لم اعرف على وجه التحديد هدف هجوم حماس الضخم والمفاجئ يوم ٧ أكتوبر والذي احدث زلزالا في إسرائيل لا يزال حتى الان يهز المجتمع الإسرائيلي!
اذا كان المقصود إحداث صدمة، فقد نجح الهجوم. ولكن، اذا كان هدف الهجوم هو تحرير فلسطين من النهر الى البحر (حسب ميثاق حماس) فمن الواضح ان هذا الهدف لم يتحقق.
انا افهم سبب الهجوم (هناك فرق كبير بين سبب الهجوم وهدف الهجوم). فكما قال سكرتير عام الأمم المتحدة الجريء، “حماس لم تاتِ من فراغ“. وهذا الهجوم أيضا لم يأت من فراغ. فهو نتيجة للحالة غير الإنسانية التي يعيش فيها قطاع غزة منذ سنوات عديدة. هناك اكثر من اثنين مليون من البشر يعيشون في ما يشبه السجن الكبير المفتوح، ليس لهم مطار وليس لهم ميناء، معظم احتياجاتهم تاتي من إسرائيل وبعضها يأتي من مصر، وهم محصورون بين مطرقة إسرائيل وسندان مصر، يعاملون اسوأ معاملة سواء للعبور الى إسرائيل او للعبور الى مصر. ليس لديهم أي هوية او جنسية. نصف سكان غزة من اللاجئين الذين تم تهجيرهم سواء قسرا او خوفا من مناطق فلسطينية أخرى اثناء حربي ١٩٤٨ و ١٩٦٧، وفي نفس الوقت يخضعون لسلطة حماس والتي تم انتخابها بناء على معاهدة أوسلو (التي لم تعترف بها حماس اصلا) ولكنها استغلت المعاهدة لكي تشترك في الانتخابات. تلك الانتخابات التي حدثت مرة واحدة من ١٧ سنة ولم تتكرر، ولا نعرف على وجه اليقين ان كان اهل غزة يريدون حماس ام لا كحكام لهم. وما دمنا نتكلم عن الحكام فزعماء حماس خالد مشعل وإسماعيل هنية وغيرهم يعيشون في امان ورفاهية مع اسرهم ما بين قطر وتركيا.
هل كان يتخيل قادة حماس أن ترد إسرائيل على هجوم ٧ أكتوبر بهذه القسوة والعنف؟
وينطبق عليهم في هذه الحالة قول الشاعر:
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة
و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم
هل كان قادة حماس يريدون مجرد اخذ رهائن لاستبدالهم مع المساجين في سجون إسرائيل؟ ام ان الموضوع كان مجرد “فشة خلق” كما يقول الاخوة في بلاد الشام؟ وهل يستطيع زعماء وقادة حماس سواء في الداخل او الخارج تحمل ذنب آلاف الضحايا، وذنب تدمير غزة؟
الآن ماذا تريد حماس بالضبط بعد مرور خمسة أسابيع على بداية تلك الحرب البشعة؟
هل تريد مجرد تبادل الرهائن، وتعود ربما لعادتها القديمة؟ هذا لن يقبل به سكان غزة ولا العرب ولا إسرائيل!
هل تريد الاستمرار في تلك الحرب غير المتكافئة لايمانها الجذري بأن فئة صغيرة تستطيع هزيمة فئة كبيرة؟
هل يريدون الاستمرار في تلك العملية الانتحارية الكبرى والتي راح ضحيتها من أهلهم عشر مرات ما راح من عدوهم؟
هل يمكن ان يقوموا بتسليم الرهائن مقابل انهاء الحرب ووقف إبادة اهل غزة؟
الحقيقة انا لا اعرف كيفية الخروج من مأزق حماس!
…
اما نتنياهو فهو في مأزق اسوأ:
بسبب جنون عظمته، وضخامة عدد الضحايا الإسرائيليين، ونجاح عملية “طوفان الأقصى” في اختراق الحدود الاسرائيلية المنيعة، فقد افقدته عملية ٧ أكتوبر صوابه تماما واخذ يلوم جهاز مخابراته ويلوم أي جهاز اخر غيره. وعندما افقدته هذه العملية صوابه اخذ يهذي. ليس فقط بتوعد حماس بالقضاء عليها تماما، ولكنه استشهد في احدى خطبه بسفر من العهد القديم (الكتاب المقدس عند اليهود) يسمح له بقتل عدوه وأهله والنساء والأطفال والشيوخ وحتى الحمير والجمال. ويبدو انه بصفته يهوديا مؤمنا يقوم بهذا الان بالفعل.
ولكن ما هو هدف عملية نيتنياهو الآن؟
هو يريد القضاء على حماس وفي نفس الوقت يريد الافراج عن الرهائن. كيف يمكن ان يقضي على حماس بدون القضاء على الرهائن؟ هذا مازق كبير.
لقد اعلن انه يريد ان يكون مسؤولا عن حكم غزة، ثم تراجع عندما وجد ان واشنطن لا توافق على ذلك.
هل يعتقد نيتنياهو انه اذا استطاع القضاء على حماس فلن تظهر منظمة اشد شراسة من رحم المذبحة والابادة الجماعيه التي يقوم بها حاليا؟ تخيل طفلا او مراهقا او شابات ليس عضوا في حماس ورأى بيته يتهدم فوق راسه ويرى معظم افراد اسرته اما يموتون امام عينيه او يهجرون قسرا من بيوتهم حتى يتم هدم تلك البيوت. فمن السهل، بل ومن المحتم، ان يتحول هذا الشخص الى متطرف محترف. بذلك تكون إسرائيل قد تسببت في تهيئة المناخ المثالي لتطرف انتحاري لم ترَ إسرائيل مثله من قبل.
والى أي مدى يريد نتنياهو ان يستمر في القتل والابادة؟هل تكفيه عشرون الف ضحية ام ا ن هدفه مائة الف ضحية؟
وماذا عن اهل الرهائن الذين يطلبون منه التوقف عن قصف غزة لانه ربما يقضي أثناء قصف حماس على أولادهم واهلهم في الاسر؟
…
هذا هو المأزق الحالي في حرب الإبادة هذه، وماذا عن مازق ما بعد الحرب:
بافتراض أن نيتنياهو فشل في القضاء على حماس وان حماس سوف تكون لها قائمة بعد نهاية تلك الحرب:
هل سوف تستمر حماس في المطالبة بفلسطين من النهر الى البحر؟
هل سوف تغير ميثاقها لكي تعترف بوجود إسرائيل بناء على معاهدة أوسلو؟
هل يمكن ان تغير حماس اسمها من (حركة المقاومة الإسلامية) الى (حركة البناء والتعمير الفلسطينية)؟
هل يمكن ان تعمل حماس تحت قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله؟
اما بالنسبة الى نيتنياهو (بافتراض انه لن يخسر منصبه في نهاية تلك الحرب):
هل يمكن ان يتوقف عن بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس، والمستوطنات كما يعلم الجميع تم بناؤها لكي تكون حجر عثرة وعقبة في طريق السلام وفي طريق انشاء الدولة الفلسطينية؟ والا، لماذا لم يتم بناء تلك المستوطنات في صحراء النقب مثلا وهي ارض شاسعة اكبر من الضفة بكثير بدلا من البناء على أراضي مغتصبة من فلسطين؟
هل سوف يعترف نيتنياهو بحق الفلسطينيين بانشاء دولة مستقلة هي دولة فلسطين لها موانئ ولها مطارات ويعامل مواطنيها مثل كل المواطنين في العالم؟
هل يتوقف نيتنياهو وحزبه، بل ومواطنو إسرائيل، عن النظر إلى الفلسطينيين على انهم مواطنين من الدرجة الثانية او الدرجة الثالثة؟
هل يكون ما حدث من زلزال ٧ أكتوبر وما تلاه من إبادة جماعية وتهجير وتدمير وحصار مقدمة لسلام حقيقي متكافئ؟
هل ينشط الشرفاء في العالم ويقفون مع الشعب الفلسطيني الذي عاني الكثير على مدى اكثر من ٧٥ عاما؟
هل تنتج المظاهرات التي عمت انحاء العالم في الأسابيع الماضية في تغيير نمط السياسة الامريكية والاوربية باعتبار إسرائيل الطفل المدلل للعالم؟