السؤال المطروح والهام بالنسبة للشرق الاوسط المتعدد الأديان والأعراق واللغات، كيف يمكن إدماج هذا الموزاييك الرائع فى العملية السياسة لخلق دول حديثة منسجمة بدلا من هذا التطاحن الطائفى والمذهبى.
في هذه المقالة سوف أتناول المبادئ الحاكمة لتمثيل الأقليات في المواثيق الدولية والفقه الحقوقى الدولى، وكيفية تحقيق هذه المبادئ على أرض الواقع، وأخيرا بعض النماذج المطبقة في عدد من الدول لمعالجة مسألة تهميش الاقليات.
أولا: المبادئ الحاكمة لحقوق الاقليات السياسية
يوجد الآن تراث دولي متراكم فيما يتعلق بحقوق الاقليات سواء في مواثيق الأمم المتحدة أو في الفقه الدولي لحقوق الإنسان وهنا سوف اركز فقط على ما يتعلق بالمشاركة السياسية للاقليات. فمنذ الأعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في مادته (21) على حق كل شخص في المشاركة في الشئون العامة لبلده، إلى إعلان الأمم المتحدة لحماية الاقليات الذي صدر في عام 1992 والذي أشار في مادته الثانية على “حق الاقليات في المشاركة الفعالة على الصعيد الوطني”، مرورا بالمادة (5) من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والتي تتضمن الحقوق المتساوية للجميع في الانتخاب والترشيح والإسهام في الحكم وفي إدارة الشئون العامة على جميع المستويات وتولي الوظائف العامة على قدم المساواة…تراكم تراث دولى ضخم يعزز حقوق الأقليات السياسية، فالمشاركة الفعالة والنشطة والعادلة هي حق أساسي للاقليات فيما يتعلق بإدارة شئون بلدهم.
وقد توصل الفقه الدولي لحقوق الإنسان إلى مبادئ عامة حاكمة لإطار مشاركة الاقليات في العملية السياسية منها:-
• أفضل سبيل لضمان وتأكيد حقوق الاقليات هو تمثيلها العادل في المجالس التشريعية، وتواجدها بشكل عادل في كافة أجهزة الدولة على أساس مبدأي “المساواة في الفرص”، “والجدارة السياسية والوظيفية”.
• حكم الأغلبية ومبدأ حماية الاقلية هما عمادان متلازمان لأي بناء ديموقراطي، ويأتي في صلب مبدأ حماية حقوق الاقليات حقهم في معارضة ونقض أي تشريع أو قانون يمس وضعهم وحقوقهم الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية أو يتناقض مع مقررات ومواثيق حقوق الاقليات في المواثيق الدولية، وبدون توفر هذا الحق نكون إزاء أغلبية مسيطرة ومستبدة تعتدي على حقوق الاقلية ويتنافي ذلك بالاساس مع جوهر الديموقراطية.
• ليس من حق أية أغلبية في ظل نظام الحكم الديموقراطي أن تسلب الحقوق والحريات الأساسية للفرد أو للأقليات.
• الاقليات بحاجة إلى ضمان بأن الحكومة ستحمي حقوقها ومصالحها المشروعة وهويتها الذاتية ويتحقق ذلك فقط من خلال نصوص دستورية واضحة وقوانين تنص على حماية الاقليات وتحترم الالتزامات الدولية، وعمليا من خلال مشاركة عادلة وكاملة للاقلية في الحكم والحياة العامة للمجتمع.
• إتخاذ الدول إجراءات خاصة تصب في حماية حقوق الاقليات، مع حظر استخدام مصطلح الاقلية للحد من حقوق الافراد أو من وضعهم كمواطنيين، بل بالعكس كما جاء في تفسير لجنة حقوق الإنسان بجامعة منيسوتا فإن نص المادة (27) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الخاصة بالاقليات هو حق متميز وزائد على جميع الحقوق الأخرى التي يحق لهم كأفراد مثل سائر الناس التمتع بها بموجب هذا العهد.
• أن ممارسة الضغوط على أقلية لإنكار وضعها كأقلية لا ينتقص من حقوقها كأقلية أو يخفف من التزامات الدولة تجاه هذه الأقلية بل يفسر كوجه من أوجه أضطهاد هذه الاقلية لإنكار وضعها وتوصيفها.
• إن النظام الديموقراطي الحقيقي هو الذي يحترم التزامات الدول فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وهو النظام الذي يشجع ويساند جميع فئات المجتمع للمساهمة في صنع القرارات ويحرر مجتمعه من التمييز.
ثانيا: الآليات المتعددة لتمثيل الاقليات
إذا صدقت النوايا فيما يتعلق بإزالة التهميش المتعلق بمشاركة الاقليات في المجالس النيابية، فإن التراث الدولي ترك لنا مجالا واسعا سواء من ناحية الآليات المتبعة لتمثيل هذه الاقليات أو من ناحية النماذج المتعددة التي تطبقها الدول فعليا من أجل إيجاد تمثيلا عادلا لاقلياتها، وعلى كل دولة أن تختار من هذه الآليات ما يناسب وضعها أو تسترشد بالدول التي تراها حققت نجاحا في هذا المضمار وتتشابه مع حالتها، أو تتبع أكثر من آلية في وقت واحد… المهم في النهاية أن تجد الطريقة المناسبة لإدماج اقلياتها بشكل فعال وعادل في العملية السياسية وفي التمثيل النيابي.
وهناك العديد من الآليات في هذا الاطار نذكر منها
1-نظام تخصيص المقاعد Allocation of Seats
وهذا النظام يتعلق بحجز عدد معين من مقاعد المجالس النيابية لكل أقلية على حدة، هذا النظام مطبق في دول مثل الأردن والهند وباكستان وكولومبيا وكرواتيا وسلوفاكيا وفنلندا وأقليم كردستان والسلطة الفلسطينية.
ممثلوا الاقليات حسب هذا النظام يتم انتخابهم من قبل ناخبي الاقلية أنفسهم ويتم تسجيل هؤلاء الناخبين في سجلات خاصة بهم بحيث يتم التنافس على المقاعد المخصصة لهذه الاقلية من قبل الكيانات السياسية التابعة لهذه الاقلية.
– في فنلندا تقوم الاقلية الناطقة باللغة السويدية في جزيرة آلاند بانتخاب ممثيلها من قائمة مفتوحة خاصة بهذه الأقليات بحيث يستطيع الناخب اختيار أسم مرشح معين داخل القائمة وليس القائمة ككل.
– في الهند تضمن المادة 332 من الدستور الهندي عدد محدد من المقاعد لبعض القبائل والطبقات المضطهدة.
– في باكستان يتم تخصيص 5% من المقاعد النيابية للأقليات المسيحية والهندوسية والسيخية.
– في الأردن تم تخصيص 12 مقعدا من أصل 110 مقاعد في البرلمان الأردني للاقليات المسيحية والشركسية منها 9 مقاعد للاقلية المسيحية وثلاثة للشراكسة(أنظر، كمال سيد قادر: نحو تمثيل عادل للأقليات فى العراق 30 اكتوبر 2004).
نلاحظ في هذا النظام أن المقاعد المحجوزة قد تزيد عن نسبة الأقلية العددية كما في الأردن أو تقل عنها كما في باكستان المهم لا تحجز هذه المقاعد المحددة سلفا بناء على نسبة عددية مجحفة أو تمثيل مطابق تماما للنسبة العددية.
2-نظام الحد الأدني كنسبة مئوية للتمثيل
في هذا النظام يحدد الدستور حد أدني كنسبة مئوية لتمثيل الاقليات لا يجب أن تقل عنها على أن يظل الحد الأعلي كسقف مفتوح، لضمان تواجدهم كحد أدني في المجالس التشريعية وفي نفس الوقت فتح سقف تمثيلهم ليتجاوز أو يقل عن نسبتهم العددية وفقا لجدارتهم السياسية، وهذا هو النظام الذي احبذه بالنسبة للأقباط والمرأة في مصر بوضع حد أدني 10% لتمثيل الأقباط و20% لتمثيل المرأة على أن يظل الحد الأعلى مفتوحا وفي ظل نظام ديموقراطي حقيقي وانتخابات نزيهة يمكن أن يتجاوز الأقباط نسبتهم العددية في المجتمع نظرا لارتفاع مستوي جدارتهم السياسية في المشاركة والتفاعل السياسي كما كان يحدث فى الماضى.
3-نظام التمثيل النسبي Proportional Representation
وفي هذا النظام تخصص نسبة للأقليات في المجالس التشريعية تعادل نسبتهم العددية، ومما هو جدير بالذكر أن هذا النظام متحرك
وفقا لتحرك نسبة الاقليات صعودا وهبوطا في تعداد السكان.
وهذا النظام يواجه صعوبات جمة فيما يتعلق بانكار بعض الدول للنسب الحقيقية لاعداد اقلياتها وفي مقدمتها مصر التي تزور التعداد للحد من طموح الاقلية القبطية السياسي ومطالبتها بحقوقها العادلة فى التمثيل والتواجد السياسى.
4-التصويت التفضيلي Preference Voting
وذلك بوضع أسماء الاقليات في صدارة ترتيب القوائم الانتخابية لضمان إختيارهم عند التصويت، وتوزيع ذلك التفضيل على كافة القوائم بحيث تكون المحصلة النهائية هي اختيار مؤكد لنسبة معقولة تمثل هذه الاقلية. .
5-إعادة تقسيم الدوائر Re-Districting
وفي هذا النظام يعاد تقسيم الدوائر لصالح تكثيف تواجد الاقليات في دوائر محددة تضمن نجاح ممثليهم في هذه الدوائر، أو لرفع غبن قائم بالفعل كما هو الحال في تركيا التي تقسم دوائرها الانتخابية بشكل منحاز بشدة ضد الاكراد هناك.
6-غلق دوائر على أعضاء الاقليات أو يسميها البعض بالمناطق الجغرافية الخاصة
Special Districts or Creation a Districts
وقد أخذت بهذا النظام على سبيل المثال الولايات المتحدة حيث أدخلت الحكومة تعديلات على قانون حق التصويت لعام 1965 وفقا للإحصاء السكاني لعام 1990 بحيث أغلقت عدة ولايات مناطق يشكل فيها الأمريكيون السود والأسبانيون أغلبية أنتخابية.
وقد نصت هذه التعديلات على أن الانتخابات على مستوي الولاية تصبح باطلة ليس فقط إذا كان لها قصد تمييزي بل وايضا إذا كان مضمونها يؤدي إلى تقليل فرص الناخبين من الأقليات بانتخاب مرشحين يختارونهم، وقد أيدت المحكمة الأمريكية إنشاء مثل هذه الدوائر المغلقة .
7-استخدام آليات التمثيل الفوقي لمجاميع الاقليات
في هذا النظام تمثل الاقليات في البرلمان بنسب تفوق نسبهم العديدة من آجل المحافظة على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والاندماج الوطنى، وتطبق بريطانيا هذا النظام حيث أن لاسكتلندا وويلز ممثلون في مجلس العموم أكثر من المستحقين والمؤهلين لهذا المجلس، ويطبق هذا النظام أيضا في الأردن حيث يمثل المسيحيون هناك تسعة مقاعد بنسبة 2ر8% من مجموع المقاعد في حين أن نسبتهم العددية تمثل 6% من تعداد السكان .
8-القوائم الموحدة للاقليات
وفي هذا النظام تطرح الاقليات قوائم موحدة لها ويصوت لإنتخاب هذه القوائم كل الناخبين في الدولة أغلبية وأقلية، فعلي سبيل المثال إذا تم الاتفاق على حد أدني خمسين مقعدا لاقلية معينة، يسمح للاقلية بالتنافس على مستوي الدولة لاختيار خمسين نائبا منهم يختارها مواطنوا الدولة ككل.. أي تتنافس الأقليات فيما بينها ويكون الحكم في الاختيار هو المجتمع كله وميزة هذا النظام أن الشعب كله يختار ممثليه سواء من الأغلبية أو الاقلية وفقا لإرادته الحرة.
9- عضو يمثل الاقليةعن كل مقاطعة
وهناك نظام يتمثل فى تخصيص حد أدني أن تختار كل مقاطعة أو محافظة ممثلا عن الاقلية مثلا ان تختار كل محافظة مصرية ممثلا عن الأقباط وممثلا عن المرأة كحد أدني لتمثيلهم وفي هذه الحالة يضمن أن يكون البرلمان ممثلا لكل أقاليمه من الأقليات ،وإذا طبق هذا النظام فى مصر ففى هذه الحالة يسمح بتواجد حد أدني وهو 26 شخصا قبطيا منتخبا في كل من مجلسي الشعب والشوري ومثلهم من النساء، وميزة هذا النظام هو وجود تمثيل للأقليات فى كافة المحافظات.
10-تحديد رقم محدد في القوائم النسبية مخصص للاقليات
وهو الأقتراح الذي تقدم به رفعت السعيد رئيس حزب التجمع فى مصر بحيث يكون هناك معيار إجباري بأن يخصص رقمى 3 و 6 في القوائم النسبية للنساء ورقم 4 للأقباط وهو نظام يضمن تواجد حد أدني لهذه الفئات المهمشة في العملية الديموقراطية.
11-وهناك نظام مناطق العضو الواحد، وهناك آليات المقاعد المحجوزة وغيرها الكثير من الاليات التى تعبر عن توسيع مفهوم المساواةExpanding Concepts of Equality .
بالاضافة إلى ذلك تستطيع الدولة تقديم حوافز خاصة لتشجيع الأقلية عن طريق تقديم دعاية اعلاية مجانية فى وسائل الاعلام الحكومية ،وتقديم دعم مالى لهم، وتشجيع الاقلية فى الحصول على بطاقات انتخابية، وحماية عملية التصويت من العنف والبلطجة وهو غالبا ما يخيف افراد الاقليات المسالمة كالاقباط والنساء فى مصر.
والخلاصة أنه لا يكتمل أي نظام ديموقراطي حقيقي إلا بتمثيل الاقليات بشكل عادل، وعليه يجب وضع ضمانات دستورية وقانونية تضمن هذا التمثيل ويترك للنظام الانتخابى حرية أختيار الآلية التي تناسب كل بلد لتحقيق هذا التمثيل.
ولهذ يجب أخذ ذلك في الاعتبار في التعديلات الدستورية الحالية فى مصر وإذا لم يحدث نكون إزاء أغلبية مسيطرة ومستبدة تريد أن تستأثر بالسلطة وتترك الفتات للاقلية وهذا يتناقض مع الديموقراطية ومع متطلبات الدولة الحديثة ويهدد السلام الاجتماعي ويزيد من عزلة الاقلية.
المدير التنفيذى لمنتدى الشرق الاوسط للحريات-واشنطن
magdi.khalil@yahoo.com