إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
- الصين تواجه كارثة سكانية غير مسبوقة لان التعداد السكاني انخفض في 2022 لأول مرة منذ 60 عاماً بسبب انخفاض عدد المواليد، وسينخفض الى النصف في نهاية هذا القرن!
- وفرة “الموارد البشرية” كانت وراء صعود الصين السريع في 40 سنة الماضية وجعلتها تتحدى امريكا، وندرتها ستكون باعثًا على تراجعها الاقتصادي.
- السبب أنها تبنت واحدة من اغبى السياسات في التاريخ البشري، وهي التنظيم القسري للأسرة، وإجبار الصينيين على الالتزام بسياسة “الطفل الواحد” التي يدفع الاقتصاد الصيني ثمنها حالياً، والثمن الاكبر سيدفعه في السنوات القادمة.
ما هي ازمة “الطفل الواحد” في الصين؟
في عام 1978، مع ارتفاع عدد سكان الصين الى 956 مليونا. أي مليار نسمة تقريباً، تولى “دينغ شياو بينغ” منصب القائد الأعلى لجمهورية الصين الشعبية، وكان يريد أن يحقق تنمية اقتصادية بأسرع وقت ممكن. مستشاروه في الإسكان و”الموارد البشرية” أقنعوه بان النمو السكاني المتسارع هو العائق امام التنمية! فكانت النتيجة طرح سياسة “الطفل الواحد” في 1980 التي استمرت إلى 2015، وفرض تشكيلة من العقوبات الصارمة في حالة عدم تطبيق سياسة “الطفل الواحد”، كالعزل الوظيفي او السجن او الغرامة، وحرمان الطفل الإضافي من شهادة الميلاد والتسجيل الحكومي كفرد من افراد الاسرة، وبالتالي من كافة الخدمات العامة كالدعم والصحة والتعليم. كما شجعت الحكومة عمليات التعقيم والاجهاض ووسائل منع الحمل. في 1986، اجريت 14 مليون عملية اجهاض، و20 مليون عملية تعقيم للرجال والنساء، و17 مليون عملية تركيب لولب، جميعها بالإكراه! حتى الحمل والولادة كان بإذن من السلطات! كما نُشرت شعارات الرعب في الارياف بين المزارعين ومنها: عشرة قبور أفضل من طفل إضافي (ترجمة “مؤسسة أبحاث لوغاي لحقوق الانسان في واشنطن“، وهي معنية بجمع المعلومات ورفع مستوى الوعي العام حول معسكرات لوغاي الواسعة للعمل الجبري للسجناء في الصين).
كان الهدف من كل هذا ان لا يتجاوز التعداد السكاني في سنة 2000 المليار و200 مليون نسمة. وهذا ايضاً لم يتحقق، ووصل عدد سكان الصين الى مليار و260 مليونا. استمر تطبيق هذه السياسة حتى بلغ متوسط خصوبة المرأة الصينية 1.6، وأستمر بالانخفاض في السنوات العشر الأخيرة حتى وصل الان الى 1.2. طبعًا هذا خطر إذا استمر لفترة طويلة، لأن 2.1 هو الحد الادنى لمتوسط عدد الاطفال الذي تنجبهم المرأة في حياتها الانجابية او ما يُسمى “خصوبة بمعدل الإحلال” الذي يضمن ثبات عدد السكان على المدى الطويل (بمعنى آخر: كل مائة امرأة تنجب 210 طفلاً طوال فترة الانجاب).
في 2013، تولى “شي جين بينغ” الرئاسة وأدرك مخاطر سياسة “الطفل الواحد” التي ألغاها تماما في 2015، واستبدلها بسياسة “الطفلين”! لكن نسبة المواليد في 2021 انخفضت الى 10 مليون مولود بالسنة بعد ان كانت 17 مليون في 2016. هنا تدخل الرئيس الصيني للمرة الثانية واستبدلها بسياسة الـ”ثلاثة اطفال”، فانخفض عدد المواليد في 2022 الى 9.5 مليون مولود في السنة! وهذا شيء غريب جداً! والتفسير، بكل بساطة، آن الصين تحصد نتائج “سياسة الطفل الواحد” على مدى 35 سنة التي خربت التوازن السكاني وشوّهت تمامًا الاساس الديموغرافي، فبات صعباً جداً تصحيحها.
على مدى 35 عاماً خلقت سياسة 1-2-4 للأسرة الصينية بموجب “قانون الطفل الواحد” فاقد الاخ والاخت (1) له اب وام (2) أيضًا فاقدي الاخ والاخت والزوج والزوجين فوقهم (4) وهما ولدا الزوج والزوجة وأيضا ليس لهما اخوات او اخوان. الزوج ليس مسؤولا عن ابنه وزوجته فقط بل وعن الاربعة الذين فوقه، وهم بالطبع في اعمار التقاعد ومحتاجون الى دعم مالي ورعاية! وهذا، لان الصين قتلت فكرة الأسرة الكبيرة التي يدعم افرادها بعضهم البعض ماديا ومعنويًا واجتماعيا في رعاية الكبار من الأسرة. اختفت اسماء الخال والعم والعمة والاخ والاخت واصبحت غير موجودة على ارض الواقع! فإذا طلبت الحكومة الصينية الان من هذا الزوج العالق في الوضع البائس زيادةَ النسل، سوف يسخر من الحكومة بل وسيلعنها خاصةً اذا كانت زوجته لا تعمل.
صرح “كانغ يي”، رئيس مكتب الاحصاء الوطني في يناير الماضي ان عدد سكان الصين ينخفض لأول مرة منذ 1961. وعندما سأله الصحفيون عن الاسباب قال ان هناك ٣ مشاكل سكانية تُجابه الصين قد تمتد الى نهاية هذا القرن، وهي:
١– رغبة الصينيين في الانجاب انخفضت،
٢– يتأخرون كثيراَ في الزواج،
٣–عدد الصينيات في سن الانجاب قلّ بشكل كبير..!
اين ذهبت النساء؟
وهذا السؤال لم ولن يُجيب عليه رئيس مكتب الاحصاء الوطني!
“سياسة الطفل الواحد” جعلت الصيني مجبرًا ان يكون له مولود واحد فقط. طبعاً، يفضَّل ان يكون ذكراً خصوصا في المدن الزراعية. الذكر انفع من الناحية الاقتصادية ورعاية الوالدين في الكبر على عكس البنت التي ستتزوج وتتركهما. في هذا السياق، وفي ظل حكم “الطفل الواحد” الذي فرضه بالقوة أكبر حزب شيوعي شمولي في العالم اصبحت البنت كائنا غير مرغوب به! يصرف الاب عليها لمدة عشرين سنة بدون مقابل، وعندما تبلغ العشرين تتزوج وتذهب عنه. طبعا، هذا يبدو طبيعياً للوهلة الأولى، ولكن مأساة إنسانية حدثت في 1984 عندما تساهلت الحكومة الصينية مع سكان الأرياف فقط وسمحت للأسر الصينية ان يكون لها طفلان في حالة البنت الوحيدة. وإذا كان المولود الثاني أيضًا بنتاً، تكتفي بهذا القدر وليس لها الحق في المحاولة الثالثة الا إذا توفّيت إحدى البنتين.
وتلك كانت الثغرة التي من خلالها بدأت أكبر عملية “وأد بنات” في التاريخ الحديث ان لم يكن في تاريخ البشرية! وعلى مدار 35 سنة الماضية التي طُبقت فيها سياسة الطفل الواحد، تُشير التقديرات الى اختفاء 60 مليون فتاة!!
أغلب التحريات التي قام متخصصون في الاسكان و”الموارد البشرية” في الصين تَدُل ان مصيرهن كان الإجهاض او القتل او التشريد وعدم التَقييد في السجلات الرسمية! حتى ان قصص “وأد البنات” في الصين مرعبة يندي لها الجبين. في يناير 1983، اشارت صحيفة “الشعب” اليومية التابعة للحزب الشيوعي ان “قتل الاناث الرضع من خلال الذبح او الإغراق او تركهن في الحقول وتحت الجسور او على قارعة الطريق او حتى في المراحيض العامة امر خطير”! وعندما توفرت اجهزة تحديد جنس الجنين في سنة 2000 تحوّل عملية قتل الإناث المباشر بعد الولادة الى عمليات الإجهاض التي انتشرت بشكل مخيف. لأن المرأة كانت لها فرصة حمّل واحدة ولا تريدها ان تكون من نصيب الأنثى. وكانت المرآة تجهض أكثر من مرة حتى تحظى بمولود ذكر. والمشكلة ان هذا الاتجاه استمر الى يومنا هذا. ففي 2020، كانت نسبة الاجهاض في الصين 43 حالة لكل 100 حالة حَمَل مقارنة مع 3 حالات إجهاض لكل 100 حمل في الهند حيث التشابه الديموغرافي.
الهروب من المسؤولية والعبء المالي كان سبباً إضافياً لانخفاض التعداد السكاني وعدد الإناث في الصين. في 2020. ولأول مرة، كان عدد الذكور أكثر من الاناث بــ 32 مليونا! وهذه الفجوة واضحة بين الشباب ما بين سن 15 وسن 19 سنة. يعني مقابل كل 100 أنثى يوجد 116 ذكرا. وهذه النسبة غير موجودة في اي دولة في العالم. كما ارتفعت نسبة العقم من 3% في 1980 الى 18% في 2020.
كل هذه الاسباب جعلت عدد سكان الصين في 2023 يتراجع بواقع 850 ألف نسمة، لان عدد المواليد كان اقل من عدد الوفيات لأكثر من 6 عقود. وهذا بحد ذاته ليس مشكلة عويصة في الوقت الحالي لدولة عدد سكانها يقترب من المليار والنصف. ولكن التشوه الديموغرافي مرض سوف ينخر الاقتصاد الصيني المتنامي!
سياسات “تنظيم الاسرة” شوهت الهرم السكاني. عدد الشباب انخفض، وعدد كبار السن ارتفع. والنتيجة ان عدد السكان الذين هم في سن العمل وتتراوح أعمارهم بين 19 و59 سنة في انخفاض تدريجي في كل سنة. نسبة سكان الصين في سن العمل حالياً تقترب من 62 % من اجمالي السكان مقارنة مع 70 % قبل عشر سنوات. والمشكلة ان هذا الاتجاه المتراجع سوف يستمر غالباً لفترة طويلة. بحيث من المتوقع ان هذه النسبة لن تتجاوز 50 % من اجمال السكان في 2050. مصحوبة بانخفاض العدد الاجمالي بواقع 110 مليون في 2050 حسب بيانات الامم المتحدة. وفي 2100، سيكون التعداد السكاني للصين 767 مليون نسمة، يعني تقريبا نصف سكانها الحالي! وهذا، طبعا، سوف يؤثر سلباً على الاقتصاد الصيني، لان انخفاض السكان في سن العمل يعني تراجع حجم المعروض من العمالة في السوق وبالتالي ارتفاع أجورها. وهذا بدوره ينعكس على اسعار المنتجات وبالتالي تفقد الصين اهم ميزتين بنت عليهما امبراطوريتها الاقتصادية، وهما رخص العمالة ورخص المنتجات.
***
انخفاض نسبة الشباب تؤدي الى انخفاض الاستهلاك المحلي، المحرك الاقتصادي الأول في الصين، لإن الشباب بطبيعتهم يميلون إلى الإنفاق وكبار السن يفضلون الادخار.
تراجع عدد الشباب وعزوفهم عن الزواج يُقلل الطلب على الإسكان والعقار، وهذا بحد ذاته أخطر مشكلة تواجهها الصين حالياً، لان قطاع العقار يستثمر فيه الصينيون 70% من ثرواتهم، وتراجعه على المدي الطويل يُعتبر كارثة.
جميع ما ذكرناه يقلل فرص تفوق الاقتصاد الصيني على نظيره الاقتصاد الامريكي، لتصبح الصين صاحبة أكبر اقتصاد في العالم. فالاقتصاد الصيني في 2022، وهي اول مرة ينخفض فيها عدد السكان، نما بثاني أبطأ وتيرة له في آخر ٥٠ سنة.
الحكومة الصينية مدركة لهذا الخطر وتحاول بشتى الطرق ان تعكس الاتجاه المتراجع لمعدل الخصوبة وأن تقلل من تأثيره السلبي. وقد بدأت بإلغاء جميع القيود على الإنجاب، ولكن هذا ايضاً لن يحل المشكلة. سهل جدًا تخفيض معدل الخصوبة، وصعب جداً رفعه!
سياسة الطفل الواحد حجّمت النمو السكاني في الصين وجعلته في مستويات يمكن إدارتها. ولكن المتخصصين الصينين لديهم اجابة مختلفةً. في 2012، ثلاثة من علماء الديموغرافيا في الصين نشروا دراسة تحت عنوان (“السكان والسياسة، كيف يحكم التاريخ على سياسة الطفل الواحد“) اعتبروا فيها سياسة الطفل الواحد من الأخطاء القاتلة للصين الحديثة. وعلى عكس الخطأ القاتل الذي سببّ المجاعة في الصين ما بين 1959 و1961 وراح ضحيته عشرات الملايين، فإن سياسة الطفل الواحد تأثيرها طويل جدًا وصعب إصلاحه. كما تقول هذه الدراسة أنه لو لم تفرض الصين سياسة الطفل الواحد لكانت الطبيعة السكانية ستصحح نفسها ذاتياً. فنسبة الاخصاب في الصين كانت تتراجع بشكل كبير قبل تنفيذ سياسة الطفل الواحد السيئة الذكر. وفي 1970، نسبة الخصوبة كانت 6.3 طفل وانخفضت إلى 3 اطفال في 1980 دون تدخل الحكومة! وهذا يحدث اليوم في الهند حيث نسبة الخصوبة في 1950 كانت 6 طفل وتراجعت في 2022 الى 2.1 طفل.
نُشِر هذا البحث على “الشفاف” لأول مرة في May 13, 2023
يا اخ جهاد لا تكون مثل يابان ولا مثل مصر الذي فيها الانسان قد يكون عايش في مستوى الفقر ويخلف ٧ او ١٠
كل تدخل قسري في التركيبة السكانية له نتائج كارثية ع المدى البعيد
بعتقد هذه المشكلة تعاني فيها معظم الدول الاوربية نتيجة الحرية المنفلتة وعزوف الشباب عن الزواج واكبر مثال اليابان ، سبحان الله الذي اوجد التوازن بالطبيعة في كل شيء والانسان يحاول تدمير ذلك برعونته وعدم تقديسه للاسرة .
الحزب الشيوعى الصيني إجرامي يسيطر على كل جوانب الحياة الاجتماعية