تقترب القضية الفلسطينية من نحو ثمانية عقود، ولم تنحصر انما تتوسع، واليهود الذين على ارض فلسطين يستقوون، واصحاب الارض الحقيقيون، إما في داخل الارض يحيون حياة مزرية، وإما في الشتات، وغالبية هؤلاء باتوا مواطنين في بلاد اللجوء، يحملون جنسيتها، ومن لم يحصل على هوية بلاد اللجوء بات يعيش معيشة المواطن بحكم قدم الاقامة. الكويت استقبلت فلسطينيين من النزوح الاول، واستوطنوا البلاد، وعُوملوا معاملة المواطنين الاصائل.
بعض هؤلاء انخرطوا في السلك الحكومي وتقلدوا وظايف حساسة في الديوان الاميري، والجيش، والشرطة، ووزارة الخارجية، والبلدية، والتربية، وسفراء ممثلين للكويت في الدول التي اُرسلوا إليها.
كان عددهم يشكل ضعف عدد المواطنين، ورغم ان بعض هؤلاء جُنِّسوا بالجنسية الكويتية، وأضحوا مواطنين لا يقلون عن الكويتيين في الحقوق
الا ان فلسطين بقيت ذلك الجرح الذي لم يندمل، فكانوا كويتيي الجنسية، فلسطينيي الهوى، وهذا حقهم، ذلك أن نزوحهم الى الكويت لم يكن عن طيب خاطر، إنما أُجبروا، ولم يكن امامهم الا الكويت التي بدأت تزدهر على الارض كدولة نفطية حديثة، وسكانها في الغالب من البسطاء وشبه اميين.
في الحقيقة، وللتاريخ، رغم قبولهم للوجود الفلسطيني مقيمين لا فلسطينيين، الا انهم قويت شوكتهم عندما بدأوا ينظمون انفسهم في تنظيمات سرية، وعسكرية وحزبية، بل نزلوا على الارض على شكل تنظيمات عسكرية وسرية تنازع الامن الكويتي في سلطته. حتى صار ما صار بعد الغزو العراقي الغاشم على الكويت، فانقلب غالبية هؤلاء من الولاء للكويت الى تأييد الغزو، والاساءة الى من أمّنهم من الخوف، واطعمهم من الجوع.
بعد حرب تحرير الكويت، لم يحظ الفلسطينيون المقيمون، وكانوا قلة، من الحقوق التي حظوا بها ما قبل الغزو، بل تغير موقف الكويتيين من القضية الفلسطينية على الصعيد الشعبي 180 درجة. الا الموقف الرسمي ظل صامداً مع القضية، ضد التطبيع مع الكيان، على اساس القضية الفلسطينية خارج سياق الخلافات السياسية، ما حقيقة هذا؟
شعبيا امر طبيعي ان يأخذ المواطنون موقفاً خلاف سياسات الحكومة، الا ان التيارات الدينية والحزبية (الاخوان والسلف، والجمعية الثقافية) ظلوا على مواقفهم، على اعتبار القضية الفلسطينية قضية دينية مبدئية.
الحقيقة، ينبغي وضع الامور في نصابها الصحيح. ففي البداية، ينبغي ان نوضح نقطة ربما قد تبدو بعيدة عن ذهن الكثير، وهي ان الفلسطينيين اتفقوا على العودة، لكن اختلفوا على الوسيلة، بل صاروا صيداً سهلاً في ايدي الانظمة، العربية وغير العربية
كان بعضهم أُجراء لدى البعث العراقي واخرون البعث السوري، وهناك اسلاميون اخوان و سلف، وهناك شيوعيون وليبراليون، وكل منهم يشد القضية الى جانبه، بل كثيراً من اجل ما يسمى القضية كانوا يحملون السلاح الى صدور بعضهم، كما حدث اخيراً في لبنان!
فلسطين ليست قضية كويتية، ولن تكون، انما هي قضية عربية، اذا جاز لنا الوصف، وقضية اسلامية بمعنى مسؤولية العرب اولاً، والمسلمين ثانياً، والعالم المسيحي والقوى الكبرى المسؤولة عن الامن العالمي. لا بد من ايجاد حل نهائي يتيح لسكان فلسطين، مسلمين ويهوداً ومسيحيين، الاستقرار والامن والسلام، وذلك بسياق العيش المشترك
تأتي حرب الطوفان الاخيرة فيما غالبية العرب مدت ايديها الى الاسرائيليين بهدف التطبيع والسلام، ما عدا الكويت، التي ما زالت تتمسك بمبادئ صارمة صارت من مخلفات التاريخ.
الكويت تقدم المساعدات والمنح والتأييد المبدئي، كان آخرها بيان وزارة الخارجية الكويتية التي نددت بالعدوان على اهالي غزة، وطالبت بحمايتهم من العدوان الاسرائيلي، فيما الاحزاب الدينية استغلت الشباب، الذين لم يعايشوا الغزو والعدوان على الكويت، فجرّتهم الى “ساحة الارادة”، ومن خلال الضغط العاطفي، والخطب الحماسية، والدعوة تقديم مساعدات للغزاويين.
كنت اتمنى من هؤلاء الذين دعوا الى نصرة الغزاويين، وتقديم مساعدات عاجلة، ولعبوا في عقول الشباب لو دعوا “حماس” واسماعيل هنية وغيرهما من الزعامات، اقله ان يزيلوا تمثال المجرم صدام حسين المنصوب في وسط الميدان الرئيسي في غزة
من يبحث عن الحق لا يغمض عينه عن الحقيقة، والكويت مجروحة، ولا يزال الجرح يسيل دماً، فهل دم الكويتيين ماء صليبي ودمهم احمر؟
نقلاً عن “السياسة” الكويتية
لا أمان مع الفلسطينيين في الكويت و غير الكويت.