يسعى البعض للعودة إلى دائرة الأضواء أو البقاء فيها، بأية طريقة، حتى لو كانت الطريقة خالية من الذوق، وعلى حساب الحقيقة!
***
غرّد داعية، اشتهر بجمع الأموال من خلال استغفال السذج، ساخراً من المصير المؤسف الذي لقيه ركاب الغواصة تيتان، وكيف أن ثرواتهم الكبيرة لم تنجهم من مصيرهم، بالرغم من محاولات الدول وفرق الإنقاذ فعل شيء لهم!
اتصفت تغريدته بحقارة واضحة!
وغرّد آخر اشتهر بمعارضته الشديدة للمشاركة في «انتخابات الصوت الواحد»، وهي المعارضة التي لم تمنعه من الوقوف مع مرشحين من مختلف الأطراف، وتأييد انتخابهم، فأصبح مثل من يدعي عدم معاقرة الخمرة، لكنه يرشح فلاناً لأن يعاقرها (!)، غرّد هذا الأخ معترضاً على سكوت «الليبراليين» على حادثة تمزيق وحرق صفحات من المصحف في السويد (شطب التغريدة تالياً)، حيث إنه وصف نفسه بالليبرالي فاحتجاجه يمثلهم بلا شك، وهذا يكفي! ولا أدري ما الذي منعه من الدعوة إلى تظاهرة احتجاج ضد ذلك الفعل المشين!
وتساءل في تغريدته إن قام أي فرد في دولنا بحرق نسخ من كتب الآخرين الدينية، وهذه مزايدة ممجوجة، هدفها كسب تعاطف الغوغاء، وتأييدهم، فالمسألة أكثر تعقيداً من تصرف قام به فرد هنا، أو متعصب أخرق هناك. فهذه الأحداث لا يمكن الحكم عليها خارج سياقها التاريخي والمنطقي. فقبل الحكم على اعتداءات الغير على رموزنا ومقدساتنا، هل سألنا أنفسنا إن كنا بالفعل بتلك الدرجة من التدين؟ أو أننا نعامل الغير بإنسانية حقيقية؟ أو أننا إنسانيون حتى مع أنفسنا؟ ألا ترفض أُسرٌ كثيرة زواج بناتها ممن يتبعون مذاهب أخرى، سنية كانت أو شيعية؟ إن كنا بهذا العداء لبعضنا، ونحن الذين ننتمي إلى الدين نفسه، فما عمق العداوة التي في نفوسنا ضد المسيحي واليهودي والبوذي والهندوسي، دع عنك أتباع معتقدات «أبونفرين»!
لا نستطيع مطالبة الآخر بأن يكون «متفهماً وإنسانياً» مع مقدساتنا، إن كنا عاجزين عن أن نكون إنسانيين مع مقدساتنا، أو مقدساتهم، والحقيقة أننا لسنا كذلك، ونبرر غالباً كراهيتنا لرموزهم أو عدم اعترافنا بمقدساتهم بأنها لا تعني لهم الكثير، وهكذا أعطينا أنفسنا، بكل صفاقة، حق تسفيهها!
كانت «آيا صوفيا» لمئات السنين كنيسة بيزنطية، ثم احتل العثمانيون القسطنطينية وغيّروا دين أهل المدينة واسمها إلى إسطنبول، وحولوا الكنيسة إلى مسجد عام 1453. وبعد سقوط الدولة العثمانية بفترة تحول المسجد لمتحف. ولكسب تعاطف وأصوات الناخبين الأتراك، سمح أردوغان مؤخراً بالصلاة في آيا صوفيا، ولم نجد التظاهرات تسد شوارع المدن الأوروبية احتجاجاً على تصرفه، بل بعض الانتقادات المهذبة، كان أحدها، ويا للمصادفة، من رئيس السويد. كما رحبنا، بسرور واضح بعودة الحق في الصلاة في كنيسة سابقة.
لم يتوقف المسلمون يوماً عن تحويل عشرات أو مئات أماكن العبادة غير الإسلامية إلى مساجد بعد احتلالهم لأية مدينة، ومن أشهر الأمثلة، بخلاف آيا صوفيا، مسجد قرطبة الكبير في أسبانيا، ومسجد بابري في الهند، الذي هدمه الهندوس، لأنه أقيم على أنقاض معبد هندوسي، وكنيسة القدس في حمص، سوريا، ومعابد النار المجوسية، ومسجد ابن طولون في مصر، الذي شيد في القرن التاسع على موقع كنيسة قبطية، والجامع الكبير بالجزائر، وكان كنيسة. ومسجد «كريستو دي لا لوز» في طليطلة بأسبانيا، الذي بني في القرن العاشر، وتم تحويله لكنيسة، وأصبح الآن مسجداً مرة أخرى، ويعرف بالاسم نفسه!
***
لست في معرض الدعوة إلى التسامح مع من يهين مشاعر الآخرين، ولكني معني بتفهم الأوضاع بصورة أفضل. فلا شك أنهم ارتكبوا خطيئة بل جريمة، ولكننا قمنا، حتماً، وطوال قرون، ليس بالإساءة إليهم، بل والاعتداء لفظاً عليهم وعلى كل مقدساتهم، وكل ذلك لاعتقاد البعض أن هذا من حقنا، فنحن أصحاب الفرقة الناجية، ويحق لنا ما لا يحق لغيرنا!
a.alsarraf@alqabas.com.kw
قيلَ لي أن بعض نُخَب الروم الأرثوذكس في لبنان وسوريا لا يحلقون ذقونهم نهار الثلاثاء لأن الثلاثاء هو “يوم سقوط القسطنطينية”! أي “آيا صوفيا”! في سنة 1453! للتأكد من صحة المعلومة، التي تصوّرت أنها “مزحة”، سألت صديقا من الأشرفية، فأكّد أن والده، وكان رجل أعمال، لم يكن يوقّع أي عقد يوم الثلاثاء لنفس السبب! هل فاز أردوغان في الإنتخابات الأخيرة “بفضل” قرار تحويل كاتدرائية “آيا صوفيا” إلى جامع؟ ربما! ما الأكثر خطورة: شخص واحد يقوم بحرق قرآن في السويد، أم “مصادرة” أكبر رمز من رموز الأرثوذكسية الشرقية؟