بيزنطة الوثنية ، القسطنطينية المسيحية ، اسطنبول الإسلامية ، ثلاثة اسماء وانتماءات لعاصمة واحدة لثلاث امبراطوريات، اختلفت فيهم الاديان ولكنها اتفقت على توجه التوسع الإستعمارى ، وكان لمصر نصيب الأسد فى بطشهم ، فيكفى أن تعرف أن التقويم القبطى المعروف بتقويم الشهداء قد اتخذ من سنة اعتلاء الإمبراطور دقلديانوس عرش الإمبراطورية الرومانية نقطة البدء فيه ، وأن عدد من قتل من الأقباط أو عذب على يد اباطرة القسطنطينية المسيحيين المختلفين مذهباً وعقيدة تجاوز من استشهدوا على يد الوثنيين ، أما الدولة العثمانية فحدث ولا حرج ، واسأل التاريخ ماذا فعلوا بكل المصريين تنكيلاً واذلالاً ، وكيف كان هم السلطان سليم الأول تفريغ مصر من عقولها وصناعها المهرة وترحيلهم الى اسطنبول ؟! ، تغيرت الأسماء والفكر واحد ، بل والفعل واحد .
على نحو مقارب اقرأ فكر جماعة الإخوان منذ عام 1927 وحتى اليوم ، نفس الأفكار تطرح تصريحاً وتلميحاً ، وبحسب الظرف السياسى والإجتماعى، ونفس التكتيك المتبع ، يطلق احدهم تصريحاً يكشف فيه النويا ومكنون الفكر ، فإذا لم يلتفت أحد أو يعترض تمر فيعدون لخطوة أوسع وعيونهم تشخص نحو الحكم ، هكذا فعلوا مع الجمعيات الأهلية ثم النقابات المهنية ، المهندسين والأطباء والمحامين وغيرها ، وقالوا قولتهم الشهيرة أنهم يتركون منصب النقيب لغيرهم أما المجلس فلهم ، ثم تبدأ صراعات القوى لتنتهى الى اسوء النتائج أما الدفع بها فى حالة الفشل الى استدعاء الحراسة القضائية على النقابة أو احكام السيطرة عليها ، ثم اتحادات الطلبة وحاولوا مع النقابات العمالية ، أما إذا قامت الدنيا فى اتجاه الرفض والاستنكار يسارعون فى تراجع تكتيكى محسوب بانكار هذه التصريحات بجملتها أو اتهام من يهاجمها بأنهم لم يفهموها أو حرفوها عن مقصدها .
وفى ذات السياق عندما تقدم السيد الرئيس بمقترح تعديل بعض مواد الدستور وبينما القوى الوطنية مستغرقة فى طرح رؤاها فيها تأييداً أو تعديلاً أو حتى التحفظ على بعضها أو رفع سقف التعديل كل بحسب ايديولوجيته أو حتى مصالحه وهو أمر صحى وصحيح فى مناخ يسعى لتأكيد التوجه الديمقراطى وتفعيل المشاركة بغير تخوين أو تكفير ، إذا بالجماعة تدفع باعلان عن نيتها تكوين حزب سياسى يحمل افكارها وتوجهاتها فى خطوة عملية كارثية تحملهم الى كرسى الحكم ، وبالمخالفة لكل ما كانوا يعلنونه كثوابت عندهم أنهم ليسوا طالبو حكم إنما هم اصحاب دعوة ، وعادوا لتكرار لغة الإلتفاف فوصفوا الحزب المزمع سيكون مدنياً ذا مرجعية اسلامية !!، وبنفس المفارقة يعلنون أن حزب الجماعة يعطى الحق للأقباط فى الإنضمام الى الحزب لأنه لن يكون قائماً على اساس الدين أو العرق أو الأصل ، وقبل أن نسترسل فى قراءة هذه الخطوة وتداعياتها نرى أنها مناورة مكشوفة تحمل قدرا من السذاجة فيمن يقف ورائها أو افتراض ذات القدر فى المجتمع المصرى والقبطى تحديداً ، ثم هى تريد أن تشد الإنتباه بعيداً عن تفاعل القوى السياسية بالتعديلات للخروج بها فى صورة تدفع باتجاه تأكيد الدولة المدنية وفكر المواطنة وتفعيل المشاركة الشعبية ، أو ربما تسعى لتسجيل موقف بانها سعت للعمل فى النور ولكنها رفضت فتبقى فى الذهنية العامة للبسطاء فى صورة الشهيد المؤمن الذى ذبح بسبب ايمانه .
والمتابع لتصريحات كل من جلس على كرسى المرشد العام على التوالى يجد استمساكاً واضحاً بمعاملة الأقباط معاملة “أهل ذمة ” بتنويعات مختلفة بحسب المرحلة والظرف ، ولا نود الدخول فى تأويلات فقهية تضيق أو توسع هذا المفهوم ، فنحن لسنا بصدد مقارنة اديان أو مقاربتها ، بل نحن نتحدث عن دولة بالمعنى السياسى فى القرن الحادى والعشرين ، ولا نقبل أن نتحدث فيما هو سياسى بما هو دينى ، ونتمسك ومعنا كل المستنيرين المصريين بأننا ـ الأقباط ـ مواطنون كاملى المواطنة ، ومواطنتهم ليست منحة من أحد انما هى نابعة من كونهم اقدم من ينتمى لهذا الوطن وكانوا ـ ومازالوا ـ فى مقدمة المدافعين عن هذا الكيان المتوحد معهم وبهم ، الوطن ، مع اخوتهم فى العراقة والإنتساب والحب له ، المسلمون .
وأذكر اننى كتبت على صفحات روز اليوسف الثلاثاء 20 / 9 / 2005 ، فى اجواء مشابهة [.. يبدو أن الطبع يغلب التطبع بحسب المأثور الشعبى العبقرى ، فها نحن نتلقى ـ فى غير اندهاش ـ التصريحات المنسوبة للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بأن المساس بالمادة الثانية من الدستور هو تجاوز لخطوط حمراء لا يجب الإقتراب منها ، بل ينتقل مسرعاً ليضيف ” لن يكون لنا رأى سوى اللجوء للشعب لحماية معتقداته ودينه ” ولم استطع أن أفهم كيف يكون الحوار حول تعديل مادة دستورية مهدداً لمعتقد شعب ودينه ، ليصبح السؤال الذى نطالبه بالإجابة عليه هل حماية المعتقد والدين قائمة على نص فى الدستور ؟ لكنها الإثارة والتلاعب بالعاطفة الدينية عند بسطاء المصريين ، وان كنت التمس له العذر بعد ان كشفت الإنتخابات الرئاسية القريبة الحجم الحقيقى لجماعته ، التى ملأت الدنيا ضجيجاً بغير طحن ، ويبدو أنه كان أقل حدة من رموز جماعة الجهاد الذين صرحوا فى ذات السياق (بأن الإقتراب من هذا الموضوع سيفجر حرباً أهلية داخل مصر) مجرد الإقتراب(!!) واضاف أخر ” أن هذه المطالب لن تكون إلا على جثث الجميع ويستطرد قائلاً : ومعنى ذلك أن اصحاب هذا الرأى يطالبون بحمامات دم فى مصر ” ياساتر مجرد لفحة ديمقراطية من باب موارب تثير كل هذا الهياج والتلويح بالعنف والدم !! لكن رب ضارة نافعة فهذه فرصة متاحة لكل من يؤيد قيام حزب دينى ليراجع قناعاته ويتصور ماذا لو قام مثل هذا الحزب ووصل من خلال آليات الديمقراطية لسدة الحكم ماذا ينتظر الوطن على ايديهم ؟ طبعاً هم يؤمنون بديمقراطية المرة الواحدة .]
الا ترى معى عزيزى القارئ أننا ازاء ” فيلم بايت ” وان الخطر قائم وحقيقى ، هل نحن بقادرين على تكرار تجربة ايران أو حماس أو جبهة الإنقاذ بالسودان ، أو المحاكم الإسلامية بالصومال ، علينا أن نعاود الإلتفاف حول مقترح التعديلات كخطوة مؤثرة فى طريق طويل ، نقرأه ونناقشه ونختلف حوله لكننا لن ندعه وشأنه من أجل مصر لكل المصريين وباتجاه استعادة مكانتها التى لها بحسب تاريخها وامكانات شعبها.
kamal_zakher@hotmail.com
الإخوان هم الإخوان !!
شكرا ومن يفهم ؟