كانت النتيجة المترتبة على عدم التزام “آدم وحواء” بأوامر الله لهما ألا يأكلا من الشجرة المنهى عنها ـ بحسب السرد التوراتى ـ أن انفتحت اعينهما وصارا عارفين الخير والشر، وفى ظنى أن هذه المعرفة، وبعيداً عن الرؤية اللاهوتية، هى أزمة الإنسان الحقيقية لأنها ترتب تداعيات متتالية، تأخذه الى حقل المصادمات، وتجعله يشقى بها خاصة عندما يعمل عقله فى اجواء ترفض إعماله، ولا أظننى بعيداً عن هذه الأزمة.
فى خضم معركة المؤتمر العلمانى الثانى الذى دعونا إليه كنفر من العلمانيين الأقباط راحت تتكشف أمامنا وقائع مرعبة ينوء كاهلنا تحت ثقل حتمية عدم البوح بها، فليس كل ما يعرف يقال، ويزداد الحمل ثقلاً حين يترتب على السكوت ازدياد احتمالات العصف بنا كنسياً بينما طوق النجاة على بعد خطوات من القلم، الذى يقف منتظراً أمراً بأن يسكب مداده على الورق فيرى العاصفون مصيرهم بأم عينهم ويفقدون تلك الهيبة وذاك الصلف فى أقل من طرفة عين، لكن الثمن فادح لأنه سيعيد انتاج طوفان من الهجرة الشعبية لمواقع الإيمان فمن يعلق فى رقبته حكم تحمله لدم الإنهيار عندما يقف بين يدى الله، ربما لهذا افهم الأن معنى مقولة القديس ارسانيوس المعروف بمعلم أولاد الملوك ” كثيراً ما تكلمت فندمت أما عن السكوت فلم أندم قط!! ” لكن للسكوت وقت وللبوح وقت (جا3 : 7).
راعنى أن ينفك أمامى لغز استبعاد اسقف وسط الدلتا، بحسب رواية اتمنى أن تكون غير صحيحة، أنه كما تزعم الرواية لم يضبط شفتيه فثرثر فى أذن اسقف بالمهجر بطرف من حكاية تجمع الشامى مع المغربى فى ارتباطات مالية متجاوزة الأرقام التى اعتدناها، تجرى وقائعها فى واحدة من ولايات العم سام ـ فيرجينيا ـ وتسعى لتحاكى بنك التقوى فى جزر الباهاما، والتفاصيل المروية والتى لا اصدقها تفوح منها روائح لا تحتملها الأنف، وتكشف عن غياب الثقة فى عمل الله معهم ” لتكن سيرتكم خالية من محبة المال كونوا مكتفين بما عندكم لانه قال لا اهملك و لا اتركك (عب 13:5) … ياه.
لنعد الى المؤتمر الأزمة (26 ـ 27 أبريل 2007) والذي كشف خريطة الصراعات وكيف تحور معها القول المأثور ليصبح ” عندما اسمع كلمة علمانى استحضر قرار حرمانه !! “، فقد اخذنا فى دورته الثانية بكل النصائح والملاحظات التى اسديت وابديت على المؤتمر الأول ( 14 ـ 15 نوفمبر 2006 ) خاصة انها جاءت من شخوص نحترمها ونقدر مواقفها ومواقعها وصدق نواياهم وهم تحديداً الأنبا موسى اسقف الشباب والأنبا مرقس اسقف شبرا الخيمة والمهندس يوسف سيدهم رئيس تحرير جريدة وطنى المصرية، وكانت رؤيتهم أن تقتصر المشاركة على الأقباط الأرثوذكس طالما كان المطروح أموراً تتعلق بالشأن الكنسى الارثوذكسى، وأن ندعو الآباء للمشاركة فى اعمال المؤتمر وهو ما تبنيناه بغير تردد ـ وإن حسبه البعض تراجعاً ـ طالما يحقق مفهوم التكامل والجسد الواحد.
وجاء الطرح عبر الأوراق موضوعياً لكنه لم يحظ بالإلتفات ولا بالإهتمام ممن أعد لهم بغرض معاونتهم فى بناء قواعد مؤسسية تخرج الكنيسة من الاستناد الى العرف والتقدير الشخصى، وتخرج بها إلى الوطن، ونعترف بأننا واجهنا خروجاً من بعض المشاركين عن مقتضى جدول الأعمال خاصة فى اليوم الثانى، لكنه كان بمثابة جملة اعتراضية لم نتحسب لها ولم نسع اليها، وجاءت عرضاً، وهو أمر وارد فى مثل هذه المؤتمرات، وكان من الممكن النظر اليها ـ لو خلصت النوايا ـ بهذا التكييف، لكنه الترصد الذى يكشف الحجم الحقيقى لأزمتنا وواقعنا الملتهب ولهذا اسبابه.
وقد حاولنا تدارك هذا التجاوز واعلنا بوضوح فوراً انه لا يعبر عن خط أو توجه المؤتمر، لكن هيهات، فقد تلقفه المتربصون وراحوا ينفخون فى رماده ليتحول الى نار متأججة لا ترضى بغير العصف بنا وبالمؤتمر، وانهالت التهديدات والإتهامات التى لم تقف عند حد، فالصبية المستكتبين راحوا يستظهرون مفردات الردح واعادوا علينا ما كان يردده اقرانهم فى الستينات من القرن المنصرم من اتهامات العمالة والمؤامرة مع بيانات الشجب والإستنكار والزود عن المقدسات والرموز التى يهدمها المؤتمر ( هكذا !!)، ولم يقتربوا من الأوراق التى جاءت موضوعية وجادة ومحددة، أما المفاجأة فكانت من بعض الآباء الكهنة الذين اعطوا لأنفسهم حق الوكالة عن الكنيسة فراحوا يرددون ذات الأقاويل وزادوا عليها ما لا يعقل أن يصدر عن رجال فى مواقعهم الروحية والأدبية وأخرجوا من قاموسهم جدداً وعتقاء فحددوا العمالة انها لأسرائيل والموساد والإمبريالية لكن ثقافتهم لم تسعفهم لإضافة العولمة والليبرالية، بل وأضافوا الى هذا اتهامنا بالشذوذ والمثلية فى رسالة تحمل استرضاء للبعض ممن اوجعهم ما طرح قبلا واعتبروه ماسا بهم، وهذه الجزئية تحتاج الى علاجين الأول فى يد قداسة البابا شنودة الثالث الذى يعرف كيف يختلف مع احتفاظه بعفة اللسان والقلم، ولا اظنه يقبل أن ينحدر بعض الكهنة بالحوار الى هذا المستوى غير المسيحى بل وغير الإنسانى، وننتظر منه أن يعيد للكهنوت هيبته وكرامته وعفته بموقف صارم معهم، أما الشق المدنى فمكانه منصة القضاء المصرى فنحن نعيش فى دولة يحكمها القانون الذى يحمى سمعة وكرامة كل مواطن فيها.
أما التصعيد الثالث والذى يثير العديد من علامات الاستفهام والإستغراب فهو اطلاق اقاويل تؤكد أن الكنيسة تسن اسلحتها لقطع وفرز ـ أى طرد ـ الداعين للمؤتمر من العضوية الكنسية وأن القرار بانتظار توقيع قداسة البابا، وما أظن أن هذا يتسق والقواعد الحاكمة لهذا الأمر، حينها سيكون لكل مقام مقال وتصرف، فعضويتنا الكنسية لم يمنحها لنا أحد ولم نخرج عن ضوابطها فنحن نقر بقانون ايمان كنيستنا ونعلنه وندافع عنه، ونخضع لترتيبها فى المسيح.
أقول لمحترفى ومروجى هذه الأقاويل أننا نقبل النصيحة ونعقلها ونأخذ بها وفق موقعها من المنطق، والشفافية التى نملكها تجعلنا نعلن هذا، أما التلويحات والتهديدات فما أظن أن لها مكان بيننا، نحن نعمل فى حقل طرح رؤانا فى الشأن الكنسى وفى الشأن العام ووارد أن نخطئ ووارد قبلها أن نصيب، وأظن ان هذا لا يتماس مع هذه التهديدات التى لو صحت ستكون مدعاة للرثاء والتحسر على التراجع الفكرى والروحى الذى يداهمنا.
ولعلهم يتذكرون تلك الصلوة التى يتضمنها القداس الإلهى ويتلونها معنا دوماً “ايها الرب إله القوات أنظر واطلع من السماء، وتعهد هذه الكرمة (الكنيسة) التى غرستها يمينك، أصلحها وثبتها…” ألا يعنى هذا اقرارنا وفق التسليم الكنسى بأمرين، أنها بحاجة دائمة للإصلاح وأن ثباتها يبدأ بالإصلاح؟!.
kamal_zakher@hotmail.com
* مصر