في وسط هذا الخليج الثري الذي يسبح على بحر من النفط، ماذا يملك الإنسان البحريني؟! حتماً هو لا يملك نفطاً ولا ذهباً ولا حتى نحاساً!! ولكن الإنسان البحريني يملك الثقافة والفن والحضارة والمعرفة وهذا الوطن الجميل، وهي أغلى وأعز ما نملك. وفي مقابل الثقافة والفن والمعرفة التي يتميز بها الإنسان، يقف الجهل والأمية والعتمة والظلام والغباء، وهي مصدر كل الفواحش والرذيلة والأمراض والإرهاب!!
لذلك فقد كانت صدمة كبيرة لنا وقاتلة لهذا الوطن الجميل إقرار مجلس النواب تشكيل لجنة تحقيق في ربيع الثقافة، هذه الثقافة التي يريد البعض أن يهدر دمها على مذبح الحرية والديمقراطية وباسم الدين والإسلام والأخلاق!! وبالطبع سوف نتقبل القرار لو كان يتعلق بتشكيل لجنة تحقيق في فساد أو اختلاس أو رشاوى أو إهدار المال العام، لكن أن يتم التحقيق مع الثقافة فهذا أمر لا يستوعبه عقل الإنسان. تصوروا الثقافة متهمة في وطن الثقافة والحضارة والحريات، إن مجرد تصور ذلك هو أمر مرعب تقشعر له الأبدان، فمن يجرؤ على محاربة ومحاكمة الثقافة، هذه المحاكمات التي تجاوزها العالم منذ القرون الوسطى؟!! إن لجنة التحقيق هذه لو تم تشكيلها فإنها سوف تلطخ سمعة البحرين الثقافية في العالم وتعصف بكل منجزاتها الحضارية، وهو أهم مكسب حققته البحرين في تاريخها، فلا تتصوروا الأمر بهذه البساطة!!! إننا سنكون أضحوكة العالم عندما نبدأ محاكمة الفنان القدير مارسيل خليفة والشاعر المتميز قاسم الحداد وبتهمة ماذا! »الخلاعة«!! أي مصيبة حلت علينا؟!! بعد كل هذا العمر الذي أفناه الفنان مارسيل خليفة في الارتقاء بالفن وخدمة القضايا العربية والإنسانية، وكذلك زميله الفنان الشاعر المرهف قاسم حداد، نأتي لننصب لهما محاكم التفتيش بدلاً من تقديرهما وتكريمهما؟! نرجوكم.. ونرجوكم.. لا تجعلونا محط استهزاء الآخرين بهذه النادرة المضحكة جداً.. جداً، والتي لن تمحى من ملف تاريخنا الجميل والمشرف في الفن والثقافة.
إن الفن يحسّن الأخلاق ويهذّب النفوس، وما تم تقديمه في ربيع الثقافة يعتبر من أعلى درجات الفن الراقي والمهذب والإنساني.. فماذا تريدون أكثر من ذلك؟! وأي فن تريدون؟ وإلى أي غناء تطربون؟! أفيدونا أفادكم الله، وإلا اتركوا الآخرين وشأنهم يستمتعون بالفن وبنسمات الهواء الطلق. إن من يريد أن يحارب الفن والثقافة فعليه أن يعرف أنه دخل معركة خاسرة، فلا أحد يستطيع أن يقيّد الفن أو يحبسه أو يقمعه، إنه نسمات الهواء المنعش التي تملأ الرئتين، وبدونه فلا معنى لهذه الحياة!! إن الناس تكظم غيظها من قوى الظلام والتخلف التي تريد أن تقتل كل شيء جميل في هذه الحياة ولم تشبع نهمها حتى الآن، فهي كلما قتلت شيئاً جميلاً طلبت المزيد والمزيد، وتبحث عن الجمال لكي تقتله، خاصة وأن الدرب سالك أمامها، وهي لن ترضى بقتل الثقافة بل ستعمد إلى قتل الروح البحرينية الطيبة بتدخلها حتى في شؤون الأسرة وتفريق الابن عن أبيه والزوجة عن زوجها والأخ عن أخيه.. أبشروا فنحن اليوم أمام علامات هذا الزمن الرديء!!
alshaiji@alayam.com
http://www.alayam.com/ArticleDetail.asp?CategoryId=24&ArticleId=240282