صدَّروا” العصابة إلينا. أإلى هذه الدرجة يختزن النظام الشقيق برموزه… كل هذه الكراهية “الأصولية” على أشقائه! فأي شقيق! وأي رفيق! يا أهل المفاوضات السرية والعلنية مع العدو… والحرب على لبنان سراً وعلناً! فلتَستَرحْ اسرائيل إذن ونعبث “بأهلنا” العرب ونستبيح دماءهم، ومدنهم، وأرواحهم، ووحدتهم. فأي خدمة جليلة يقدمها هؤلاء (ليس مجاناً) للعدو الذي يدعون التصدي والصمود له! (يا عين)! أوليس هذا ما يفسّره صمود الأنظمة المهزومة في السلطة! أصار ذلك من شروط بقاء هذه الأنظمة!؟ لِمَ لا! أولم يُقسِّموا فلسطين المقسَّمة في انقلاب “حماسي” يشبه كثيراً محاولة الانقلاب “العبسي” (الوصائي!”، وكذلك الانقلابات التي حاولها أهل 8 آذار ذوو الوشائج العميقة بالعبسي وشركاه؟ كأنها جغرافية واحد تدير عملياتها أجهزة معينة ذات اختراقات صهيونية عميمة (!) ضمن استراتيجية معادية للعرب والعروبة والاتجاهات الدينية الوطنية والاستقلالية من مسيحية وإسلامية وقوى وطنية ومدنية. إذ ماذا تقول “لقوم” عادوا لا يميزون بين العدو الصهيوني وبين الشعب اللبناني والعربي؛ وماذا تقول “لقوم” يرفضون فكرة “الدولة” المدنية، والمجتمع المدني، والتحديث، والحضارة، والديموقراطية والتقدم. وهي ما رفضته اسرائيل قبلهم وعملت بمؤامراتها على تدميرها، لكي تصوّر نفسها، أمام العالم، أنها الدولة “المدنية الوحيدة” (وهي غير مدنية)، والديموقراطية الوحيدة (وهي غير ديموقراطية بل عنصرية)، الآمنة، والقوية وسط الخراب العميم! وماذا تقول لقوم انقلابيين (شبيهين بأسيادهم) عنفيين، لا تقتصر انقلابيتهم على إسقاط هذه الحكومة أو الدولة… بل إلغاء الدولة والناس والتاريخ والوشائج، تماماً كما فعلت اسرائيل مع الشعب الفلسطيني. إنه والله، تماهٍ ربما منهجي مع المنهجية الصهيونية وعصاباتها! بل وكيف يفسّر هذا الجموح (المضمر طبعاً والباطني) لتخريب كل شيء. بل كيف يفسّر أن هؤلاء يستخدمون شعارات الحوار وهم يحفرون عميقاً في بنية المجتمع اللبنانية للشرذمة، والكانتونية، والبؤر التقسيمية تماماً كما كان يفعل بعض القوى الطائفية الكانتونية في السبعينات وأدت الى كل هذه الحروب… وتتويجاً غزو اسرائيل للبنان!
ونسمع أن “حوارات” أخرى قد تجري (أو لا تجري). ونخاف حتى لو كانت مجرد “إشاعة” أو رواية… لأنها، والعياذ بالله، لا بد وأنها تخبئ لنا مفاجآت الانقلابيين “حوثيي” المنطقة بحمده تعالى! ولا نظن أنه سينفع لا حوار ولا لقاء ولا تهدئة أجواء أو إعلام أو استحقاق أو تنازل أو مناورات. لا شيء. هناك دائماً ما يُطبخ مسموماً في مطابخ الانقلابيين. ونظن أنه حتى لو عُدِّل “الطائف”، أو عُدِّلَت القوانين… وتغيّرت أكثرية بأقلية، أو أقلية بأكثرية، فلن يجدي كل ذلك. هناك مشروع انقلابي شامل يطول إلى “هوية” البلد، قد وُضع، ونُفذ بعض بنوده وفشل بعضه الآخر. هذا المشروع “يحمل” أوراقاً عديدة في جيوب “بتوع” الوصايتين وطرابيشهم الثقافية والأمنية والسياسية… تسقط ورقة فتسحب أخرى. وهكذا نتذكر: سقطت ورقة إطاحة الحكومة. فسحبوا ورقة “المشاركة” (الشعب اللبناني يطالبهم بأن يسمحوا له بالمشاركة في قرارات الحرب والسلم!). سقطت ورقة حرب شيعية ـ سنّية فسحبوا ورقة حرب سنّية ـ درزية، سقطت ورقة حرب مسيحية ـ مسيحية فسحبوا ورقة حرب سنّية ـ سنّية (وما يزالون)، سقطت ورقة حرب مسيحية ـ إسلامية فسحبوا ورقة حرب سنية ـ مارونية (عبر شعار الأسلمة!) وبالتوازي مارسوا كل أنواع التغطية للتفجيرات والاغتيالات والعنف المتنقل وضرب الاقتصاد. فهي أوراق كانت عند اسرائيل وورثوها عقيدة وقانوناً وشرعاً (بحمد الممانعة والصمود والتصدي).
اليوم، تكاد تنتهي معارك مخيم البارد بين الجيش وبين عصابات العبسي ومجازاً بين الجيش و8 آذار مموهاً (برغم إظهار هذه الغيرة الكذوب عليه). ليبدأ (ربما) تنفيذ “مخيم بارد” آخر، قد يكون في بعض المخيمات “المسروقة” من فلول الوصاية. وقد تكون مجدداً اليونيفيل (تصعيد الضغط عليها)، وقد يكون مجدداً الجيش اللبناني هدفاً (راعهم أن يكون عندنا جيش يدافع عن البلد وعن الحرية والديموقراطية والحياة السياسية. راعهم أن يكون في البلد قوة أخرى شرعية في وجه القوى (الراسخة) المسلحة والبؤر وفرق الارهاب، إذاً، نحن لا نسعى الى نذير أو الى شؤم بقدر ما نحاول تكهن بعض ما يخطط له انقلابيو الوصايتين، وهنا بالذات نعيد الاشارة الى أن تجربة حماس في غزة تكاد تكون مثالية “كحماس” الداخل عندنا. ولا نتردد في القول ان المؤسسات الحكومية والأمنية قد تكون المستهدفة وفي رأسها المبنى الحكومي والوزارات وصولاً الى الأحياء وربما شمولاً الى العاصمة. تذكروا سيناريو حماس في غزة. كيف تم عبره “غزو” المؤسسات وضرب الشرعية واحتلال المباني الحكومية وتشويه رموز القضية الفلسطينية وعلى رأسهم عرفات. تتذكرون كيف داسوا صور الزعيم الفلسطيني الراحل وأبو جهاد (مؤسس الانتفاضة الأول لكي يعدموا كل علاقة بين حماس وبين تاريخ الكفاح الفلسطيني ضد إسرائيل!)، (وهذا ما فعلته اسرائيل وما زالت تفعله فبراو حماس! في ظل الوصايتين للانتقام من كل من ناضل ضد العدو، وتقولون ان حماس لا تخدم اسرائيل؟ براو! تذكروا أيها اللبنانيون فصول الانقلاب الحماسي في غزة واستعبروا ما يمكن أن يقترفه “حماسيو” لبنان، و”حوثيوه” الأبرار؟
أوليس هناك مبالغة في “الشؤم”؟ نتمنى العكس، ولكن بتنا نعرف كيف ـ “يستضمر” بتوع 8 آذار وامتداداتهم، وكيف يستبطنون التآمر. وهم يبشرون بالوئام (إذا استوأموا!) وكيف يستنهزون الفرص لتدمير كل شيء وهم يحاضرون في ضرورة الحفاظ على الدستور والمؤسسات وكيف يهدمون الوحدة الوطنية وهم يطالعون في ضرورتها…
على هذا الأساس، على اللبنانيين أن يكونوا مستنفرين دائماً، دولة وشعباً، لأن ما عكر مخططاتهم وأفشل منقلباتهم هو ذلك الحذر الذي يبديه الناس، وعدم الثقة بكلامهم، ومعرفة ما يدور في مخوخهم أو ما “دُحِشَ” في جماجمهم.
انتهى حوار سان ـ كلو. وامتدحه بعضهم من أهل “الهوى” والنوى من 8 آذار؛ وها هو الاستحقاق الرئاسي مقبل، الى استحقاقات أخرى. وها هم ما زالوا “يعسكرون” في العاصمة مقابل السرايا… وها الحدود السورية ـ اللبنانية مفتوحة تُرسَل عبرها الأسلحة والأموال والارهابيون… فكل شيء مهيّأ. وكان دائماً أصلاً مهيأً (منذ انسحاب الوصاية من لبنان)، لساعة صفر ما. صفر انقلابي. أو دموي. أو اغتيال. أو تفجير. أو فتنة. العدّة جاهزة. والعملاء أيضاً جاهزون. وساعة الصفر جاهزة. فأين سيكون مكان “الغزوة” الجديدة، و”العدوان” الجديد (الموروث بقضه وقضيضه من المدرسة الصهيونية!)، ومتى؟ ولكن ما يطمئننا وإن نسبياً، أن كل ما فعله هؤلاء المربوطون بأعلاف الوصايتين من محاولات انقلابية وتخريبية (برغم فداحتها) قد فشل، بفضل يقظة الشعب والحكومة والجيش! وان كل الأسلحة التي شهروها في وجوه الناس قد ارتدت عليهم… خيبة. فهل يا ترى يرتدعون؟ أو يستعبرون؟ أو ينبعث فيهم ما مات من شعور وطني وحتى انساني؟
أياً تكن التساؤلات والاجابات، لا بد من أن نتأكد من شيء أساسي وهو ألا نصدقهم! فهؤلاء الذين فقدوا كل مصداقية، لا يمكن أن نثق بأي كلمة يقولونها!
فيا أيها اللبنانيون لا تصدقوهم! “فالمؤمن” لا يُلدغ من “كلامهم” مرتين فما بالك مرات! خصوصاً… بعد اجتماع أحمدي نجاد وبشار الأسد في دمشق، وتبشير الأول بصيف أكثر حرارة بانتصارات جديدة؟ فهل الانتصارات ستحصل على الأرض الايرانية المقدّسة؟ قطعاً لا! وهل الانتصارات ستحصل في الجولان المحتل ضد العدو المغتصب؟ قطعاً لا!
إذاً أين سيكون انتصارهم على “أميركا” حليفة دمشق على مدى 30 عاماً، وحليفة النظام الايراني في “غزوة” العراق وتقسيم العراق!
إذاً “نضالهما”، أقصد النظامين سيكون خارج أراضيهما… يعني: فلسطين عبر حماس، والعراق عبر الارهابيين الوافدين من كل الجهات ولبنان… عبر الحزب الالهي، شريك حماس… ووفيّها، وحليف الوصايتين، لتساعداه على نصر “إلهي” جديد يكون هذه المرة (إذا حصل) على لبنان، ومصيره، ووحدته، ومستقبله ودولته؟ فأبشروا!
…وهذه المرة ستنتظركم الخيبة على أحرّه! إذا فعلتموها!
المستقبل