بوش في لقاء مفاجىء مع جنبلاط يشدّد على دعم المحكمة الدولية
وسط طغيان الجمود والمراوحة على الوضع الداخلي ودوران المواقف السياسية في حلقة مفرغة، برز أمس تطوران اكتسبا دلالات سياسية مهمة: الاول تمثل في حصر الموفد الملكي السعودي وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عبدالله الزينل زيارته لبيروت بلقائه رئيس الجمهورية اميل لحود وتسليمه الدعوة الرسمية لحضور القمة العربية في الرياض في 28 آذار و29 منه. والثاني تمثل في لقاء مفاجىء بين الرئيس الاميركي جورج بوش ورئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط والوفد المرافق له الذي يضم وزير الاتصالات مروان حماده والنائب السابق غطاس خوري في البيت الابيض، وهو لقاء اكتسب طابعا خاصا سعى عبره بوش الى اظهار ثبات الدعم الاميركي للحكومة وقوى الغالبية.
اما بالنسبة الى زيارة الوزير السعودي لبيروت، فقد بدا واضحا ان المملكة العربية السعودية نأت بنفسها، كدولة مضيفة للقمة العربية، عن الانقسام السياسي والرسمي في لبنان وحصرت مهمة موفدها في نقل دعوة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز الى الرئيس لحود لحضور القمة. وبدا ذلك واضحا من خلال مؤشرين: اقتصار لقاء لحود والوزير الزينل على مدة لم تتجاوز العشرين دقيقة، وتجنب الوزير الزينل لقاء رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وأي مسؤول آخر في بيروت التي بات ليلته فيها.
وفسرت أوساط حكومية عدم لقاء الوزير السعودي الرئيس السنيورة بأن السعودية التزمت في هذا السياق التعامل من دولة الى دولة، فكما ان السعودية وجهت دعوة الى الرئيس السوري بشار الاسد، رغم الخلافات القائمة بين البلدين، وجهت ايضا الدعوة الى الرئيس لحود. وأشارت الى انه في ما يتعلق بتأليف الوفد اللبناني الى القمة فهذا يعود الى مجلس الوزراء والسعودية ليست معنية بهذا الامر ولا يمكن ان تتعامل معه او تتدخل فيه او توجه دعوتين. وقالت ان مجلس الوزراء سيدرس في الوقت المناسب مسألة تأليف الوفد ولا يزال هناك متسع من الوقت.
وكان لحود أكد للوزير السعودي أنه “سيرأس وفد لبنان الى القمة”، وأنه “يتطلع الى لقاء الملك عبدالله للتعبير عن امتنان اللبنانيين لما يقوم به من أجل وطنهم”.
وأعلن الوزير السعودي ان بلاده والدول العربية الاخرى “تتطلع الى حل كل الخلافات القائمة قبل المجيء الى القمة”، مؤكدا ان “لبنان يعز على الجميع”. وأوضح ان مشاركة الرئيس السنيورة في القمة “أمر يعود الى اللبنانيين”. واضاف: “اننا ننتظر ان تأتي الحلول (للأزمة اللبنانية) قبل القمة وان شاء الله قمة الرياض تؤكد الاتفاق بين الاطراف اللبنانيين”.
وعلم ان الموفد السعودي اكد للحود “حرص المملكة على عودة لبنان الى ازدهاره ووحدته وتضامن أبنائه نظرا الى المكانة الخاصة التي يتمتع بها لبنان واللبنانيون لدى المملكة”. ولم يتطرق اللقاء الى الازمة السياسية في لبنان.
واسترعى الانتباه، على هامش زيارة الوزير السعودي لبيروت، ان وزير الخارجية المستقيل فوزي صلوخ استقبله في مطار بيروت معلنا انه تولى هذه المهمة بتكليف من الرئيس لحود و”بصفتي وزيرا مستقيلا للخارجية لم تقبل استقالته”.
وتعليقا على هذا التصريح رحب الرئيس السنيورة “بخطوة الوزير صلوخ وعودته الى ممارسة مهماته بصفة كونه وزيرا اصيلا لم تقبل استقالته بعد والتي سبق لرئيس مجلس الوزراء ان رفضها”. وامل السنيورة تاليا في “عودة الوزير صلوخ الى ممارسة صلاحياته كاملة ومشاركته في جلسات مجلس الوزراء للافادة من وجوده وخبرته”.
لكن صلوخ رد ليلا بأنه قام بهذه المهمة مكلفا من الرئيس لحود و”ليس بأي صفة حكومية كوني لا ازال مستقيلا ولا يعني قيامي بها تراجعا عن الموقف السياسي القاضي بالاستقالة ما لم يتم ايجاد الحلول القاضية بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وهو ما نأمل ان يتم التجاوب معه سريعا لانهاء هذا الوضع الشاذ وغير الدستوري وغير الميثاقي”.
الحص في طهران
وفي سياق متصل بالوضع السياسي في لبنان، التقى الرئيس سليم الحص خلال زيارته لطهران امس وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي، وعقدا بعد ذلك مؤتمرا صحافيا اعلن خلاله متكي ان “لا وجود لخطة ايرانية – سعودية” لحل الازمة اللبنانية. وقال ان “البلدين يجريان مفاوضات مع مختلف الافرقاء اللبنانيين ولديهما اقتراحات لتقريب المسافة بينهم”. واضاف ان “المحادثات بين ايران والسعودية تهدف تحديدا الى النظر في طريقة تقريب وجهات النظر”.
اما الحص، فقال ان “لبنان يعاني من الانقسامات المذهبية”، مشيرا الى ان “القادة اللبنانيين يعملون ليل نهار لتفادي انفجار الوضع”.
من جهة اخرى وصل مساء امس الى بيروت المستشار الخاص للامين العام للامم المتحدة لشؤون الشرق الاوسط مايكل تشارلز وليامس في اطار جولة يقوم بها على عدد من دول المنطقة تهدف الى الاطلاع على مراحل تطبيق القرار الدولي 1701 الذي صدر عقب الحرب الاسرائيلية على لبنان في تموز الماضي. وسيلتقي خلال وجوده في بيروت عددا من المسؤولين، تمهيدا لصدور تقرير الامم المتحدة عن تنفيذ هذا القرار.
بوش وجنبلاط
ومن واشنطن كتب مراسل “النهار” هشام ملحم: أكد الرئيس جورج بوش، خلال اجتماع مفاجئ عقده مع النائب وليد جنبلاط، استمرار دعم حكومته القوي لانشاء المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المسؤولين عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وغيره من السياسيين والصحافيين اللبنانيين، والتزام واشنطن بدعم الحكومة اللبنانية سياسيا واقتصاديا وعسكريا للدفاع عن استقلال لبنان وسيادته وحريته.
وصرح جنبلاط لـ”النهار” بان الرئيس بوش “أكد استمرار الموقف الاميركي المبدئي والقوي من النظام السوري”، ورفض التعامل معه.
وكان جنبلاط بدأ اجتماعاته أمس بلقاء وزير الدفاع الاميركي السابق دونالد رامسفيلد. ثم اجتمع ظهراً بمستشار الامن القومي ستيفن هادلي ومساعديه الرئيسيين المعنيين بقضايا الشرق الاوسط اليوت ابرامس ومايكل دوران، وبعد خمس دقائق دخل الرئيس بوش، وشارك مدة 35 دقيقة في مناقشة مفصلة للوضع في لبنان، وطرح اسئلة عكست مدى المامه بتفاصيل الازمة اللبنانية ومضاعفاتها الاقليمية. وبعد خروج بوش، استمرت المناقشة الموسعة التي شارك فيها ايضا الوزير حماده والنائب السابق غطاس خوري.
ويجتمع جنبلاط اليوم بوزير الدفاع روبرت غيتس، ويعقد اجتماعات طويلة غداً مع وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ومساعديها، الى عدد من اعضاء الكونغرس من الحزبين. ويلتقي الخميس نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني، وينتقل الجمعة الى نيويورك للقاء الأمين العام للامم المتحدة بان كي – مون.
وقال جنبلاط في محاضرة القاها في مؤسسة اميركان انتربرايز للابحاث انه جاء الى واشنطن سعياً الى الحصول على دعم اقوى سياسيا وعسكريا واقتصاديا للحكومة اللبنانية، للتصدي للحكومات التوتاليتارية في سوريا وايران، “وضد الاحتلال السوري غير المباشر عبر حزب الله وحلفائه”. ورأى ان الاخفاق في حل الازمة اللبنانية على نحو يصون سيادة لبنان واستقلاله وحريته، سيؤدي الى دخول لبنان “في المجهول”.
وذكر ان سوريا لا تعترف بلبنان كدولة مستقلة، وان اللبنانيين المتمثلين في حركة 14 آذار قاوموا “الارهاب السوري وكان الثمن باهظاً” في اشارة الى اغتيال الحريري والى مسلسل الارهاب الذي شمل سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار امين الجميل، مؤكداً ان الجميل “لن يكون الضحية الاخيرة”. ولاحظ ان طهران تدعي الآن ان هناك جسماً واحداً يمتد من ايران الى لبنان، واعتبر ذلك بمثابة ضم غير مباشر للبنان الى “الامبراطورية الفارسية”.
وشدد على ان لبنان مجتمع تعددي مفتوح وديموقراطي، وهو يواجه الآن “حزب الله الذي يمثل ايديولوجية توتاليتارية تدعمها دول توتاليتارية مثل ايران وسوريا”.
واتهم ايران بالتسبب بحرب الصيف الماضي، وقال ان الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله لم يكن معنيا بالخسائر الجسيمة المادية التي تسببت بها الهجمات الاسرائيلية ومنها تدمير مئة الف بيت وشقة.
ولفت الى ان لبنان يقف على عتبة مهمة، في اشارة الى التصويت الذي يفترض ان يحصل في مجلس النواب اللبناني لابرام اتفاق المحكمة الدولية، واعتبر انه اذا اخفق اللبنانيون في عقد جلسة للمجلس فان “وجود لبنان سوف يكون على المحك”.
ورفض جنبلاط الطروحات القائلة بان ما يريده “حزب الله” هو تمثيل افضل للشيعة في السلطة. وسخر في هذا السياق ضمناً من الصحافي والكاتب الاميركي سيمور هيرش (لم يذكره بالاسم وان ذكر مجلته) الذي نشر في مجلة “نيويوركر” مقالا تطرق فيه الى هذه المسألة. وقال ان “حزب الله” وحركة “امل” لا يمثلان بالضرورة الاكثرية الشيعية، مشيرا الى الاصوات الشيعية التي انتقدت “حزب الله” وابرزها مفتي صور وجبل عامل السيد علي الامين.
وشدد على ان سقوط الحكومة اللبنانية سيؤدي الى اضطرابات في لبنان والشرق الاوسط وسيكون ذلك بمثابة هزيمة لجميع قوى الاعتدال والاصلاح في المنطقة. وقال: “نحن مستعدون للدفاع عن لبنان وقيمه ولان نقول لا للطاغية السوري، وان نقول لا لحلفاء سوريا اذا ارادوا ان يبنوا دولة داخل الدولة في لبنان. نحن نختلف معهم ايديولوجيا وسياسياً”.
وشكك في احتمال تغيير السلوك السوري، مكرراً ما كان يقوله سمير قصير من ان لبنان لن يصبح مستقلا بالفعل الا اذا تغير النظام في دمشق. وجدد دعمه للمعارضة السورية للتخلص من النظام الحالي.
وعن المبادرة السعودية – الايرانية، قال جنبلاط: “ما سمعناه هو ان السعوديين كانوا حازمين ومصرين على المحكمة الدولية، وقالوا لايران انه اذا رفضت سوريا المحكمة الدولية فان ذلك سيؤدي الى نزاعات طائفية في لبنان والمنطقة”. وأضاف: “هناك حديث عن قبول ايران للمحكمة، والسؤال هو: هل هم صادقون؟ وهل يستطيعون ارغام بشار الاسد على قبول المحكمة”؟.
وقال أيضاً ان ادارة الرئيس بوش وقفت الى جانب الحكومة اللبنانية و قوى 14 آذار في مطالبها في شأن المحكمة الدولية والدعم الاقتصادي المتمثل بمؤتمر باريس3.
وانتقد موقف الرئيس نبيه بري ورفضه عقد جلسة لمجلس النواب لابرام اتفاق المحكمة الدولية، قائلاً ان اعطاء “حزب الله” وحلفائه “الثلث المعطل” يعني تخلي الحكومة الشرعية عن صلاحياتها لمصلحة “حزب الله”. وخلص الى ان أي اتهام توجهه المحكمة الدولية حتى الى مسؤول سوري متدني الرتبة، “سوف يؤدي الى زعزعة البنية السورية الحاكمة”.
http://www.annaharonline.com/HTD/OULA070227-6.HTM