في مرأي ومسمع من العالم قامت قوات الإحتلال الإثيوبي طيلة شهر أبريل المنصرم بجرائم حرب بقصفها العشوائي والمتعمد لمناطق سكنية مأهولة في العاصمة الصومالية مقديشو وذلك ضمن ما سمي بخطة أمنية هدفها تصفية جيوب المقاومة لتمكين الحكومة بسط سيطرتها علي مقدشو ربما أسوة بخطة بغداد الأمنية الفاشلة للقوات الأمريكية في العراق. قامت القوات الإثيوبية بتوزيع الصواريخ على سكان مقدشو لإثارة الشعب ضد قوى المقاومة بادعائها أن قصفها ليس إلا ردا على هجمات الإرهابيين لقواعدها العسكرية في المدينة وعليه لا بد من وقف هجمات المقاومة لكي يوقف الإحتلال قصفه للأحياء السكنية. وكان لهذه السياسة مردود عكسى على القوات الغازية إذ أنها كشفت الوجه الحقيقي للعدوان الإثيوبي وأحقاده الدفينة ضد الشعب وبالتالي ازدادت قناعتهم بضرورة تأييد المقاومة لمواجهة سياسات الإحتلال القائمة على الهيمنة والترويع .
بعد أن فشل العدو في إشعال فتنة أهلية بين المقاومة وقوى المجتمع الأخري صب جام غضبه على سكان مقدشو الحاضنة الطبيعية للممانعة الشعبية وأمطر المدينة بوابل من القذائف والصواريخ مما تسبب في قتل وجرح الألاف من المدنيين وتشريد ثلثي سكان العاصمة حسب تقدير هيئات عالمية. ومما زاد من تردي أوضاع النازحين منع الحكومة الصومالية هيئات الإغاثة من إيصال المساعدات الإنسانية للفارين من المعارك. وحتي تكتمل المأساة الإنسانية أغلقت السلطات الكينية حدودها أمام اللاجئين حتى لا يتسلل إلى أراضيها – كما تزعم – إرهابيون تتعقبها القوات الإثيوية ولم تلق دعوات الهيئات العالمية لفتح حدودها أذانا صاغية.
المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان وهيئات مراقبة حقوق الإنسان عبروا عن قلقهم العميق لما تقوم به القوات الأثيوبية من قصف عشوائي للمناطق المدنية في العاصمة مما تسبب في قتل أكثر من ألف وخمسمائة وجرح آلاف أخري وثشريد أكثر من مليون شخص. وقد أعلنت وكالة الأمم المتحدة للاجئين أن أعداد الفارين من المعارك في الصومال منذ بداية هذه السنة يفوق عدد النازحين في أي بلد من العالم في الفترة نفسها بما في ذلك العراق والسودان مما يوضح حجم الكارثة الإنسانية في هذا البلد.
هذه التقارير دفعت الإتحاد الأوربي إلى فتح تحقيق حول إحتمال قيام القوات الأثيوبية والحكومية بجرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية. جريدة غارديان البريطانية في عددها الصادر في السابع من شهر أبريل الماضي ذكرت في تقرير خاص لها حول هذا الموضوع أن المستشار الأمني للمفوضية الأوربية لشؤون الصومال بعث برسالة ـ حصلت الجريدة على نسخة منها ـ إلى مندوب المفوضية في كينيا تحدث فيها عن خطورة الأوضاع في هذا البلد وكتب ” هناك أدلة قوية للإعتقاد بقيام القوات الأثيوبية والصومالية وحتى قوات حفظ السلام الأوغندية التابعة للإتحاد الأفريقي بانتهاكات لمعاهدة روما للمحكمة الجنائية الدولية”. وأضافت الجريدة أن محامين أوربيين يدرسون ما إذا كان الإتحاد الأوربي نفسه يمكن أن يوجه إليه اتهامات بالمشاركة في هذه الجرائم بصفته أكبر ممول لمشاريع الحكومتين الصومالية والأثيوبية.
ويؤكد خطورة الوضع ما تناقلته تقارير صحفية وغربية تحدثت باستهداف مناطق مدنية وتسوية مبانيها على الأرض بمن فيها وما فيها من الأحياء والجماد وقصف المدارس والجامعات ودور التجارة والأسواق وحتى المستشفيات لم تسلم من القصف بل إن القوات الأثيوبية سيطرت على مستشفى الحياة وقتلت بعض أطبائه ثم صادرت ما بقي من الدواء لعلاج الجرحى من جنودها وتركت جرحى الصومالين ينزفون حتى الموت.
في ظل هذه المأساة الإنسانية وجثث المواطنين ما زالت منتشرة على الشوارع خرج علينا رئيس الحكومة الصومالية في السادس والعشرين من شهر ابريل المنصرم يتباهى أمام وسائل الإعلام بتحقيق قواته نصرا عسكريا وتصفية ما سماه بالخلايا الإرهابية لتنظيم القاعدة البقرة الحلوب لكل من سولت له نفسه الوصول إلى السلطة على ظهر دبابة أجنبية. وليس الإرهاب الذي يتحدث عنه إلا مليشيات قبيلته “الهوية” المعارضة للوجود الإثيوبي. وقد أكد مليس زيناوي رئيس الوزراء الأثيوبي ذلك عند ما اعترف في مؤتمر صحفي عقده في الخامس والعشرين من شهر أبريل الفائت أن قواته تقاتل ملشيات من قبيلة عير فرع من قبيلة هوية.
ومما يعمق من معاناة شعبنا ويزيد شعورنا بالحزن والأسى سكوت العالم المريب بما يشبه بتواطؤ دولى على الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعبنا. مجلس الأمن الدولي الذي يفترض أن يسعى لحفظ السلم والأمن الدوليين اقتصر على إصدار قرارات غامضة يدعو فيها جميع الأطراف لوقف فوري للقتال هكذا “الأطراف” حيث يستوي الضحية والجاني وكأنه ليس هناك قوات محتلة دخلت الصومال بدون إذن من الأمم المتحدة منتهكة قرار مجلس الأمن الدولي 1725 الذي يمنع دول الجوار الصومالي من التدخل في شؤونه. أما منظمة “إيغاد” فقد أصبحت بمثابة غطاء شرعى للممارسات الإجرامية الأثيوبية. ففي آخر إجتماع لها في نيروبي أصدر وزراء خارجية دول إيغاد بيانا أشادوا فيه بالدور الأثيوبي وثمنوا تضحيات قواتها لاستتباب الأمن والإستقرار في الصومال مما دفع بإريتريا إلى الإنسحاب مؤقتا عن عضويتها للمنظمة.
الجامعة العربية في اجتماعها الأخير في الرياض على مستوى القمة لم تول كعادتها الإهتمام التي تستحقه القضية الصومالية فهي عندهم قضية هامشية ولم يرد فيها أي ذكر للقوات المحتلة بله عن إدانته والمطالبة بإنهائه بل أكدوا في إعلان على هامش القمة أصدره بعض وزراء الخارجية العرب على ضرورة بقاء القوات الأثيوبية في الصومال حتى يتم نشر قوات حفظ السلام للإتحاد الأفريقي.
وهذا الموقف يذكرني بقصة طريفة وغريبة في الوقت نفسه يقال أنها دارت في الستينات من القرن الغابر بين إمام اليمن احمد حميد الدين ووفد أريتيري زاره لطلب مساعدته على تحرير أراضيهم من العدو فأبدى الإمام في البداية الموافقة ثم استدرك وسألهم ولكن من هو العدو الذي استولى على أراضيكم؟ فأجابوه الحبشة فتراجع عن وعده بالمساعدة وقال لهم أخاف أن أخالف قول رسول الله “أتركوا الحبشة ما تركوكم” وهكذا لعل إخواننا العرب يحذون حذو الإمام ويتحاشون عن إدانة الغزو الإثيوبي واحتلاله للصومال تنفيذا لوصية سيدنا المصطفي (ص).
أما موقف امريكا فهو موقف مساند بل مشارك في الغزو ويوفر المال والسلاح للقوات الأثيوبية التي تخوض حربا بالوكالة وبالمقابل يبدو أنها تلقت ضمانات من الإدارة الأمريكية بعرقلة أي جهود دولية تبذل لملاحقة ومحاكمة المسئولين عن الجرائم التي ترتكبها قواتهم في الصومال. مسئولون كبار في الإدارة الأمريكية يرددون ليلا ونهارا وبالفم المليان أن ما تقوم به القوات الأثيوبية يخدم مصالح البلدين ويتهمون أريتيريا بزعزعة أمن واستقرار البلاد الذي تعمل أثيوبيا من أجله !
إن ما يجري في الصومال فضيحة دولية وعلي المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية بفتح تحقيق دولي للجرائم التي ترتكبها القوات الإثيوبية والصومالية ضد المدنيين الأبرياء ولابد من محاكمة ومعافبة المسئولين من هذه الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها شعبنا. إذا كان مجلس الأمن الدولي قد فتح تحقيق دولي لاغتيال شخص واحد كالمرحوم الحريري فلماذا لا يعمل الشيئ نفسه لحصد أرواح الآلاف من المدنيين الأبرياء معظمهم من الأطفال والشيوخ والنساء.
bukuraale@hotmail.com
*كاتب صومالي