ترى يريفان أن العمل لا يزال جارياً بشأن معاهدة السلام مع باكو بانتظار الموقف النهائي من موسكو بهذا الشأن رغم تدهور العلاقات بين يريفان وموسكو قبل عام، وبعد اشتباكات على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان. وذكرت يريفان أن المناطق الحدودية في مناطق (غيغاركونيك وفايوتس دزور وسيونيك) تعرضت لإطلاق النار (هذه المناطق لا علاقة لها بناغورني كاراباخ). وأصرت باكو على أن الجيش الأرميني هو الذي هاجم مواقع القوات الأذربيجانية على الحدود، متهمة يريفان بقصد تعطيل عملية السلام . اما السلطات الأرمينية فتوجهت إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ووصلت المجموعة التنفيذية لمقر المنظمة إلى يريفان. وذكرت وزارة الدفاع الأرمينية أن الغرض من المهمة هو مراقبة حدود الجمهورية مع أذربيجان.
لقد وصلت المجموعة العملاتية للمقر المشترك للمنظمة إلى يريفان. وأوضحت الخدمة الصحفية لمقر منظمة معاهدة الأمن الجماعي بتاريخ 17ايلول /سبتمبر 2023 أن البعثة يجب أن تضع مقترحات لتهدئة التوترات التي نشأت. ولكن كما اتضح فيما بعد، كان من المتوقع مساعدة بأمر آخر في يريفان.
لقد باتت العلاقات الروسية الارمينية تعيش حالة من التوتر نتيجة غياب موقف روسي واضح بشأن ما يحدث في المناطق الحدودية بين باكو ويريفان , وبالتالي باتت ارمينيا تبحث عن حليف جديد بظل تقاعس روسيا الواضح من هذه القضية .
وارمينيا ترفض أي دور لمنظمة الأمن الجماعي كما أوضح السفير الأرمني إدمون ماروكيان، سبب رفض يريفان اقتراح منظمة معاهدة الأمن الجماعي بإرسال بعثة إلى الحدود الأرمينية الأذربيجانية: “كنا نتوقع تقييمًا سياسيًا وتنفيذ آليات منظمة معاهدة الأمن الجماعي“. هذا لم يحدث والآن هناك مشاكل تحتاج إلى حل“.
وربما باتت التوترات تظهر بعد إعلان يريفان استعدادها للتوقيع على معاهدة روما والتي تسببت بسوء فهم في موسكو. لان ارمينيا تتحدث عن نظام روما الأساسي، الذي تعتزم أرمينيا التصديق عليه. لان نظام روما الأساسي هو ميثاق المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، التي أصدرت في 17 مارس/آذار 2023 ، مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويجب على الدول التي اعتمدت هذا النظام الأساسي أن تسلم إلى المحكمة المواطنين الذين صدرت بحقهم مذكرة الاعتقال. أي أنه إذا وصل رئيس دولة الاتحاد بوتين إلى يريفان، فسوف تضطر السلطات الأرمينية إلى اعتقاله إذا تم التصديق على نظام روما الأساسي.
وتشدد السلطات الأرمينية انها تنوي التصديق على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليس ضد روسيا. ولكن بسبب الأعمال العسكرية الأذربيجانية على أراضي الجمهورية. ففي مثل هذه الحالات يجب أن تصبح موضوعا للملاحقة الجنائية الدولية. وعلى روسيا ان تتفهم الوضع برمته.
وصرح سابقا رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، إنه سيتم التصديق على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بالكامل. و أن هذه العملية لا علاقة لها بروسيا.
لكن روسيا باتت تنظر بعين الحذر الى العديد من الخطوات التي تقوم بها يريفان وتشمل هذه الخطوات التي اتخذتها السلطات الروسية إطلاق عملية التصديق على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ورحلة زوجة رئيس الوزراء نيكول باشينيان إلى كييف، والإعلان عن مناورات عسكرية بين أرمينيا والولايات المتحدة على حدود أراضي الجمهورية.
وقال باشينيان إن زيارة زوجته آنا هاكوبيان إلى أوكرانيا لحضور قمة نظمتها زوجة رئيس أوكرانيا إيلينا زيلينسكايا بدأ يتم تسييسها بشكل غير لائق. وبحسب باشينيان، فإن زوجته شاركت في أنشطة “منتدى السيدات والسادة الأوائل” لفترة طويلة وتشارك في الأحداث في إطار هذه الشراكة. ورد السفير المتجول إدمون ماروكيان فيما يتعلق بالمناورات العسكرية الأرمينية الأمريكية. وذكر أن التدريبات تجري في إطار مهام حفظ السلام التي تشارك فيها أرمينيا.
ومن جهته صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اجتماع للمنتدى الاقتصادي الشرقي إن القيادة الأرمينية، في جوهرها، تعترف بسيادة أذربيجان على ناغورني كاراباخ. وشدد الرئيس على أن هذا لم يكن قرار روسيا، بل قرار القيادة الأرمينية. وفي الوقت نفسه قال إنه على اتصال مع باشينيان، ولا توجد مشاكل في التواصل.
ولنتذكر أنه في عام 2021، أعلن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف استعداده لتوقيع معاهدة سلام مع أرمينيا. وفي اذار /مارس 2022، نقلت باكو إلى يريفان اقتراحها المكون من خمس نقاط لتطبيع العلاقات. وأدخل الجانب الأرمني تصحيحات على المشروع وأرسل نسخته إلى باكو. ومنذ ذلك الحين جرت عدة جولات من المفاوضات بين الطرفين على مستويات مختلفة. وعقد الاجتماع الأخير على مستوى وزراء خارجية أرمينيا وروسيا وأذربيجان في 25 يوليو /تموز الماضي في موسكو.
لكن بعد الهجمات الاخيرة على كاراباخ من قبل اذربيجان بات واضحا بان ارمينيا سوف تشق طريقها الخاص والتوجه نحو الغرب والابتعاد بعد ان شاهدت هذه الحكومة الدور الروسي الملتبس في قضية توقيع اتفاقية سلام بين البلدين لكن بعد خسارة روسيا لمجاهدي كاراباخ من المحتمل بات هدف روسيا التوجه لمحاصرة عمل الحكومة الحالية والانقلاب عليها بعد موقف الحكومة الاخيرة من عدم التدخل لمحاربة أذربيجان في كاراباخ والسعي الجاد ليريفان للتوقيع على اتفاقية روما والانضمام الى الجنائية الدولية التي باتت روسيا ترها بانها موجهة ضدها ، بالاضافة الى المناورات العسكرية التي اجرتها ارمينيا مع واشنطن بات الابتعاد قريب جدا بين الحليفين .
لكن يبقى الأمل في لقاء قريب اذربيجاني –أرمني في اسبانيا للتوصل الى تفاهمات بخصوص سكان إقليم كاراباخ لجهة اندماجهم في أذربيجان والتوصل الى اتفاقية سلام بين البلدين تنهي عقود من الحرب المفتوحة وتخرج ارمينيا من عباءة روسيا.
عندها تسحب ورقة كاراباخ من يد موسكو التي تحاول من خلالها الضغط على الحكومة واسقاطها لإبقاء يريفان في ضمن استراتيجية روسيا .