يذهب محمد سالم شجاب إلى القول ((أن الوضع الذي آل إليه الأخدام من الاحتقار والعزلة كان بسبب سلوكهم المخالف للأخلاق والقيم والتعاليم الإسلامية))، مؤكدا ((أن نبذهم وعزلهم وامتهانهم كان قد فرض عليهم في البداية على يد الدولة المهدية إلاّ أنهم قد رضوا لأنفسهم بذلك الوضع واستمراريته ووفروا أسبابه)). ويبدو له ((أن هذا الاحتقار الشديد وذلك العزل الاجتماعي لفئة الأخدام ليس سببه لون بشرتهم السوداء كما يتصور البعض)).
وشجاب إذ يقوم ببحث متميز ومهم، عن فئة (الأخدام) المهمشة في اليمن، في كتابه ((علي بن مهدي ومأساة الأخدام في المجتمع اليمني) الصادر حديثا عن مركز عبادي للدراسات والنشر بصنعاء، فإن ما أوردناه من الكتاب في الفقرة السابقة يثير الكثير من التساؤل حول محور رئيس، وهو هل الأخدم مسئولون عن وضعهم الهامشي الحالي في المجتمع أم أن اليمنيين، في معظمهم، وراء هذا الواقع بنظرتهم العنصرية إلى الأخدام، إذا وجدت؟
وإذا كان شهاب في كتابه المهم لا يُحمِّل الأخدام كل المسئولية عن وضعهم، إلاّ أنه في الأخير لا يتراجع عن قول ما أوردناه هنا، وهو ما لا نتفق معه، ونعتقد أن اليمنيين، أكثرهم، مسئولون عن هذا الوضع الذي يعيشه الأخدام بسبب النظرة العنصرية إليهم، والتي جعلت الأخدم لا يأبهون بأي قيم دينية أو إخلاقية لا تضع المساواة في محل الممارسة الفعلية، لا القول بها، فقط.
فعلى رغم أن اليمنيين جميعهم يعتقدون بالدين الإسلامي الذي يقف، في أدبياته، ضد التمييز العنصري بسبب اللون إلاّ أن الواقع يختلف تماما عن النصوص الإسلامية الرئيسة. فإذا ما قام باحث بعمل استطلاع للآراء، حول النظرة إلى الأخدام، في أي قرية أو مدينة يمنية، لوجد أن غالبية اليمنيين يمقتون الأخدام، ويعتبرونهم ناقصين، فلا يقبلون بالتعايش معهم، أو بالزواج منهم أو تزويجهم ببناتهم مثلا، ولو كانوا أكفاء خُلقا ومالا.
بل أن هناك الكثير من الزيجات قد أنفضت بعد اكتشاف أهل الزوجة أن المتزوج أصله خادم أو حلاق (مُزيِّن)، رغم أنه صار يعيش بمسكن لائق وبظروف مالية واجتماعية جيدة.
والسؤال هنا، أليس هذا التصرف تجاه الأخدام يأتي من نظرة عنصرية تاريخية وعميقة تجاههم؟ ألم يعاني بلال وعمار بن ياسر، وغيرهما، من هذه النظرة في زمن علو صوت الإسلام الأول؟
ثم ، أليس مناداة كل أسود بـ((يا حبشي)) ، وبـ((يا صومالي)) من قبل معظم اليمنيين لا تعني الجنسية، وإنما تعني الاحتقار لكل من لونه أسود؟
هي دعوة لإعادة الاعتبار لهذه الفئة. وأعتقد أن محمد سالم شجاب، العالم والمعلم القدير، في بحثه عن أصول الأخدام والمأساة التاريخية التي لحقت بهم، إضافة إلى نقده للسلوكيات التمييزية ضدهم قد قدم عملا مهما في سبيل إعادة الاعتبار للأخدام، بل يمثل كتاب شجاب هو
الأول من نوعه الذي يناقش هذه القضية من كل جوانبها.