بلا شك فإن قوى التخلف والظلام تسعى الى فرض هيمنتها على المجتمع بأسره وفرض اللون الواحد عليه، حتى تستطيع التحكم بمفاصله حسبما تريد وبما يتناسب ومصالحها وتوجهاتها. ولا تتورع قوى التخلف والظلام هذه من استغلال كل الأدوات، خاصة المنابر الدينية تحقيقاً لهدفها هذا وعبر تغييب الناس دنيوياً وترهيبهم دينياً. ويلاحظ بوضوح أن هذه القوى لم تعد تكتفي بسيطرتها على اتباعها ومريديها، إنما مدُّ سيطرتها على كل الناس ومؤسسات الدولة ايضاً، وتحجيم دور المؤسسات الخاصة أو خلق بدائل لها بحجة الحلال والحرام. وللأسف الشديد فإن هناك دوائر نفوذ ومؤسسات تخشى قوى الظلام والتخلف وتعمل على مهادنتها، بل الأكثر التحالف معها إما علانية او من تحت الطاولة وذلك حفاظاً على كرسي هنا او هناك او مصلحة ما، ولتذهب مصلحة المجتمع الى الجحيم! وللأسف الشديد ايضاً فإننا نرى تراجعاً شديداً في دور الدولة المستنير والحضاري امام هذه القوى، وتقديمها تنازلات عدة وفي مواقع مختلفة بما يخلُّ بدورها كدولة مدنية تتحمل مسؤولية المجتمع بأسره وليس فئة أو كتلة أو جمعية.
إننا نفهم أن هناك من هم من ذوي النفوس والحجج الضعيفة الذين تحالفوا أو خضعوا لابتزاز هذه القوى، ولكننا لم نعد ايضاً نرى دوراً قوياً للدولة في الدفاع عما حققته البحرين عبر مراحل تاريخية مختلفة من تقدم في اتجاه الدولة المدنية والحريات وتنوع المجتمع، بل إنها في احيان كثيرة لا تدافع عن نفسها ازاء ما تمارسه قوى التخلف من ضغوطات وهجوم. إن دور الدولة المتردد هذا ولّد احباطاً شديداً لدى القوى المدنية والديمقراطية المستنيرة التي وجدت نفسها وحيدة في الساحة، تقارع قوى الظلام والتخلف بأدوات بسيطة، وذلك حماية للمكتسبات التي حققها المجتمع البحريني. وعلى سبيل المثال فان اهم واخطر أداة إعلامية تملكها الدولة، ويفترض ان تمثل وجه البحرين الحضاري وهي تلفزيون البحرين فقد تم اقصاء القوى الديمقراطية من على شاشته وتنحية الشخصيات الدينية البحرينية المستنيرة لصالح بعض الدعاة والوعاظ المستوردين، وبعض الدراوشة الذين ينشرون التخلف في المجتمع.
واننا إذ نحيي الأصوات الشجاعة التي ترتفع بين فترة وأخرى دفاعاً عن الحريات والتنوع والتعدد والمجتمع المدني، فاننا ندعو في الوقت نفسه الى ان تكون هذه الأصوات مسموعة لدى أصحاب القرار ومؤسسات المجتمع المدني، لانها تعبر عن شريحة واسعة من المجتمع تؤمن وتتمسك بجوهر الديمقراطية لا بقشورها كما تفعل قوى التخلف من أجل تحقيق أهدافها ثم تضرب بالديمقراطية عرض الحائط. إن كثيراً من الشخصيات الكبيرة والفاعلة السياسية والتجارية والثقافية عبّرت عن رأيها بجرأة فيما تجري من محاولات لجر مجتمعنا الى الخلف، ونحن اذ نقدر لهذه الشخصيات إخلاصها للوطن والديمقراطية والحريات وتمسكها بمبادئ الانفتاح والتسامح، فانه لا بد ان تكون هناك صيغة أكثر فاعلية من أجل ان تكون هذه الأصوات مسموعة بوضوح، بحيث توقن قوى التخلف والظلام بأنها ليست وحدها في الساحة، وان البحرين ليست لها هي وحدها فقط. وإننا في »الأيام« سنظل أوفياء مخلصين للمشروع الديمقراطي الذي يقوده جلالة الملك المفدى، وسنظل أوفياء لمبادئنا وسنكون صوتاً قوياً للقوى الديمقراطية والمعتدلة والمستنيرة.
*رئيس تحرير صحيفة “الايام” البحرينية