لن يساوم اللبنانيون على على طبيعة نظامهم وأعرافه التوافقية والمدنية
وطنية- في ما يلي نص كلمة الرئيس السنيورة: “تأتي الذكرى الثانية لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، والعنف المجرم يضرب مجددا مواطنينا المدنيين الأبرياء في محاولة لتخريب لبنان وإرهاب اللبنانيين. تأتي الذكرى الثانية، وتزداد جراح اللبنانيين التي لم تلتئم جرحا آخر. تأتي الذكرى والبلد في أزمة أحد أسبابها المهمة للأسف، العقبات التي أقيمت وما زالت في وجه وصول التحقيق الدولي لكشف المجرمين بما في ذلك الحواجز التي توضع في وجه إنشاء محكمة ذات طابع دولي، والعقبات التي أقيمت وما زالت في وجه بزوغ فجر جديد للأمل والتقدم نحو المستقبل، المستقبل الذي عمل له الرئيس الشهيد طوال أكثر من عقدين من الزمان.
قبل سنتين ونصف، وعلى أثر اعتذار الرئيس الحريري عن تشكيل الحكومة، قال في إحدى المناسبات: “دعونا نتجاوز الصغائر لكي يبقى لبنان، مش مهم مين بيبقى ومين بيروح، المهم يبقى البلد”. بيد أن مرتكبي الكبائر، ممن لا يهمهم حلم رفيق الحريري، وحلم اللبنانيين، اغتالوا الرئيس الحريري ورفاقه، وتابعوا المسلسل الإجرامي والتخريبيَّ والذي كانت آخر حلقاته قتل النائب والوزير الشاب بيار الجميل، والجريمة المرتكبة اليوم في منطقة المتن والتي سقط بنتيجتها عدد من الشهداء والجرحى الأبرياء”.
أضاف: “لن نرتعب ولن نخاف، وسنلاحق المجرمين والإرهابيين، ونتصدى لهم بالشجاعة والتحدي والإقدام. إن حق أسر الشهداء، وحق اللبنانيين، إحقاق العدالة، وكشف المجرمين والمرتكبين. ولذلك، لن نتخلى عن التزامنا إحقاق الحق، فالحق يحررنا ويحفظ بلادنا. ولن نتراجع في سعينا إلى العدالة، والإصرار على كشف القتلة ومحاكمتهم وردع المجرمين. وسنظل مصرين على ذلك بقدر إصرارنا على وحدة وطننا وبقائه وحريته وازدهاره لتكون لنا حياة وتكون حياة أفضل.
عزائي إلى أهالي وأسر الشهداء والجرحى الذين سقطوا اليوم. إن حقَّهم لن يضيع مهما كلف الأمر”.
وتابع: “في الذكرى الثانية لاستشهاد الرئيس الحريري نتذكر كلمته في اجتياح العام 1996: “إن الشعب اللبناني أقوى من كل المحن، وهو قادر على التأقلم والصمود، ولن يقوى أحد على كسر إرادته أو إلحاق الهزيمة به”. نعم أيها الشهيد، لقد صمد الشعب اللبناني، مرة أخرى، في حرب تموز، وما أمكن لاسرائيل أن تكسر إرادته، ولا أن تؤثر في وحدته، وكما كنت تقول: “هم يخربون ونحن نعمر، هم الهمجية ونحن الحضارة”، أقبلنا على إعادة الإعمار، بهمة لبنانية ودعم عربي ومؤازرة دولية. وحققنا هدفا آخر من أهدافك بإدخال الجيش إلى الجنوب بعدما غاب عنه منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي.
وقد كان يقال لك في كل مرة تفكر فيها بشيء من ذلك تارةأن الجيش ضعيف، وطورا أنه غير وطني أو أن الظرف غير مناسب. هناك إجماع لبناني الآن على وجود الجيش في الجنوب اليوم وغدا، وهو قادر وسيزداد قدرة، وقبل أيام من ذكراك الغالية تصدى جنودنا لجيش العدو الذي حاول تخطي الحدود، وسطروا في تصديهم درسا في الوطنية والمسؤولية والشجاعة.
وإذا كان اللبنانيون يذكرون لك تصديك للاجتياحات الإسرائيلية في التسعينات، وفرحك بالتحرير عام 2000، فإنهم يذكرون ولا شك، وعلى مدار الساعة عملك وجهدك للاعمار
والنهوض الاقتصادي. لقد أنجزت مؤتمري باريس-1 وباريس-2، ولولا عملك ومراكمتك وعلاقاتك التي استثمرتها للبنان واللبنانيين، لما تحقق إنجاز باريس-3، إنجاز المؤتمر الذي بادرت يا أخي إلى تسميته مؤتمر رفيق الحريري، لأنك كنت طوال مراحل الإعداد ويوم المؤتمر على كل شفة ولسان. لقد أتى العالم كله إلى مؤتمرك بباريس، بفضل الثقة التي بعثتها في أوساط العرب والعالم بلبنان الإنسان، ولبنان الدولة، ولبنان الوطن، ولبنان المستقبل. لقد كنت تقول إن اللبناني يصبر في المحن ويتجاوزها، وهو قادر على صنع الحضارة والتقدم. وقد صار هذا الأمر واقعا رغم كل الصعاب والعقبات. وقد تعلمنا الدرس مما حصل في مؤتمر باريس-2، ولذلك فإن اللبنانيين مصممون- ومصلحتهم تكمن في أن يكونوا مصممين – على صون نتائج مؤتمرك الأخير بالجهد والإرادة والعقل والمسؤولية التي كنت وما زلت المثال الأرفع لتحملها وأداء حقوقها وواجباتها.
وتابع: “في الذكرى الثانية لاستشهادك، أذكر قولك بعد مؤتمر الطائف: “إن المطلوب إنهاء الصراع على لبنان عبر ثلاث خطوات: الإجماع على هوية لبنان وانتمائه العربي، وهذه خطوة تمت في الطائف، وثبتت في الدستور، والخطوة الثانية: إعادة لبنان إلى الخريطة السياسية العربية والدولية، والخطوة الثالثة: الإعمار والنهوض الاقتصادي، وبناء النظام السياسي المتطور، بما يحول دون الانقسام، ودون الاستتباع أو سياسات المحاور”.
لقد قطعنا أشواطا واسعة في سبيل تحقيق هذه الأهداف بفضل حضورك وعملك. وقطعنا شوطا واسعا بعد استشهادك بشهادة الدم التي قدمتها وقدمها رفاقك ومحبوك وسائر العاملين في لبنان من أجل الحرية. قدموها معك من أجل حسم الصراع على لبنان لصالح مجتمع لبنان العربي ودولته ونظامه الديموقراطي.
لقد عاد لبنان إلى وعي العرب والعالم والى مسؤولية أبنائه عن سياسته الخارجية، وعن قراره الحر، ودوره البارز. وها هم رفاقك وأصدقاؤك في المملكة العربية السعودية، وفي مصر، وسائر ديار العرب، يقفون معنا، ويضعون الأمل فينا، ويريدون لنا الوحدة الداخلية، والحرية والعودة للاسهام الثقافي والحضاري الذي عرفوه للبنان بالأمس واليوم وغدا إن شاء الله.
لن نخضع لإرغامات الانقسام وضغوطه، كما لم نخضع لسياسات وممارسات المحاور. وكما لم تقبل أن يكون لبنان ساحة صراع، لن يقبل اللبنانيون العودة لذلك مهما كان الثمن. لسنا منطقة نفوذ لأحد، ولا نقبل بأن نكون. نحن وطن عربي حر وقادر وسيبقى كذلك. رائدنا الحوار الذي كنت أكبر ممارسيه والمؤمنين به. ورائدنا الإرادة العامة والحرة للبنانيين بالبقاء ضمن مبادىء العيش المشترك، وضمن مبادىء دستور الطائف ومؤسساته. وسنظل نسعى ونعمل بالمثابرة والحكمة والحزم لتجاوز الأزمة دونما إفراط أو تفريط بحق الشعب اللبناني، وبحق دولته وسيادته ومصالحه.
لن نسعى للغلبة، كما لن نستسلم لها، ولن نخضع لغرائز الفتنة والانقسام. وكما لم يضعف اللبنانيون أمام العدو، فإنهم لن يساوموا على حرية قرارهم، ولا على تضامن مجتمعهم ووحدته، ولا على أمنهم وأمانهم ودمائهم وأخلاقهم، ولا على طبيعة نظامهم وأعرافه التوافقية والمدنية.
لدينا من ميراثك وميراث الاستقلاليين اللبنانيين العرب الأحرار أربع ذخائر كبرى وباقية: وحدة اللبنانيين وعيشهم المشترك، وتعزيز حرية اللبنانيين ونظامهم الديموقراطي، وإقدار دولتهم على بسط سلطتها وحدها على كامل أراضيها وأجوائها، بما في ذلك مزارع شبعا المحتلة وأمل اللبنانيين وعملهم من أجل المستقبل الواعد والزاهر.
وأشار إلى “أن الذكرى الثانية لشهيد لبنان الرئيس رفيق الحريري، ذكرى لكل الشهداء منذ الاستقلال. إنها ذكرى الاستقلال المستعاد والمتجدد الذي صنعه استشهاده. وهي ذكرى تبعث فينا الثقة بأننا سنخرج من أزمتنا الحاضرة أشد عزيمة وإصرارا على إنقاذ لبنان، وحماية حياة أبناء لبنان وحرياتهم، وصون المكتسبات التي حققوها.
أما أنت أيها الشهيد، أيها الرجل الكبير، فستبقى سيرتك، ويبقى نضالك، ويبقى إنجازك المثل والأمل. تقدمت لإنهاء الصراع على لبنان، وكذلك حاول رفاقك الشهداء، والآلاف المؤلفة من اللبنانيين.
وآخرهم شهداء اليوم الأبرياء، الذين نقول لأهاليهم ولسائر اللبنانيين إننا لن ننساهم، ولن ننسى آلامهم، ولن ننسى تضحياتهم الكبيرة.
سيحسم اللبنانيون هذا الصراع لصالح لبنان العربي، السيد الحر المستقل، لبنان الوطن والدولة، لبنان الأمن والأمان، ولبنان الإنسان والعمران. يزول القتلة والإرهابيون مهما تمادوا في إجرامهم ومهما حاكوا من مؤامرات لبث الفرقةِّ بين اللبنانيين، ويبقى لبنان.
إنها لحظة للذكرى، ولحظة للتهيب والتدبر والتقدير، ووقفة للمراجعة والمصالحة والمسؤولية، هذا هو منطق حياة رفيق الحريري، وهذه هي أمثولته للبنانيين.
بارك الله رفيق الحريري الشاهد والشهيد، ورحم شهداء لبنان”.