من خلال قراءاتي المتواضعة واستطلاعي على الكتب الدينية ، وخاصة في السياسة الشرعية ألفيت أن مصطلح ” رجال الدين ” كما ينعته البعض على فئة متخصصة في الشريعة الإسلامية ، مصطلح مبتدع لا أصل له في الدين ، وإنما جاء نتيجة إفرازات ومطالبات شخصية لتمييز فئة على أخرى . ولا شك أن إطلاق هذه التسمية بدعة منكرة في الدين ، وقد حذرنا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام من البدع ، فقال : ” كل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ” فإحداث أمر ليس على عهد النبي عليه الصلاة والسلام ولا على عهد صحابته الكرام هو من الأمور المحدثة التي يجب محاربته . إذن هذا المصطلح محدث وبدعة ، فلا يجوز أن نطلق لقب رجال الدين على من تخصص في هذا العلم . ولو كان هناك من يستحق هذا اللقب لكان الصحابة الكرام هم أول من تسموا بذلك .
ومن المعلوم أن هذا المصطلح الدخيل على ديننا مصطلح غربي خرج علينا من الكنيسة ، تسم به ناس سخروا أنفسهم لخدمة دينهم ، وكانوا رهبانيين مخلصين ، ولكن للأسف هناك من استقل مكانته وهيبته ، وباع ضميره ، وخان عهده ، واكتسب من وراء وظيفته ، وحقق أرباحاً ، وخدع الناس ، وخان العهد الذي بينه وبين ربه . وقد راق لبعض ضعاف النفوس عندنا أن يسيروا على هذا النهج ، وأن ينتحلوا هذه الشخصية لأنها تكسبهم مهابة ومكانة ومالاً ، فسموا أنفسهم برجال الدين ، وربطوا هذه التسمية بالدين ليروجوا بضاعتهم ، وغاب عن كثير من الناس أن (رجال دين ) بمعنى الوسطاء والوكلاء ليس في دين الإسلام ، وإنما هي بدعة محدثة ، فليس لأحد أن ينصب نفسه أو يدعي أنه رجل دين . إن هذه التسمية فيها احتقار لبقية الناس، فإذا كانوا هم رجال دين، فماذا عن غيرهم من ملايين المسلمين، ماذا نسميهم، هل هم رجال كفر وجحود، أم ماذا ؟ ليت هؤلاء القوم يعقلون .إن هذه التسمية دعوى لتشتيت المسلمين وتفرقتهم ، والله سبحانه وتعالى خلق الخلق ولم يفضل أحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح ، وأن الله تعالى يريد من الناس أن يتحدوا ويتوحدوا لتختفي كل الفروقات والخلافات العرقية والعنصرية فيما بينهم مع المفاخرات القومية والقبلية إلى أمة من المتقين واحدة .
فإذن لماذا يريد هؤلاء القوم أن يسودوا على الناس وأن يكونوا أوصياء عليهم ، وهذا ليس من حق أحد ، ولو أراد الله أن يجمع الناس لجمعهم ، قال تعالى ( ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً ) ولكن الله خالق عباده وه أعلم بما ينفعهم ويضرهم . إذن المولى عز وجل لم يسمح لأحد أن يكون وكيلاً عنه يتكلم باسمه ، وأن يقهرهم ويجبرهم على ما لايريدون قال تعالى : ( لست عليهم بمسيطر ) وقال ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) ، وإذا كان الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم لا يملك هداية الناس ، قال تعالى ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) فكيف بالناس ، لا شك أنهم غير قادرين على هداية البشرية ، وحملهم على معتقداتهم وأفكارهم ، فهؤلاء الذين نصبوا أنفسهم بأنهم رجال دين ، ونعتوا أنفسهم بنعوت شتى ، كأصحاب الفضيلة ، وسماحة السيد فلان ، والشيخ فلان ، والعلامة فلان بن فلان ، كلها نعوت مبتدعة وصفوها بها أنفسهم ، ليكونوا مهابين بين الناس ، وزاد من هيبتهم وغرورهم أنهم زينوا أنفسهم بملابس تختلف عن غيرهم ، وعمامة من ألوان شتى ، وكأنهم ليسوا مواطنين ونحن لانقف وجلين خائفين أمام هالات الأسماء ، فالأسماء لا تخيفنا ولا تثنينا وليس لها صفة القدسية ، وليسوا في مقام عال ، بل هم كغيرهم لا بد أن ينتقدوا وأن يصلحوا من أنفسهم ، قبل أن يصلحوا الناس ويتحكموا في رقابهم وأفكارهم ويكونوا أوصياء عليهم . ووصل الأمر بالبعض أن يقدسوا هؤلاء الأشخاص وينزلونهم منزلة الألوهية والعياذ بالله ، فبعضهم ينحني لتقبيل يد سيده صاحب العمامة الكبيرة ، وآخر يكاد يسقط بين رجليه ليقبلها ، وآخر يقبله فوق رأسه ويفسح له المجال ، ويتراكض الناس لفتح الباب له ، وتوفير كل احتياجاته من متع الدنيا ، والغريب أن هؤلاء يستأنسون بمثل هذه المواقف ، ولا ينهون الناس عن ذلك ، مع أن هذه من الأمور المحرمة شرعاً ، لأنها عبودية مطلقة والعبودية لا تكون إلا لله وحده . قال تعالى ( ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السموات والأرض شيئاً ولا يستطيعون ) ، والعبادة هنا هي الطاعة لصاحب الملك ، وقد خلق الله تعالى الإنسان ليعبده باختياره ، فإن عبده كان عبداً لله وحده ، وإن أطاع السلطان طاعة عمياء وكان الطاعة مخالفة لأمر الله ، فهو عابد للسلطان وإن كان يعبد الله . كما أشارت الآية الآنفة الذكر . فالعبودية لا تعني فقط السجود والركوع ، بل الانصياع المطلق ، والسكوت عن كلمة الحق والعدل .
لقد عاب الله تعالى على المجتمع الجاهلي ليس فقط لأنه يعبد الحجارة فحسب، ولكن لأنهم ينصاعون لأوامر أسيادهم كل الانصياع لا يخالفونهم فيما يقولون ، ولو كان فيه هلاكهم ودمارهم . فالعبودية مرفوضة من أساسها إلا لله تعالى ، والمؤمن لا يكتمل إيمانه إلا إذا كان حراً ، أما الذين يتبعون الشيطان فهم عبيد للشيطان يلهثون وراء مصالحهم وشهواتهم ، فهؤلاء الذين تسمّوا باسم رجال الدين كان الأولى أن يفهموا هذه الحقيقة وأن يعلموا أن انحناء الناس لهم ، ولي أعناقهم إليهم ، وطوعهم في كل ما يقولون ولو كان باطلاً أمر مرفوض غير مقبول ، ومن الكبائر لا تليق بالمسلم أن يفعل ذلك فضلاً عمن تسموا برجال الدين .
إن هذه التسمية الدخيلة يجب رفضها وعدم تسمية أحد بذلك لأنه ليس في دين الله شيء اسمه رجل دين، فالمسلمون كلهم رجال مسخرون لهذا الدين وتسمية فئة دون أخرى بهذا أمر مرفوض لأن فيه امتهاناً لمعتقدات الناس ، واحتقاراً لانتماءاتهم وإخلاصهم ، يذكرني ذلك بأن بعض التجار يسمون محلاتهم الصغيرة بالبقالة الإسلامية أو بالمعرض الإسلامي أو المطعم الإسلامي أو المستشفى الإسلامي ، وكأنهم هم المسلمون وحدهم ، وبقية المحلات ليست إسلامية ، وكأنها تباع الخمر أو لحم خنزير ، وهذا فيه احتقار لبقية الناس .
أرجو من كل من يقرأ مقالتي هذه أن لا يتمعن فيها جيداً ، وأن يعي ما أقول قبل أن يشعل هاتفي النقال بالرسائل المفخخة والشتائم . وسؤالي الأخير هو : هل أنتم رجال دين فعلاً ، وهل أنتم أصحاب فضيلة ؟
ghadajamsheer@hotmail.com
*رئيسة لجنة العريضة النسائية