أنجيلي رافال وديفيد شيبارد ونيل هوم وسيميون كير ورولا خلف
بينما تتردد اصداء تداعيات انهيار محادثات النفط في الدوحة، برز محمد بن سلمان، ولي ولي عهد السعودية باعتباره الصوت الجديد في سياسة الطاقة في المملكة.
لم يكن ولي ولي العهد البالغ من العمر 30 عاماً موجوداً حتى في العاصمة القطرية، عندما اجتمع العديد من كبار منتجي النفط في العالم على امل التوصل الى اول اتفاق بشأن الانتاج العالمي منذ 15 عاما في محاولة لوقف الانخفاض الحاد في اسعار النفط المستمر منذ فترة طويلة.
ومع ذلك ترددت رسالته عبر القاعات الرخامية في فندق شيراتون: لن يكون هناك تجميد للانتاج من دون ايران.
حوالي الساعة الثالثة من صباح يوم الاحد، اي قبل ساعات قليلة على بدء المحادثات، دعا الامير محمد الوفد السعودي، وفقاً لاشخاص مطلعين على الامر، وطلب العودة الى السعودية.
«السياسة النفطية للمملكة العربية السعودية هي الآن، وبشكل حازم، في يد الامير محمد، بحسب شون ايفرز الشريك الاداري لمؤسسة انتيليجنس في الدوحة.
الامير يرأس وزارة الدفاع والمجلس الاقتصادي، ومن خلالهما يتولى قيادة كل من الحرب في اليمن المجاور ووضع خطط للتحول بالسعودية الى اقتصاد ما بعد النفط.
تحت قيادته، تبدو السياسة النفطية السعودية مدفوعة بصورة اقل بأسعار النفط الخام من السياسة العالمية، لا سيما فيما يتعلق بتنافس الرياض مع طهران في مرحلة ما بعد رفع العقوبات، ويقول محللون في صناعة النفط ان النفط اصبح سلاح السعودية في حربها بالوكالة مع ايران.
في وقت متأخر من صباح الاحد، قال مندوبون من 18 دولة، يمثلون نحو نصف انتاج النفط العالمي، انهم ظنوا ان السعوديين كانوا على استعداد لإبرام اتفاق.
وقيل ان التكنوقراط السعوديين شاركوا في صياغة المسودة الاولى من الاتفاقية، التي تم تداولها بين الحاضرين في الاجتماع.
وكان مندوبون كبار في اوبك اطلعوا الصحافيين على أن مشاريع الرياض لا تتوقف على القرارات التي تتخذ في طهران، ورفضت ايران باستمرار الحد من الانتاج، وهي التي تعمل على اعادة بناء صناعتها النفطية بعد سنوات من العقوبات الغربية.
وبحسب أحد المندوبين «كان الجميع تقريباً عنده انطباع بأنه في غضون ساعة واحدة سوف يتم التوقيع على اتفاق».
حتى حلفاء السعودية المقربين، مثل الكويت، قالوا صباح يوم الاحد انهم «متفائلون» بشأن التوصل الى اتفاق.
لكن سرعان ما انتشر كلام مفاده ان ليس كل شيء على ما يرام، خاض المعسكر الروسي في مفاوضات مع السعوديين والقطريين والفنزويليين، المجموعة الاساسية التي كانت اول الداعمين لتجميد الانتاج في فبراير، وكان الوفد السعودي يدفع لادخال اضافات جديدة الى مشروع الاتفاق.
بحلول ظهر ذلك اليوم، خاطر الاجتماع بالانزلاق الى الهاوية، حيث عانى المندوبون في العثور على اللغة التي يمكن ان تؤمن التوصل الى اتفاق، ومن دون وجود ممثلين عن ايران في الاجتماع كانت المهمة عقيمة.
«بعض الاعضاء غادروا حتى قبل نهاية الاجتماع»، بحسب احد المندوبين، الذي اضاف «رأوا ان المناقشات تدور في حلقة مفرغة».
اجتماع فاشل
عندما انفض الاجتماع اخيراً بعد الساعة الثامنة من مساء الاحد، كان وضع الاتفاق في حالة يرثى لها.
يقول مندوب احدى الدول غير الخليجية «فهمي لما جرى هو ان الامر سياسي بحت، كيف يمكن التحول من الاتفاق على كل شيء يوم السبت الى قلب الامور رأسا على عقب يوم الاحد؟».
في الفترة التي سبقت الاجتماع، قدم النعيمي اشارة بسيطة الى انه واجه معارضة في الرياض لاتفاق قد يتيح تقديم تنازلات لإيران.
وفي ظهور علني في فبراير، قال النعيمي انه «في حين ان خفض الانتاج ليس مطروحاً فإن التوصل الى اتفاق لتجميد الانتاج يمكن ان يكون بداية».
كلماته فهمت من قبل الكثيرين على أنها مؤشر بأن السعودية تستعد لاستعادة السيطرة على سوق النفط للمرة الأولى منذ أواخر عام 2014، عندما حذر النعيمي آنذاك أن السعودية لا يهمها إذا انخفض سعر النفط الى 20 دولارا للبرميل بعد رفض روسيا الانضمام الى خفض الانتاج.
ويعتقد الكثيرون ان موقف السعودية قد لان بعض الشيء بعد عامين تقريبا من هبوط الاسعار التي تسببت باستنفاد ما يزيد على 100 مليار دولار من الاحتياطيات النقدية للرياض. ومما زاد من قلق السعوديين، إن الصناعة استوعبت وتكيفت مع «أسعار أقل لفترة أطول» وتم خفض الاستثمارات بمعدل خشي معه البعض ان يتسبب في نهاية المطاف في نقص الإمدادات.
وانتقد آخرون فنزويلا وروسيا لعدم استخدامهما لعلاقاتهما مع ايران لجلبها الى طاولة المفاوضات عن طريق اقتراح أكثر مرونة يطلب من طهران الحد من الإنتاج فقط عندما تصل في انتاجها الى مستوى معين.
ذكر مندوب آخر «إن أسوأ شيء هو أن اللاعبين الآن من خارج أوبك لن يعودوا مرة أخرى».
وكانت هناك دلائل أخرى على أن وزارة النفط السعودية تستعد للتوصل الى اتفاق بين يناير ومارس حافظت البلاد على انتاجها من النفط عند حوالي 10.2 ملايين برميل يوميا، وهو مستوى يتماشى مع تجميد الانتاج المقترح.
وكان هذا بعد أن رفعت البلاد انتاجها الى مستوى قياسي عند 10.6 ملايين برميلا يوميا بين نوفمبر 2014 ويونيو 2015. ولم يشر النعيمي آنذاك الى أي مستوى يمكن أن يصل إليه انتاج البلاد. الزيادة تمت بهدوء في محاولة لتأمين حصتها في السوق.
وقال الأمير محمد الاسبوع الماضي إن انتاج البلاد قد يرتفع على الفور الى 11.5 مليون برميل يوميا، اذا كان هناك طلب.
الآن يخشى الكثيرون في صناعة النفط من أن السعودية قد تأخذ سياسة الحفاظ على حصتها السوقية الى المستوى التالي، في الوقت الذي بدأ فيه العرض والطلب أخيرا يتجه نحو التوازن.
رؤى أخرى
توج علي النعيمي ملك للنفط على مدى أكثر من عقدين من الزمن، ارتفعت أسواق وهوت على وقع كلام وزير النفط السعودي، كان التكنوقراط البالغ من العمر 81 عاماً، يختار دائماً كلماته وتوقيتها بعناية بالغة، يتم تحليل تصريحاته وفحصها بدقة والتعليق عليها على نطاق واسع، تماماً كما يحدث مع تسريبات، تخرج أحياناً وتعكس تفكيره.
في اطار التغييرات الجذرية التي تجري في السعودية منذ ان تولى الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم العام الماضي، ينبغي ان يؤخذ كلام مسؤول آخر بجدية بالغة: الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي عهد السعودية.
بالنسبة لأولئك الذين ربما لم يلاحظوا، لا يتوانى الأمير محمد بن سلمان الذي يتمتع بقوة ونفوذ بالغين، عن الحديث علانية، وفي التقاليد السعودية، فان الكلام الصادر عن أمير يعد أكثر أهمية من أي كلام صادر عن أي تكنوقراط، بغض النظر عن طول الفترة التي أمضاها في منصبه ومهما بلغت الثقة به، الأمير محمد بن سلمان ليس بالأمير النمطي.
لو كانت الأسواق استمعت بعناية الى ما قاله الأمير محمد بن سلمان، لما كان انهيار محادثات الدوحة لتثبيت الإنتاج أمراً مفاجئاً، مسؤولون في وزارة النفط كانوا أشاروا الى ان الاجتماع سوف ينتهي الى اتفاق بتجميد الإنتاج حتى لو لم تنضم إيران الى الاتفاق، وهي التي تسعى لزيادة إنتاجها من النفط بعد رفع العقوبات، الا ان الأمير محمد بن سلمان صرح لبلومبرج الأسبوع الماضي، في مقابلة نشرت السبت، انه لن يكون هناك أي اتفاق لتجميد الإنتاج إلا اذا انضم جميع المنتجين الرئيسيين، بما في ذلك إيران، الى الاتفاق، في طهران، لم تتزعزع الحكومة أبداً عن موقفها بعدم الانضمام الى أي اتفاق لتجميد الانتاج.
ومع تراجع أسعار النفط يوم الاثنين، انتشرت وذاعت التكهنات حول ما حدث في الدوحة، من صياغة مشروع اتفاق في الصباح الى انهيار المحادثات في المساء.
لا شك ان وزير النفط لا يرغب أبداً، مثله مثل الأمير محمد بن سلمان، اعطاء طهران تذكرة مجانية للدخول الى السوق، على الرغم من ان المنتجين الآخرين قد رضخوا الى حد كبير الى الحجة الإيرانية بانها تحتاج الى بعض الوقت لزيادة الانتاج الى مستويات ما قبل العقوبات قبل تنفيذ تجميد الإنتاج.
فماذا تقول لنا الدوحة؟ أولاً، هناك تحول في السياسات في إدارة النفط السعودية، والسماح للسياسة باعتراض طريق السياسات، إيران هي المنافس الرئيسي للملكة العربية السعودية في الخليج، ومواجهة طهران هي أولوية سياسية، وعلى الرغم من الاشاعات القوية من ان تحول السياسة النفطية للسعودية في عام 2014 نحو الدفاع عن حصتها في السوق بدلا من دعم الأسعار، كان بدافع عوامل الجغرافيا السياسية، الا ان تفكير النعيمي في ذلك الوقت استند بقوة الى ديناميكيات السوق التي كانت تحركها قبل كل شيء ثورة النفط الصخري.