“أشكر كل من وقف معي من أجل الحرية، سنحقق النصر سوياً عما قريب”.
بهذه العبارة استقبل الدكتور كمال لبواني، أحد أبرز المعارضين السوريين، قرار محكمة الجنايات الأولى بدمشق، بالحكم عليه مؤبداً ثم تخفيفه إلى اثنتي عشرة سنة، بعد أن وجهت إليه تهمة دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو اتصل بها ليدفعها إلى مباشرة العدوان على سوريا أو ليوفر لها الوسائل إلى ذلك بحسب المادة /264/ من قانون العقوبات السوري العام.
وبنفس الطريقة حوكم بالسجن ثلاث سنوات على الكاتب، والناشط السياسي السوري ميشيل كيلو، استناداً للمادة /285/ بتهمة إضعاف الشعور القومي، وبالسجن ثلاثة أشهر استناداً للمادة /307/ من قانون العقوبات السورية العام. بتهمة إيقاظ النعرات الطائفية، والمذهبية، ودمج العقوبتين إلى الأشد منهما.
كما أصدرت حكمها على الكاتب الناشط السياسي محمود عيسى، بالسجن ثلاث سنوات بتهمة إضعاف الشعور القومي، استناداً للمادة /278/ من قانون العقوبات السورية العام، وتبرئته من تهمة إيقاظ النعرات الطائفية والمذهبية، وعدم مسؤوليته عن تهمة تعريض سوريا لإعمال عدائية.
وأصدرت حكمها غيابياً على كلٍ من الناشطين خليل حسين، وسليمان الشمر، بالسجن لمدة عشر سنوات بتهم إضعاف الشعور القومي، استناداً للمادة /285/ وإيقاظ النعرات الطائفية، والمذهبية استناداً للمادة/307/ و تعريض سوريا لأعمال عدائية، استناداً للمادة/278/ من قانون العقوبات السورية العام.
أما المحامي، والناشط الحقوقي البارز أنور البني فقد حوكم بالسجن خمس سنوات، وتجريده من الحقوق المدنية، وإلزامه بدفع مبلغ /100/ألف ليرة سورية حوالي (ألفي دولار ) لصالح جهة الادعاء الشخصي، وهي وزارة الشؤون الاجتماعية، والعمل. وذلك بتهمة نشر أنباء كاذبة من شأنها وهن نفسية الأمة وفق المادة /286/ بدلالة المواد /258/ و/278/ من قانون العقوبات السوري العام.
سلسلة من الأحكام القضائية أصدرتها المحاكم الجنائية بدمشق بحق أبرز، وأهم النشطاء السياسيين، ودعاة حقوق الإنسان، والمجتمع المدني في سوريا، وذلك عقوبة لمحاولتهم فتح أفاقٍ جديدة لحياة أكثر إنسانية، وحضارية، وديمقراطية، وتطلعهم لبناء مجتمع أكثر حداثة، ليعيش كل فرد من أبناءه بحرية، وكرامة متساويتين، سبيلاً منهم لبناء وطن يكون الانتماء فيه فقط للوطنية دون أي انتماء آخر لما قبله.
خلف القضبان… فرسان الكلمة الحرة، والموقف الجريء، والرأي السديد، ومهما كانت التهم الموجهة إليهم فإنهم أعظم من أن يحاولوا استجرار الأعداء لاحتلال وطنهم، أو حتى مجرد التفكير بأدنى أذية تعرض الوطن لأي خطر. فمن يطالب بالحريات، والديمقراطية، وإعادة بناء وطن على أساس احترام القانون، والدستور، وحقوق الإنسان. ما عاذه أن يعرض وطنه، وأهله لرمية وردة قد تؤذيه فأين هم من التهم الموجهة إليهم؟؟؟ حقاً أنها حالة مأساوية لزمن انقلبت فيه الحقيقة كذباً، والكذب حقيقة، وصار محبي الوطن مبغضيها، وكارهيها… مأساة جديدة تضاف إلى سلسة المآسي التي يعيشها الوطن بكل ذراته.
إقامة أفضل العلاقات بين سوريا، ولبنان كدولتين جارتين متساويتين في السيادة، والمطالبة بالحريات، والديمقراطية، مطالب تندرج بدون أدنى شك تحت مبدأ حرية التعبير، والرأي التي كفلها الدستور السوري، وكل المواثيق، والعهود الدولية، والمصانة من قبل القانون السوري، ولكن تخرق هذه القوانين، وتهان كل تلك العهود، والمواثيق التي سوريا هي إحدى الدول الموقعة عليها. مطالب أولئك المعارضون حق، وحرية في اعتناق الأفكار، والآراء دون مضايقة، وحتى في تلقيها، ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة دونما أي اعتبار للحدود كما نصت عليها مواثيق حقوق الإنسان. كما أن الدستور السوري أعطى الحق لكل مواطن في أن يعرب عن رأيه بحرية، وعلنية بالقول، والكتابة، وكافة وسائل التعبير الأخرى، وأن يسهم في الرقابة، والنقد البناء ما يضمن البناء الوطني، والقومي. فأين تلك القوانين، وأين هو الدستور من هذا كله؟؟؟
مفارقات شاسعة وازدواجيات تغمر الواقع السياسي، والقانوني، والإنساني في سوريا. رغم الدعاية الرسمية هي بالعكس من ذلك تماماً فالقانون يحمي حقوق الحرية الشخصية، ويأتي نفس القانون يعاقب على تلك الحرية، وبدون رحمة يسلتذ الخصوم بما آل إليه مصير أبرز دعاة الحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان في البلد ناسفين كل الحقوق، وكل القوانين التي هم واضعوها، وليس أولئك المعارضين القابعين خلف قضبان سجون الوطن. أولئك الذين دفعوا من أعمارهم، ومازالوا ليرى الحق، والحرية، والكرامة النور في بلد بات يفقد كل ما لديه من أنوار، ويخيم ظلام السجون على كل دعاة التغيير، أو حتى المطالبة به في ظل نظام نسمع، ونرى كل قياداته يشرحون صدورهم للتغيير، والتمدن، والتطوير. إذاً لماذا توئدون براعم الإصلاح، وتقطفون ورود الصلاح؟؟؟
نشر أنباء كاذبة توهن نفسية الأمة، ودس الدسائس لدى دولة أجنبية، أو اتصال بها لدفعها إلى مباشرة العدوان على الوطن، ومحاولة إضعاف الشعور القومي، وإيقاظ النعرات الطائفية، والمذهبية، ومحاولة اقتطاع جزءٍ من أراضي سوريا، وإلحاقها بدولة مجاورة تهم أي ناشط في الشأن السوري العام، وما أن تكون سياسياً، أو ناشطاً في هذا المجال حتى تحاكم بموجب مواد تجرمك بهذه التهم الجاهزة، والمعدة سلفاً في أقبية قذرة آن أوان تنظيفها، وإلا فإن نذير شؤم يحوم حولها، وما متهمي هؤلاء النشطاء إلا بغافلين عن معادلات، ومفاهيم جديدة ستغير الوقائع إلى ما لا يحسد عليه. فأين هؤلاء من ما يطبخ هنا، وهناك من أجل وطننا الواقف على حافة النار؟؟؟
زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، وبان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا ترافقت مع جلسات محاكمة المحامي أنور البني، وكلمة الرئيس الأسد أمام الجلسة الثانية للبرلمان الجديد صادفت يوم الحكم على الدكتور كمال لبواني، أحداث دراماتيكية خلقت حالة يأس لأية مصالحة، أو تسامح، أو حتى أدنى اهتمام. بعكس ما هو مفترض أن يحدث، ويستمر مسلسل كم الأفواه، ومصادرة الحريات، وما يزال النشطاء قابعين في سجون الوطن الذي طالما حلموا أن يعيشوا فيه بحرية، وإنسانية، وسلام لا معارضين خلف القضبان.
messudakko@gmail.com