كشفت اذاعة الجيش الاسرائيلي ( جالي تساهل – الخميس 07 /05 /10) عن وثيقة داخلية هامة للغاية، في أدراج وزارة الخارجية الاسرائيلية، تؤكد ان الرئيس السوري بشار الأسد يريد ان يصل الى تسوية سياسية مع اسرائيل.
لا جديد في الخبر.. الخطاب السياسي السوري دأب منذ فترة طويلة على حث اسرائيل نحو البدء بمفاوضات للوصول الى تسوية سلمية، وتنصلت حكومة اولمرت، والحكومات التي سبقتها… من “هجوم” السلام السوري بحجج واهية، وبتبريرات سياسية مغامرة ومستهجنة، من أبرزها أن موقف اسرائيل هو استجابة لسياسة الولايات المتحدة، في الضغط على النظام السوري… وأن سوريا غير جادة بموقفها للوصول الى تسوية.
كشف النقاب عن هذه الوثيقة في اذاعة الجيش، يغير الواقع، ويكشف مدى المقامرة والمغامرة السياسية لحكومة اسرائيل، وبالأساس لرئيس الحكومة ايهود اولمرت. حليف اولمرت في الحكومة، حزب العمل ممثلا بوزير الدفاع عمير بيرتس كان له موقف مغاير – ايجابي… ولكن صوته الخافت، وضعفه السياسي، الذي ورطه بمواقف عسكرية وسياسية صقرية، برزت في عجزه على الأصرار على موقفه وموقف حزبه الداعي الى الاستجابة للمبادرات المتكررة للرئيس السوري بشار الأسد.
قد يكون وراء كشف الوثيقة في هذا الوقت بالتحديد عوامل عدة:
اولا : لكشف تهرب رئيس الحكومة اولمرت (المتورط حتى أذنيه بتحقيقات لجنة فينوغراد عن فشله في حرب لبنان وتحقيقات الشرطة بتهم الفساد والأرتشاء ) من القيام بمسؤولياته السياسية تجاه اسرائيل شعبا ودولة، والتفريط بفرص حل أخطر معضلة عسكرية وسياسية تواجه اسرائيل. والهدف واضح.. زيادة المبررات التي توجب استقالته من رئاسة الحكومة، وتسريب الوثيقة من وزارة الخارجية، حيث تجلس منافسته الرئيسية على قيادة حزب قديما ورئاسة الحكومة.. يكمل الصورة تماما !!
ثانيا : قد تكون مناورة سياسية من اولمرت نفسه ، لاشغال الرأي العام اليقظ في اسرائيل بقضية لا تتعلق بفشله في حرب لبنان، أو التحقيات معه عن الفساد والرشاوي..
ثالثا : ربما بلغ السيل الزبى ولم يعد من الممكن تجاهل الموقف السوري، وهذا مرتط بالعديد من التقارير التي اشارت الى أن سوريا لا يمكن أن تقبل الى ما لا نهاية الوضع السائد، حيث ترفض اسرائيل باستمرار المبادرات السلمية السورية (وآخرها زيارة رجل أعمال سوري يحمل الجنسية الأمريكية للكنيست الاسرائيل، كان معتمدا من سوريا في مفاوضات اسرائيلية سورية سرية عديدة)، الأمر الذي سيقود عاجلا أم آجلا الى نشوب حرب. وكانت قد نشرت في اسرائيل تقارير مخابراتية متنوعة، حول استعدادات عسكرية سورية، خاصة في مجال الصواريخ ( ببناء مدينة صواريخ محمية جيدا تحت الأرض وحول عملية تحديث جذرية للجيش السوري )، تضمن لسوريا ردا مدمرا على الداخل الاسرائيلي، مهما بلغت قوة الضربات العسكرية الاسرائيلية، وسيطرة اسرائيل الجوية الكاملة. هذا عدا احتمالات واردة عن مشاركة حزب الله وربما ايران بشكل من الأشكال..
رابعا : لا بد من ربط الموضوع مع ازدياد التورط الأمريكي في العراق، والاستياء السياسي المتزايد في الشارع الأمريكي من سياسة بوش، وفقدان الادارة الأمريكية لأكثرية داعمة في الكونغرس الأمريكي.
خامسا : قد يكون رفض الاستجابة للمبادرات السورية السلمية ، وسيلة ضغط سياسية مارستها الادارة الأمريكية بشراكة اسرائيل، أثمر عن تناقضات في وجهات النظر وثغرات في التحالف السوري الايراني، حول العديد من المسائل، وعلى رأسها دور حزب الله في حالة بدء المفاوضات السورية الاسرائيلية. ولا بد من التأكيد ان استراتيجية سوريا وأهدافها الشرق أوسطية لا تتماثل مع استراتيجية وأهداف النظام الايراني بالكامل.
أي كان السبب، هذه الوثيقة الهامة تضاف للعديد من التقديرات حول الوضع السياسي والأمني الاسرائيلي في مواجهة سوريا، التي نشرت في الأسابيع الأخيرة. ومن المهم جدا التصريح الذي أدلى به رئيس مجلس الأمن القومي الاسرائيلي ايلان مزراحي، الذي قال : ” ان دعوة سوريا للحوار مع اسرائيل هي دوة صادقة تماما ”
بنفس الوقت دعا مسؤولين كبار في جهاز المخابرات العسكرية الاسرائيلية الى التعامل بجدية مع مبادرات السلام السورية. وما يؤكد المصداقية وراء المبادرات السورية، هو اقتراح الرئيس السوري الأسد، باجراء مفاوضات سرية، مما يؤكد، حسب المصادر الاسرائيلية، رغبة سورية حقيقية بالوصول الى حل سياسي واتفاق سلام.
من الواضح لكل مواطن في اسرائيل ما هو “الثمن” المطلوب من أجل انهاء النزاع مع سوريا قبل ان يتحول الى بركان من النار يحرق الأخضر واليابس في اسرائيل وسوريا، وربما في مناطق أكثر امتدادا من مساحة اسرائيل وسوريا الجغرافية، ولا أعني لبنان فقط، انما ما هو أكثر عمقا وامتدادا.
ومن الواضح أيضا ان الإتفاق الذي توصل الية المرحومان اسحق رابين وحافظ الأسد، ووضع كوديعة لدى الادارة الأمريكية.. سيكون الأساس لأي حل متوقع، ومن المهم في أبكر وقت ممكن..
حرب لبنان الثانية أثبتت، أن بضعة صواريخ من جيل الحرب العالمية الثانية، ومضادات حديثة للدروع، تحمل على الكتف، تستطيع انجاز ما عجزت عنه كل الجيوش العربية بمدرعاتها وطائراتها واساطيلها.
لعل هذا من وراء “الطراوة” الجديدة في الموقف الاسرائيلي ، ونشر وثيقة هامة على الملأ، في هذا التوقيت.. للفت انتباه مواطني اسرائيل أن اولمرت ما زال ضروريا لتحقيق السلام مع أشد أعداء اسرائيل خطرا، بعد أن تبين أن الحروب الاسرائيلية العربية، أصبحت غير قابلة للحسم، ودموية ومدمرة للجانبين !!
nabiloudeh@gmail.com
* كاتب، ناقد واعلامي – الناصرة (اسرائيل)