مازالت قضية منع الفنان الساخر أحمد السنوسي تتصدر الواجهة السياسية والإعلامية ببلادنا وتتناقلها بين الفينة والأخرى بعض المنابر الإعلامية الدولية.
لقد تجاوز هذا الحصار المضروب على سخرية “بزيز” من طرف بعض الدوائر الرسيمة عقدا من الزمن، هذه الدوائر التي لا زالت، مع الأسف الشديد، تحن إلى مقولة “التلفزة لنا.. لا لغيرنا”. هذا في الوقت الذي تفتح فيه أبواب القنوات الإعلامية الوطنية على مصراعيها أمام فنانين وأشبـاه فنانين ومبدعين وما شابههم قادمين من الغرب والمشرق العربي على وجه التحديد.
لعل الظرف السياسي الراهن في حاجة إلى سخرية “بزيز” وغيره. فمشهدنا السياسي يشهد العديد من المشاهد والأحداث التي تتسم بتناقضات ومفارقات تثير السخرية..
مشاهد كاريكاتورية، فيها ما يبكي وفيها ما يضحك..
فالمتأمل لواقعنا السياسي يقف أمــام: أحزاب بدون ضوابط سياسية وإيديولوجية.. قادة سياسيون يطالبون بعودة وزارة العدل إلى حقل السيادة بسبب بسيط كون أصدقاء لهم تورطوا في “الفساد الانتخابي”.. حكومة حصيلتها لا تتجاوز الصفر، وبعض مسؤوليها لا يتقنون إلا فن الظهور في التلفزيـون.. أحزاب تنعت نفسها بالديمقراطية تضع قوانين انتخابية على مقاسها، ترفع شعار توسيع دائـرة “المشاركة السياسية” من خلال إقصاء “الأحزاب الصغيرة”.. صحافيون تطاردهم لعنـة السلطة أينما حلوا وارتحلوا، منهم من حرم من الكتابة لمدة عشر سنوات لكونه تجرأ على الخوض في بعض “المحرمات السياسية”، ومنهم من نجده اليوم مهددا في لقمة عيشه لكونه تناول قضايا تدخل فـي إطار “الثالوث المحرم”.. رجل كان بالأمس القريب مهندس “السياسة الأمنية” للمملكة، زمن “العهد الجديد” واليـوم تكال ضده كل التهم المرتبطة بالتعذيب والإختفاء وما شابه ذلك.. ..!!
أكيد أن مثل هذه المشاهد تمنح شرعية لوجود سخرية هادفة تصورها في لوحات إبداعية هادفة يتجاوب معها قطـاع واسع داخل الرأي العام.
لقد طال هذا الملف، ونود أن نعرف حقيقة الجهات التي تقف حجر عثرة أمام ولوج الفنان “بزيز” إلى الإعلام العمومي.
وقد سبق لفنانين كالمسرحي الطيب الصديقي، والموسيقار عبد الوهاب الدكالي وغيرهم أن مروا في برامـج مباشرة وقدموا عروضا فنية..!؟
ما نعرفه جيدا هو أن الرفيق والوزير نبيل بنعبد الله له عزيمة قوية وإرادة سياسية لا نشك في صدقيتها. فملف من هذا لا يمكن أن يصعب عليه حله.. اللهم إذا كانت هناك أيادي لها من السلطة والقوة والجبروت التي تمنع هذا الفنان من الاستفادة من حق الظهور في الإعلام السمعي البصري.
لقد تجاوز هذا المنع، الحدود الجغرافية وأصبح حاضرا في كل التقارير والكتابات التي تتحدث عن “مغرب العـهد الجديد”، خاصة بعدما تحول الحصار المفروض على السنوسي إلى قضية جميع الديمقراطيين والمدافعين عن حرية الرأي والتعبير.. ولا نعتقد أن هناك من له مصلحة في ممارسة التشويش أو غير ذلك.
لقد اعتذرت الدولة لضحايا أجهزتها العلنية والسرية عن مختلف الجرائم البشعة التي اقترفتها في الماضي الأليم ضمن “مصالحة مؤسساتية” تتوخى القطع مع مثل هذه الممارسات وتدشين مرحلة جديدة.
فـالجرائم لا تنحصر في الإختفاء القسري والإعتقال التعسفي..، بل الحصار الذي داق مرارته “فنـان الشعب” لسنوات هو وجه آخر من أوجه هذه الجرائم التي تستدعي تقديم الإعتذار حولها. ومن هذا المنطلق فإن مطالبة السنوسي بالإعتراف بالمنع الذي طاله في الماضي، أمر مشروع لا يحتاج إلا إلى إرادة سياسية صادقة.
musantra@yahoo.fr