لم يستطع وزير النفط الكويتي الشيخ علي الجراح في نهاية المطاف إلا أن يقدم استقالته من الحكومة نهاية الشهر الماضي، بعد اتهامات بالفساد وجهت ضده وضد وزارته من قبل نواب في البرلمان الكويتي، حيث تعرض لاستجواب كان من المقرر أن يلحقه تصويت على طرح الثقة فيه، وهو ما يدفع للقول إن آليات الديموقراطية تؤتي أكلها بالنسبة لمعارضي الحكومة الكويتية، لكن تلك الآلية في نظر أطراف حكومية وشعبية باتت معرقلة للإصلاح والتطور. فالحكومة الكويتية تداركت أمرها وقبلت استقالة وزيرها من أجل أن تتحاشى مزيدا من الضغوط والاتهامات بالفساد ضد وزراء آخرين، رغم أن رئيسها يوصف بالإصلاحي من قبل غالبية النواب، وبرنامجه الحكومي يهدف حسب العديد من المراقبين إلى تعزيز التنمية في مختلف الأصعدة.
إن تجربة استجواب الوزير الكويتي ثم استقالته، بل التجربة الديموقراطية العربية برمتها، تثير تساؤلا بارزا لدى المراقبين، لاسيما في منطقة الخليج العربي التي تتجه دولها نحو المزيد من تفعيل آليات الديموقراطية في الحكم، هو: هل تلك الآليات ستساعد في دفع آفاق التطور والتغيير في تلك الدول أم ستساهم في تأخر فرص الإصلاح؟. فالأنباء في الكويت تشير إلى تململ شعبي وكذلك نخبوي من التجربة الديموقراطية بوصفها معرقلة للعديد من المشاريع الإصلاحية، بسبب النزاع المستمر بين الحكومة وبين مجلس الأمة (البرلمان).
وينتقد الدكتور علي الطراح أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت آليات الديموقراطية، مشيرا إلى أنها تعيق تطبيق الإصلاح، ويؤكد أن “السلطة الممنوحة لمجلس الأمة في الكويت أخذت في التحول إلى قوة عائقة ]لمشروعات الحكومة[“، مضيفا أن “الأزمة في الكويت تعكس حالة التخلف والصراع بين المجتمع التقليدي وموروثاته من جهة، ومقتضيات التحديث السياسي وتحدياته من جهة أخرى”، مؤكدا أن “المتابع لتطور الديموقراطية لفترة ما بعد تحرير الكويت ]من الاحتلال العراقي عام 1991[ يلاحظ انحراف مسارها, حيث تحول المجلس إلى تحقيق مطالب شعبية منهكة لميزانية الدولة، وأغفل مشاريع التنمية مما انعكس على الوضع العام وشل الدولة بمؤسساتها”. كما يشير عبدالرحمن الراشد مدير عام قناة “العربية” الإخبارية، إلى آليات الديموقراطية على أنها تحولت إلى أدوات تأزيم، حيث يصف ما يجرى داخل البرلمان الكويتي من صراع بين الحكومة والنواب بـ”الفوضى”، ويقول إن ذلك جعل الآليات “تلعب دورا هو أقرب إلى التأزيم منه إلى التطوير”، ويؤكد أنها “سمحت بالاشتباك المستمر ]داخل البرلمان[ حتى أوقفت تنمية الكويت وحيويتها”.
المراقبون للوضع بالكويت يستشهدون بتجربة دولة الإمارات العربية، التي لا توجد فيها آليات ديموقراطية وبرلمان و”اشتباك” على غرار الكويت، حيث استطاعت أن تحقق قفزات اقتصادية وتنموية تخص جوانب حيوية، مثل التوظيف وتطوير القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية. كما يستشهدون بواقع دول عربية، مثل البحرين، بوصفها تعاني مشاكل سياسية واقتصادية بسبب عوامل عدة، من ضمنها آليات الديموقراطية المسببة للنزاع بين الحكومة والبرلمان والمعرقلة لتنفيذ العديد من المشاريع، خاصة في جوانب تخص البطالة والإسكان.
والبحرين بدأت نهاية يونيو بتطبيق قانون التأمين ضد البطالة، وذلك باقتطاع ما نسبته 1بالمائة من رواتب العاملين البحرينيين والوافدين في الشركات الخاصة والحكومية وبأثر رجعي اعتبارا من الشهر الماضي. لكن تطبيق القانون واجه معارضة شعبية وحزبية تدعو لإيقافه في حين تطالب الكتل النيابية بإدخال تعديل جذري على القانون وتحميل الحكومة الأعباء المالية المترتبة عليه بدلا من المواطنين. كذلك تشهد البحرين باستمرار تظاهرات احتجاج ضد البطالة، عادة ما تدافع عنها الأحزاب الممثلة بالبرلمان في حين تقمعها الحكومة.
أما في الإمارات فإن تصريحات للزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا لدى زيارته هذا البلد العام الماضي تعكس بوضوح واقع العلاقة بين التنمية والتطور وبين عدم وجود برلمان. فقد ردد هذا الزعيم التاريخي أثناء زيارته عبارات فهم منها الحاضرون أنه لا يفضل وجود الديموقراطية هناك في ظل فورة التطور، قائلا: “لماذا تحتاج الإمارات إلى الديموقراطية وقد وصلت إلى قمة التنمية والتطور”. لكن مانديلا أبى أن يربط التنمية الاقتصادية بضمانة تحافظ عليها، قد تكون الضمانة هنا هي الديموقراطية، وقد لا تكون أيضا.
إن عرقلة مشاريع التنمية والتطور في دول خليجية ديموقراطية وغير ديموقراطية، قد تتقاطع مع مؤشرات خطيرة تتعلق بالتحذير من فشل، أو تعليق، التجربة الديموقراطية في الوطن العربي من جانب، وتقوية الأنظمة الأوتوقراطية وصعود ميزان قوة الجماعات الإرهابية وتململ الشعوب من الوضع الاقتصادي من جانب آخر. ولابد من وضع وتفعيل خطط ورؤى تساهم في تقوية المسار الديموقراطي، بحيث تؤدي إلى حماية المشاريع التنموية وتساهم في الإصلاح والتغيير.
كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com
هل الديموقراطية العربية تعرقل التنمية؟
هل هناك دمقراطية عربية؟