في موضوعي الأخير حول امتهان الاخوان المسلمين في اليمن لحقوق وكرامة المرأة عندما كانوا شركاء في الحكومة الإئتلافية التي تشكلت بعد حرب عام صيف 1994 بمباركة، كنت قد تطرقت إلى بؤس وضع المرأة اليمنية في قانون الأحوال الشخصية وتعديلاته.. كون هذه التعديلات تبنتها قوى الظلام من ((خوانية وسلفية)) بعد خروجها كاشرة أنيابها من نشوة النصر في حرب صيف 94م. والغريب في الأمر أن تلك التعديلات تمت تحت شعار تقنين الشريعة الاسلامية!!
ان حقوق المرأة التي يتغنون بها ما هي إلا عقوق ليس للمرأة عند المتأمل فيها حق معتبر تنهض به كرامتها (!).. ورغم ان القرآن الكريم قد صرّح في آية عظيمة مفصحاً عن قدر المرأة عند خالقها فقال: ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة، والله عزيز حكيم)) من سورة البقرة آية ((228)). إلا أن الذي يصدر بعد ذلك من تراجم من مراجع دينية قديمة وحديثة تصب في عكس اتجاه إعطاء المرأة قدرها من الكرامة بسبب ضغط الثقافات المغلقة التي صاغت العادات والتقاليد اللاحقة وصممت على ربطها بالإسلام وطوَّعت لها نصوص الشرع لتضفي عليها الشرعية الدينية!
والناظر إلى حال وضع دية المرأة في الفقه الاسلامي وما تقاطرت فيها من أقوال المنصفين لها وشذت فيها أقوال المماثلين بها -الدية الرجل- يدرك حقيقة أضحوكة موضوع حقوق المرأة عند هؤلاء!!
ولما جعل الله شهادة المرأة نصف شهادةالرجل.. وجعل ميراثها نصف ميراثه.. هاتان حقيقتان لا غبار عليهما، فقاسوا دية المرأة عليها بأن تكون نصف دية الرجل (!!).. ولست أدري لماذا لايجعلون المرأة على النصف على طول الخطوط الشرعية من صلاة وزكاة وحج!! مع إن علة القياس منعدمة لان الميراث والشهادة فيهما نصان من القرآن والسنة.. أما الدية فلا، وإذا كان علة تنصيف ميراث المرأة أنها غير مكلفة بالانفاق وهي مالكة لها، فإن الدية على العكس من ذلك ليس للمرأة منها شئ إذ هي مقتولة، ويملكها ورثتها من رجال ونساء وهذا إضرار واضح يلحقهم أجمعين (!).
وأغرب منه تنصيفهم لأرش المرأة عن الرجل (!) والافظع منه الذي لا يجد عند ذوي العقول جواباً قولهم : كلما زادت جراحات المرأة كلما نقص ارشها؟ وهو كلام غريب لا يصدر عن عقلاء ولكن كيف تكون الصناعة مع قوم قالوا وتفاخروا : لم يصح في فضل العقل شئ!!!.
قال ربيعة بن عبدالرحمن الرأي، كما في فقه السنة ((المجلد الثالث – جزء الجنايات)) سألت سعيد بن المسيب : كم في اصبع المرأة؟ قال : عشر من الإبل! قلت : كم في الاصبعين؟.. قال : عشرون. قلت : فكم في ثلاث الأصابع؟ قال : ثلاثون. قال : قلت فكم في اربع؟ قال : عشرون من الابل، ثم قال سعيد بن المسيب : هي السنة ياابن أخي (!!).
ثم قال الشافعي رحمه الله : روي أن كبار الصحابة أفتوا بخلافه ولو كانت سنة رسول الله – ص- ما خالفوها.. وقول سعيد : سنة. محمول على انه سنة زيد بن ثابت.. وهذا يؤدي إلى المحال وهو ما إذا كان ألمها أشد ومصابها أكثر أن يقل ارشها!! انتهى كلام الشافعي.
قلت: وعليه جرت أكثر القوانين في بلاد الاسلام ومنها بلادنا للأسف على هذا النحو من عقوق حقوق المرأة فقررت بغباء غير محسود أنه كلما زادت جروح المرأة كلما نقص ارشها (!!) وكأن الذي يصيب اصبعاً لامرأة في المصيبة أما الذي يكثر من اصابتها فقد فرّج شرع أعداء العقل عليه وخفضوا عنه ارشها!!.
فبالله ثم بالله اهكذا يحسن بنا عرض الإسلام كدين ساهم في تحرير الناس من مظالم أحاقت بهم أحقاباً طويلة (؟!).. وهل بهذه الثقافة سوف نضمن نجاحاً محققاً في محاورة الحضارات في قرن الذرة والطاقة النووية؟ أم إننا سنظل مصرّين على اعتبار العقل الانساني رجساً من عمل الشيطان فيجب طرحه واجتنابه!!.
إن المرأة المقتولة خطأً أو عمداً أو المجروحة هي أم أو أخت أو بنت تعز على ذويها وقد تكون لديهم أهم من الرجل عندما تكون أماً أو زوجة عاملة أو طبيبة أو قاضية أو وزيرة أو دبلوماسية وتحتها أسرة من بنين وبنات ربما يضيعون سوياً عند فقدها.. أهكذا تكون قيمتها والتعبير عن موضعها بتنصيف عوضها أو تقليله كلما زادت جروحها؟ سبحانك هذا غباء عظيم!!.
لقد كانت المرأة في الاسلام تصلي خلف الرجال في المسجد.. وخالطتهم في الأسواق.. وكان رسول الله – ص – يتحدث إلى كثير منهن بل ويعود بعضهن إذا مرضن كما في البخاري وغيره.. وكان نساؤه يعلمن الرجال من حديثه – صلى الله عليه وسلم – ويفتين ويراجعن أخطاء من حدثوا عنه وغير ذلك ولم يكن يدور مادار من بعد من أن كل ذلك يفضي الى الشهوة ويثير الغرائز ويصنع الفساد وغير ذلك مما تبنّاه وانتجه ((فقه ما بين السرة والركبة)) حتى جعلوها عورة كلها : صوتها وحجابها كله يثير الغرائز ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
هذا في نظري بفعل الثقافة العقيمة التي ولّدتها العادات الجاهلية وكذا بفعل عجز هذه الثقافة عن استيعاب تطور المجتمعات والشعوب التي دخلت في الاسلام فبقيت حبيسة الوهم وتطورت الأجيال بفعل قوانين التاريخ ونهض غيرنا باستفادته من دراسة المجتمع والتاريخ وبقي هؤلاء يدندنون ويترنمون كالبهائم قائلين : لم يصح في فضل العقل شئ!!!
لذا… فانني من منطلق اعتقادي ان دين الله عز وجل جاء للناس جميعاً.. ويدعوهم إلى كلمة سواء وليست عوجاء.. وأنه بينات من الحق والهدى.. فإنني أرى رأي من عارضوا تنصيف دية المرأة رؤوا أن هذا التنصيف يعارض الحكمة من تشريعها! إذ شرعت الدية لبيان تقدير النفس الآدمية تبعاً لقاعدة ((لا يهدر دم في الإسلام)) ولا يشك ((عاقل)) أن تنصيف دية المرأة ضرب من هذا الإهدار وزعزعة للردع حيث يجب أن يفرح الرجل أو المرأة بقتل المرأة أكثر من قتل الرجل (!) وبزيادة جروحها أكثر من نقصانها (!).. ثم كيف يستقيم برب العالمين أن يقتل الرجل بالمرأة قصاصاً.. ثم في الدية تنتصف فيه (!) إن هذا لهو الخلل المبين، ((ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا)) صدق الله العظيم.
وهنا يسعدني أن أطالب بتعديل هذه القوانين الجائرة باسم الإسلام وإنصاف حقوق المرأة حماية وصيانة لديننا وهويتنا وهي مسؤولية كل فئات المجتمع المدني التي أخذت اليوم تنتصر قضاياها بقوة أمام قوى الظلام التي لم يعد لها مستنقع تتنفس فيه مع ولوج عصر المستقبل!!
* رجل دين ومير عام المساجد في عدن