إيران: اعتقال المفاوض النووي البارز موسويان في ضربة ضمنية إلى رفسنجاني
مصادر: 3 تهم وجهت له من بينها تسريب معلومات حساسة للأوروبيين والاتصال بدبلوماسي أميركي
لندن: على نوري زاده
أكد مصدر قضائي إيراني لوكالة الأنباء الإيرانية شبه الرسمية «ايلنا» انه تم توقيف حسين موسويان، العضو السابق في فريق المفاوضين حول الملف النووي الإيراني. وقال هذا المصدر القضائي رافضا الكشف عن هويته «اعتقل حسين موسويان العضو السابق في فريق المفاوضين الإيرانيين في المجال النووي»، من دون توضيح سبب توقيفه أو التهم الموجهة اليه. ورفض مكتب موسويان التعليق على هذه المعلومة. ولعب موسويان دورا مهما خلال المفاوضات النووية بين إيران والدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) حتى ربيع 2005. وكان خصوصا المتحدث باسم فريق المفاوضين بقيادة المعتدل حسن روحاني. وانتقد منذ ذلك الوقت الموقف المتصلب لفريق المفاوضين الجدد مع الغربيين، مدافعا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عن اعتماد سياسة «ليونة وحذر وصبر».
ويعتبر محللون موسايان من المحافظين المعتدلين، لكن مثل معظم اعضاء الفريق الآخرين جرى استبداله بمسؤولين أكثر تشددا عندما تولى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد منصبه في عام 2005. وخلال السباق الرئاسي قال أحمدي نجاد ان مفاوضي ايران النوويين كانوا وجلين للغاية على الرغم من انه عقب فوزه في الانتخابات واصلت ايران المحادثات مع الاتحاد الأوروبي للتوصل الى حل دبلوماسي بشأن خلافها النووي.
لكن مصادر إيرانية مطلعة قالت لـ«الشرق الأوسط» إن اعتقال موسويان يأتي في اطار خطة من معسكر الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ضد رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمى رفسنجاني الذى يعد المنافس الرئيسي لتيار نجاد في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة. وقالت المصادر ان نفس هذا الاسلوب اتبع مع مسؤول سابق كان مقرب من الرئيس السابق محمد خاتمي، وذلك في اطار خطة لاضعاف خاتمي ايضا. وحول ملابسات اعتقال موسويان وأسبابه، قال مصدر دبلوماسي إيراني لـ«الشرق الأوسط»: «لقد أرادوا اعتقال سيروس ناصري القريب من الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي والمفاوض الأول مع الأوروبيين والوكالة العالمية للطاقة بشأن برامج إيران النووية للنيل من خاتمي وتصوير عهده بأنه عهد التنازلات والخضوع لإرادة المجتمع الدولي، غير أن ناصري الدبلوماسي المحنك الذي رأس البعثة الإيرانية الدائمة لدى المكتب الأوروبي للأمم المتحدة لعدة سنين، علم بالأمر عبر صديقه وزميله المفاوض الثاني المعني بملف البرامج النووية حسين موسويان، فرفض العودة إلى إيران حينما استدعي للتشاور من قبل وزير الخارجية منوشهر متقي وسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني، وذلك قبل حوالي 18 شهراً. وكان وزير الاستخبارات الإيراني محسن أجيئي قد لفق ملفاً ضد ناصري متهماً إياه بتسريب معلومات ذات صفة سرية جداً إلى الأطراف الأوروبية خلال المفاوضات بشأن ملف إيران النووي».
وتابع المصدر: «بعد فترة تم تلفيق اتهامات جديدة ضد ناصري، هذه المرة حول عقود نفطية عقدتها شركة نفطية خاصة انشأتها وزارة النفط الإيراني في الخارج لعقد صفقات لا تسمح قوانين البلاد بعقدها مع الشركات الأجنبية، وكان ناصري قد تولى منصب مدير الشركة المذكورة لعدة سنين. هذه المرة أوكل ناصري صديقه القديم حسين موسويان، بتقديم وثائق دامغة عن براءته وأيضاً تورط بعض الشخصيات القريبة من مكتب المرشد علي خامنئي في صفقات مشبوهة عقدتها الشركة قبل دخوله هو (أي ناصري) إلى أمانتها العامة. وحينما فشلت السلطة في استدراج ناصري بغية اعتقاله ومن ثم ارغامه على الاعتراف بجرائم لم يكن له أي دور فيها لتشويه صورة خاتمي ووضع علامة التساؤل أمام ملف حكومته الإصلاحية، قررت القبض على صديق ناصري حسين موسويان وهو أيضا مثل ناصري، رجل ذكي ودبلوماسي محنك سبق أن تولى منصب سفير إيران في ألمانيا. ومدير عام وزارة الخارجية ومن ثم مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأميركية».
هكذا روى الدبلوماسي إلايراني القريب من مساعد شؤون التحقيق والدراسات الاستراتيجية بمركز الدراسات الاستراتيجية بمجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يرأسه هاشمي رفسنجاني، خفايا اعتقال نائب رئيس الوفد الإيراني المفاوض مع الأوروبيين والوكالة الدولية للطاقة الذرية ما بين عام 2000 و 2004 الميلادي المهندس حسين موسويان. وأوضح الدبلوماسي لـ«الشرق الأوسط» ما قال انه تفاصيل المخطط الذي وضع خطوطه العريضة بعد أشهر من انتخابه، أحمدي نجاد لتصفية الحرس القديم (هاشمي رفسنجاني، محمد خاتمي، مهدي كروبي، ميرحسين موسوي، وحسن روحاني) عبر استهداف الحلقات الضعيفة في حاشيتهم. غير ان تحرك هاشمي رفسنجاني السريع ونجاحه في تجنيد التيارات المستاءة من تصرفات أحمدي نجاد، وتعبئة وسائل الاعلام المستقلة، اسفر عن تعرض احمدي نجاد لحملة مضادة أضرت به كثيراً بحيث بدأ يخسر قواعده الشعبية الواحدة تلو الأخرى، نتيجة لفشله في تحويل وعوده إلى خطوات فعلية. وأشار الدبلوماسي الإيراني إلى ان احمدي نجاد وبعد انتخابات المجالس البلدية ومجلس الخبراء ومجلس الشورى (البرلمان) أدرك جيداً بأنه قد يخسر معركته الاصلية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، لو سمح أعداؤه المجتمعون تحت مظلة رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام بمواصلة حملاتهم ضده وحينما تبين للرئيس والكلام لا يزال للدبلوماسي الايراني ان هناك شخصين يلعبان الدور الاساسي في قيادة الحملة الدعائية والنفسية الموجهة ضده وضد حكومته، احدهما على الصعيد الخارجي والثاني على الصعيد الداخلي قرر الرئيس القضاء عليهما بسرعة. وهذان الشخصان هما حسين موسويان الذي تولى بتكليف من هاشمي رفسنجاني خلال العامين الماضين استخدام علاقاته الموسعة مع المحافل الاوروبية والاقليمية لشرح مخاطر استمرار أحمدي نجاد ومجموعته على الحكم وضرورة تبني الدول العربية والاوروبية سياسة شفافة لدعم المعتدلين والاصلاحيين لتعزيز موقع هؤلاء في الداخل وابعاد خطر حرب جنونية نتيجة لسياسات احمدي نجاد ووجود رغبة حقيقية لدى اسرائيليين وفئات متنفذة في الادارة الاميركية في توجيه ضربات مدمرة إلى ايران.
أما الشخص الثاني فهو الجنرال الطيار محمد باقر قاليباف عمدة عاصمة طهران والمرشح الرئاسي في الانتخابات الرئاسية الماضية والذي كان يحظى بدعم معظم كوادر الحرس والجيش وتيارات معتدلة واصلاحية في البلاد، كما ان أحد انجال المرشد مجتبي خامنئي، كان متحالفاً معه ورغم ذلك وبفضل دعم المرشد الاعلى لأحمدي نجاد خرج الأخير من صناديق الاقتراع منتصراً فيما قاليباف ورفسنجاني وكروبي تلقوا الهزيمة، ولا تزال آثارها باقية في نفوسهم. وقرار أحمدي نجاد بطرد قاليباف من منصب أمين العاصمة نابع عن قناعته بأن قاليباف قد دخل في تحالف سري مع رفسنجاني وانه سيكون المرشح الاقوى في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وحسب مسؤول بمركز الدراسات الاستراتيجية فإن ثمانية من رجال الأمن برفقة ضباط من وزارة الاستخبارات اقتحموا بيت موسويان منتصف ليل الاثنين الماضي، وبعد القاء القبض عليه وهو نائم، جرت مصادرة كافة الاوراق والملفات والصور والاقراص المدمجة فضلا عن ثلاثة اجهزة كومبيوتر وهواتف نقالة، وأشياء اخرى وجرى وضعها في أكياس كبيرة قبل نقلها الى سيارة بيك اب عسكرية، أمام احتجاج زوجة موسويان وابنائه. وكان موسويان قد وجه انتقادات لاذعة الى احمدي نجاد وسياسات حكومته مؤخرا في حديث له لوكالة «ايسنا» الايرانية، اذ أكد على انه وحسن روحاني والآخرين من اعضاء الوفد الايراني المفاوض مع الاوروبيين قد تمكنوا بحنكة التمسك بحق ايران المشروع والابتعاد عن العنتريات والغوغائية من ضمان حقوق ايران في مجال التكنولوجيا النووية، بينما اليوم الوضع مختلف بحيث تعرضت ايران للعقوبات وعلاقاتنا مع الاوروبيين في قمة التوتر وعدم الصدق. وأكد على ان ايران لا بد ان تعتمد على الخطاب الدبلوماسي المعتدل وتسعى الى ايجاد تسوية سياسية وسلمية للازمة الراهنة. وعلمت «الشرق الأوسط» بأن رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني قد احتج بشدة عقب سماعه نبأ اعتقال مستشاره وصديقه موسويان، معتبرا ذلك تحديا مباشرا ضده، خاصة بعد ان اطلع مصدر قضائي رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام على مضمون الاتهامات المعدة ضد موسويان، اذ ان هناك ثلاثة اتهامات: الأول: تسريب معلومات خطيرة بشأن الملف النووي الى دولة اوروبية.
الثاني: اتصالات ما زالت ابعادها غير معروفة مع دبلوماسي اميركي.
الثالث: التورط في عقد صفقات نفطية مشبوهة مع الشركات النفطية الاوروبية.