ما هي خلفيات ودواعي الخطاب الأخير للحاكم الليبي؟ وما هي طبيعة الرسائل التي يريد توجيهها إلى كل من المغرب والجزائر؟ ولماذا تنكر للوجود الأمازيغي في وقت عقد فيه نظامه عدة لقاءات مع مسؤولي الكونغرس العالمي الأمازيغي؟ وكيف سيتعامل المدافعون عن الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية مع خطاب القذافي؟ هذه الأسئلة وغيرها تشكل محاور الورقة التالية:
أقدم العقيد معمر القـذافي على مهاجمة البعد الأمازيغي للشعب الليبي والتنكر لوجوده الاجتماعي والثقافي ولأصوله التاريخية، وقذف المدافعين عن الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية، بل والأكثر من ذلك اتهامهم بالعمالة والخيانة والتآمر لصالح الاستعمار وجهات أجنبية.. ولم يقف الحاكم الليبي عند هذا الحد، إذ توعد بالتصدي إليهم داعيا إلى سحقهم.. مناسبة هذا التصريح جاء في خطاب تلفـزي ألقاه القـذافي بمناسبة ما سمي بـ “عيد إعلان سلطة الشعب” في فاتح مارس الجاري
وقد خلفت هذه المبادرة ردود أفعال سلبية لدى الحركة الأمازيغية الليبية سواء المتواجدة في الداخل أو الخارج، وباقي الحركات الأمازيغية في شمال إفريقيا والدياسبورا.
وهكذا بادرت بعض فصائل المعارضة إلى استنكار ما جاء في تصريح القذافي والدخول في أشكال نضالية كالتوقيع على عرائض احتجاجية والعمل على تشكيل لجان مدنية وسياسية للتصدي لإرهاب “زعيم ثورة الفاتح” والتحرك في اتجاه تحسيس المدافعين عن الأمازيغية وطرق باب المنظمات والهيئات الدولية قصد حصد المزيد من الدعم والمساندة لصالحها.
لكن ما هي دوافع وخلفيات خطاب القذافي؟ ولماذا تنكر للوجود الأمازيغي في وقت كان فيه الجميع ينتظر صدور اعتراف رسمي من طرف النظام الليبي خاصة بعد الإشارات الإيجابية التي صدرت عن نجله وتعدد زيارات الكونغرس العالمي الأمازيغي بقيادة لونيس بلقاسم إلى العاصمة طرابلس..؟
ـ الصـراع:
نعتقد أن النظام الليبي، بعد خطاب القذافي، أصبح يشكل قطبا مناهضا لأي اعتراف بالثقافية الأمازيغية في المنطقة مقابل قطب يتشكل من المغرب والجزائر.
فالأمازيغية في المملكة المغربية شهدت منذ بداية الألفية الجديدة تطورات هامة في زمن محمد السادس، حيث تم الاعتراف الرسمي بالأمازيغية في خطاب أجدير بخنيفرة في 17 أكتوبر 2001 واعتبارها عمقا تاريخيا للمغرب وملكا لجميع المغاربة بدون استثناء، كما تم إحداث مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كقناة رسمية لتدبير التنوع الثقافي والتعدد اللغوي الأمازيغي، واختيار “تيفيناغ” كأبجدية رسمية لكتابة اللغة الأمازيغية وإدراجها في منظومة التعليم والإعلام.. وينتظر أن يتم التنصيص عليها في دستور المملكة بعد رفع المجلس الإداري للمعهد توصية إلى الملك يطالب فيها بالحماية القانونية والدستورية للأمازيغية.
نفس الأمر بالنسبة للجارة الجزائر، إذ تم التنصيص على الأمازيغية كبعد للغوية وكلغة وطنية في الدستور، وذلك بعد صراع مرير ومخاض عسير. وتواصل الحركة الأمازيغية حصد مجموعة من المكتسبات الديمقراطية المرتبطة بالأمازيغية، مطالبة الحكم الجزائري بترسيمها في الدستور.
هذا التطور التي شهدته الأمازيغية في الجزائر والمغرب على وجه الخصوص أصبح واقعا يستفز، بشكل أو بآخر، باقي أنظمة دول المنطقة المغاربية
وخاصة تونس وموريتانيا وليبيا وجزر الكناري والصحراء الكبرى، مما يفهم أن مبادرة العقيد الليبي قد تكون رد فعل على التحولات الهامة التي عرفتها الأمازيغيـة في المغرب والجزائر.
ومن هذا المنطلق أصبح هناك توجهان داخل منطقة شمال إفريقيا. الأول يقوده المغرب الذي اختار مقاربة مؤسساتية لتدبير التعدد اللغوي والتنوع الثقافي. والثاني يتزعمه النظام الليبي الذي لازال مصرا على التنكر للحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية في وقت أصبحت فيه المؤسسات العالمية تطالب مختلف الدول بحماية هذه الحقوق.
ـ الإحراج:
أكيد أن الخرجة الأخيرة للعقيد القذافي ستضع الكونغرس العالمي الأمازيغي في موضع حرج خاصة بعد زيارات لونيس بلقاسم، رئيس الكونغرس، إلى طرابلس ولقاءاته بالرئيس الليبي وما خلفته هذه الزيارات من تفاؤل بشر به الجزائري بلقاسم في أكثر من مناسبة.
لقد نجح النظام الليبي في مد جسور الحوار مع الكونغرس العالي الأمازيغي منذ مؤتمر الناظور في غشت 2005 ، إذ استغل هذا التقارب للدعاية لصالحه في وقت كانت ليبيا تعرف نوعا من العزلة الدولية ودينامية معارضي القذافي في الخارج(مؤتمر لندن..)، الشيء الذي جعل أصدقاء لونيس يعتقدون أن القذافي سيستجيب للمطالب الأمازيغية، ناسين أو متناسين تجاربه مع مجموعة من المنظمات والحركات القومية واليسارية والتحررية وما شابه ذلك زمن الحرب الباردة، لكن التطور الأخير أكد حقيقة نوايا القـذافي وحقيقة العداء الذي يكنه للوجود الأمازيغي بليبيا ومنطقة شمال إفريقيا.
والسؤال الذي أصبح يطرح نفسه: هل يجرؤ الكونغرس العالي الأمـازيغي على اتخاذ موقف واضح وشجاع مما حصل؟
وللتذكير في هذا الباب أن تطبيع العلاقة بين الكونغرس ونظام القذافي خلف ردود فعل سلبية لدى المعارضة الأمازيغية الليبية لأسباب متعددة منها:
أولا: عدم استشارة المعارضة التي فوجئت بخبر الزيارة الأولى إلى العاصمة طرابلس كأيـها الناس!؟ في حين تفيد بعض المصادر أن دعوة مماثلة كانت قد وجهت في السابق إلى أوزين أحرضان، لكنه رفض العرض الليبي بعد اتصالاته ببعض الأطراف داخل الحركة الأمازيغية بالخارج، مما جعل المكلف بملف الأمازيغية لدى رئاسة القذافي يطرق باب الكونغرس.
ثانيا: غياب ضمانات كافية لوجود إرادة سياسية حقيقية لدى النظام المذكور من شأنها أن ترد الاعتبار للثقافة الأمـازيغية.
ثالثا: تجاربه السابقة مع مجموعة من الحركات السياسية.
وأمام إصرار أصدقاء لـونيس بلقاسم على الدخول في هذه “المغامرة” غير محسوبة العواقب، فضلت المعارضة الليبية التريث وانتظار ما سيسفر عنه هذا المسلسل من نتائج لصالح الأمازيغية، مع العلم أن البعض منها مد الكونغرس بكل المعطيات الضرورية. فهل سيقدم الكونغرس على استنكار وشجب خطاب الحاكم الليبي وإغلاق باب الحوار ودعم المعارضة في مشروعها الرامي إلى الاعتراف الرسمي بالأمازيغية..؟
ونعتقد أن عدم خروج الكونغرس عن صمته، في هذا الظرف،سيجعله في موقع اتهام بما شيع عنه في الموضوع.
بدون شك إن خطاب القـذافي أصبح يهدد الوجود الأمازيغي بمنطقة شمال إفريقيا، مما يلزم كل المدافعين والمدافعات عن الحقوق الثقافية واللغوية التحرك من أجل التصدي لأطروحته من خلال تفكيك أسسها، وفضح ممارساته لدى المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، والكشف عن مخططاته وكذا صفقاته داخل المنطقة مع العلم أنه هاجم مؤخرا التجربة الديمقراطية الفتية في موريتانيا ولمح للأمريكان برغبته في لعب دور “دركـي” البيت الأبيض في مواجهة كل الجهات التي تعادي مصالح القوى الغربية.
إن التحولات الكبرى التي يعيشها العالم بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، لم تعد تسمح لأي حاكم مثل العقيد معمر القـذافي خاصة أن الاستراتيجية الجديدة للقوى الغربية في المنطقة المغاربية تغيرت، حيث أصبحت متجهة إلى الشعوب بدل الأنظمة التي لا زالت ترفض خيارات الدمقرطة واحترام حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية.. فمتى سيبقى القذافي وأمثاله يغردون خارج السرب….
musantra@yahoo.fr
*صحافي وباحث جامعي من المغرب