افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يوم السبت 14 أبريل/ نيسان الجاري، أعمال السنة الثالثة من الدورة الرابعة لمجلس الشورى، وقد تضمن الافتتاح خطاباً توجيهياً مكثفاً، أكد فيه الملك عبدالله بن عبدالعزيز، على القضايا والهموم والأهداف الوطنية الأساسية التي تمثل محور اهتمامه الشخصي وحرصه على أولوية متابعة واهتمام أجهزة الدولة لها في الوقت الحالي والمستقبل معاً.
وإلى جانب الخطاب وزعت كلمته الضافية على أعضاء المجلس، التي تضمنت رصداً لإبعاد المنجز التاريخي لقيام الدولة المركزية الموحدة، على يد القائد المؤسس الملك عبدالعزيز، وما تواجه المسيرة من تحديات، وما تحقق من منجزات، كما تطرقت إلى المتطلبات والاستحقاقات والمهمات الوطنية التي ستضطلع بها الدولة على صعيد التنمية والإصلاح الشامل في المجالات المختلفة. إلى جانب ذالك، تطرق الخطاب الملكي إلى مواقف ودور المملكة الايجابي، والبناء إزاء التحديات والصراعات والأزمات والأخطار المختلفة التي تجتاح عموم المنطقة والعالم، مشيراً في هذا الصدد إلى فلسطين، لبنان، العراق، السودان، الصومال والأزمة النووية بين الولايات المتحدة وإيران.
لقد أراد الملك عبدالله بن عبدالعزيز من خلال مخاطبته لأعضاء مجلس الشورى، التوجه مباشرة إلى الشعب الذي وصفه بالكريم، وإلى المسؤولين، وقطاعات الدولة كافة، بقوله أن الحفاظ على هذا الكيان والصرح الوطني الكبير، والعمل على ترسيخه وتطويره، هو أمانة ثقيلة ومسؤولية الجميع حيث أشار إلى أن ‘’دورنا يضاعف علينا المسؤولية، ويفرض علينا أن نبني فوق ما بنى أوائلنا، لذلك على كل واحد منا في هذا الوطن أن يتصدى لدوره مع المسؤولية المشاعة بيننا’’. وأكد عزمه على ‘’الضرب بالعدل هامة الجور والظلم’’، وأنه سيسعى بكل جهده من أجل الحفاظ على ‘’سيادة وطني ووحدته وأمنه’’. وبشفافيته المعهودة عنه، خاطب المسؤولين محدداً واجباتهم ومسلكهم، قائلاً ‘’إن المسؤولية المشتركة بين الجميع تفرض على كل مسؤول تقلد أمراً من شؤون هذا الشعب الكريم مسؤولية القيام بأمانته واضعاً نصب عينيه بأنه خادم لأهله وشعبه وما أعظمها من خدمة إذا توشحت بالأمانة والإخلاص والتفاني والعطاء والتواضع’’، محذراً في الوقت نفسه ‘’وليعلم كل مسؤول أنه مساءل أمام الله سبحانه وتعالى ثم أمامي وأمام الشعب السعودي عن أي خطأ مقصود أو تهاون’’، مؤكداً العزم على السير في ‘’اتجاه التنمية الشاملة والتطور.. والتطور الذي لا يقبل الجمود وكل ذلك لن يتحقق إلا بمشاركة الجميع’’. وفي ختام كلمته، وجه تحية وإشادة بدور ‘’رجال الأمن الشجعان على بسالتهم في حماية منجزات الوطن والمواطن وضرب فلول الإرهاب العابثة بالدين والقيم والأخلاق والمروءة’’.
لقد اجتازت بلادنا منذ قيامها تحديات جسيمة على صعيد استكمال مقومات الدولة المركزية الموحدة، وترسيخ الوحدة الوطنية واستحقاقاتها في شتى مناحي الحياة، وبكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ناهيك عن تأثير وانعكاس التحديات الإقليمية والدولية، الأمر الذي فرض – مع أهمية ما تحقق من إنجازات – ويفرض المضي في عملية المراجعة والتقييم والتقويم والتطوير لما تحقق والتصدي للاستحقاقات، والمتطلبات الراهنة والمستقبلية، باعتبارها حاجة دائمة، تتطلبها المتغيرات والاحتياجات الموضوعية المتنامية، التي لا تعرف المراوحة والجمود في عالم يتسم بالسيولة والتداخل وانعدام الأسوار والحدود ما بين الداخل والخارج وفي ظل عولمة عاتية، باتت تتحكم في مفاصل السياسة والاقتصاد والثقافة والعلم والتقنية والأمن في العالم إلى جانب هيمنة منظومة قيم ومبادئ ومعايير كونية أصبحت لها صفة الإلزام للجميع.
وإزاء مطامع ومخططات الهيمنة الأجنبية التي قطعت شوطاً في أحكام قبضتها وهيمنها على عموم المنطقة، وعلى النحو الذي شاهدنا ونشاهد تداعياته في فلسطين والعراق ولبنان والسودان والصومال وأبعاد المواجهة الأميركية – الإيرانية في الخليج وعموم المنطقة، والمخاطر والتحديات الداخلية المتمثلة في التصدي للإرهاب أمنياً، وضرورة تفكيك خطابه الفكري التدميري، ما يتطلب تطوير لغة ومنهج المواجهة الفكرية والإعلامية والتربوية وتعميق توجهات ومتطلبات الإصلاح والتنمية المستدامة، وصياغة الأنظمة والقوانين المنظمة لها والإصلاح الهيكلي للقضاء وترسيخ مقومات النزاهة، ومكافحة الفساد والفقر وتأكيد المشاركة والمواطنة المتساوية للجميع.
ويندرج في هذا الإطار، التصدي لمشكلات الفقر والبطالة، والإنفاق المتوازن للارتقاء بالمناطق والفئات كافة، خصوصاً المحرومة منها، وكذالك إيلاء عناية خاصة بأوضاع المرأة، عن طريق تمكينها والنهوض بأوضاعها في جميع المجالات، والعمل على تنمية الموارد البشرية، عبر إتاحة مزيد من فرص التعليم، والعمل للمواطنين، خصوصاً للشباب الذين يشكلون غالبية المواطنين، ما يتطلب تطوير مخرجات التعليم (مناهج وتربية وطرق تدريس) والتدريب، والتقنية والعمل على تنويع القاعدة الاقتصادية باتجاه إنهاء الطابع الريعي للاقتصاد، وتطوير المدن الصناعية والاقتصادية الكبرى، إلى جانب تحسين المرافق الحيوية، والخدمية لتلبية الاحتياجات المتزايدة للمواطنين، مثل الصحة، والإسكان والمياه والصرف الصحي والكهرباء والنقل.
لقد تضمنت كلمة خادم الحرمين الشريفين الضافية الإشارة إلى عزم الدولة على التصدي لحل هذه القضايا الحيوية وغيرها، غير أن المهم كما أكده مراراً، هو ضرورة التحلي بالأمانة، والشعور بالمسؤولية الوطنية المشتركة بين الجميع في كل ذالك.
na.khonaizi@hotmail.com
جريدة “الوقت”