تستعد قوى 14 اذار اللبنانية للاحتشاد الجماهيري في ساحة الشهداء وسط بيروت معتبرة أن الحشد المليوني، او ما دونه قليلا، سيشكل صورة تستعيد فيها التأكيد على انها لم تتأثربسلسلة “الهزائم” التي لحقت بها. ومع ايمانيَّ ورغبتي في مليونية الحشد، تماسكا امام المشروع المعادي، فإنّ الحشد نفسه لن يغيّرْ كثيرا من الطريق المسدود امام قوى 14 اذار.
ليس الطريق المسدود مسألة تتعلق بموازين القوى، أو بالخارج أو حتى بأعداء 14 اذار، المتراصين في مثلث قاعدته عملاء اسرائيل وضلْعاه: الخونة عملاء سوريا، والخونة عملاء ايران، بل في قصور دعامتي 14 اذار، وهما تيار المستقبل والقوات، عن تبني تصور يخترق إشكاليات الطائفة والمذهب.
فتيار المستقبل محشور دوما بين خطابين: الاول لجمهوره السنّي والثاني للصف شبه العلماني المتصدر قيادته. والقوات محشورة بين الالتزام بخطاب “ماروني” يقطع الطريق امام اي إندفاع جدّي نحوها من بقية المكونات، بصرف النظر عن الإعجاب بمواقفها السياسية.
هذه المشكلة ولا اقول الإشكالية، ذلك انّ كلمة إشكالية تعني عندي مشكلة بنيوية غير قابلة للحل، هذه المشكلة، بامكان 14 اذار تجاوزها على قاعدة تركيب مثلث متساوي الأضلاع!
أحدْ أضلع ِالمثلث المذكور يسمى المكون الاسلامي، ويضم سنّة وشيعة و دروزاً وعلويين. والضلع الثاني يسمّى المكوّن المسيحي، ويضم الموارنة والارثوذكس والكاثوليك و بقية المكونات المسيحية المعروفة. أمّا الضلع الثالث للمثلث المذكور فيسمى المكون المدني. يجمع المثلث المدني كل الراغبين في مفاهيم حداثية تقوم على العلمانية بتنوعاتها، ولو كان افراده مسجلين بالانتماء الى احد المكونين الاسلامي أو المسيحي.
بهذا المثلث، وإن حافظت المناصفة على شكلها الخارجي، الا أنه قد تم فتح الباب للخروج تدريجيا من الإحتباس الطائفي والمذهبي المدمر لمفهوم “لبنان اولا”! ذلك أنّ توزيع القرار بين الاضلع الثلاث سيكون بالتساوي، وكذلك التمثيل النيابي والبلدي والنقابي وغيره.
صحيح أن الخاسر المباشر قد يكون الطرف السنّي، إلا أنّ هذا مرحلي. فالرابح الاكبر سيكون مشروع “لبنان اولاً”.
ثمة إشكالية ليست سهلة في مفهوم “لبنان اولا”: وهذه الإشكالية هي إشكالية الهوية الفردية لكل فرد من القائلين بلبنان اولا. فأنا مثلا لن أتنازل عن لغتي العربية وما يعني ذلك من ارتباط ثقافي بعرب الجزيرة في جاهليتهم وإسلامهم، كما أنني من المستحيل عقليا عندي تصور أية رؤيا فلسفية أهم من الاسلام، بالاضافة الى أنه وبداخلي هناك الحب. الحب للاسلام ورسوله وكتابه وأهله. والتسليم بالإسلام دينا سماويا الهيا. لذلك فإن شعار” لبنان اولا” يجب قرنه بشعار هويتي دوما. فيصحح الشعار الى “لبنان أولا وهويتي دوما”.
وإلى أن يَسوُدَ الضلع الثالث على الضلعين الباقيين للمثلث على صعيد الواقع( وهذا لن يحصل)، فإن الضرورة تقتتضي التمسك بالضلع المدني حتى لا تأخذنا ظلاميات ما أنزل الله بها من سلطان. إنّ الدليل على عدم سيادة الضلع المدني هوتاريخ المجتمعات على اختلافها. فبقاء الاعتبار للتماسك الاجتماعي وحدوده الاسرية (الاب و الام والاولاد) يبقى هو ما يعطي الحياة معنى من المحافظة على إنسان غير متوحش مدمر لاخلاق العناية.
إن المثلث الجديد المحدد من كل مكونات المجنمع اللبناني والممارس للمثالثة مع المجتمع المدني، أمامه هدف أولي يتمثل في غلبة المثلث المعادي. يجب على قوى 14 اذار أن تقتنع بأن صيغة “لا غالب ولا مغلوب” لا تصنع وطنا يتقدم الى الامام، اذ الخلاف ليس على مواقف يمكن حلها ديمقراطيا والرضى بنتيجة التصويت، بل هو خلاف بين نقيضين إنتصار أحدهما إندثار للاخر.
وعلى قوى 14 اذار ان تضع نصب عينها لا مشروع العبور الى الدولة، فالدولة كما تبيّن هي تربية زمن الاحتلال والمليشيات . مشروع 14 اذار يحب ان يكون بناء الدولة، دولة “لبنان اولا”، لا لبنان ساحة لهذه الطائفة او تلك او ضمن هذا المشروع الخارجي او ذاك.
من هنا، على 14 اذار ان تتمسك بالمحكمة بقدر ما التمسك بها يؤدي الى نزع الشرعية عن حزب الله، لا سلاحه فقط. وعلى 14 اذار ان تضع نصب اعينها بان سلاح حزب الله هو سلاح ميلشيوي ولو زعم غير ذلك، ولو استخدم في زواريب بيروت او بين زواريب الخط الازرق! فالدولة هي وحدها التي تحتكر السلاح، سواء حمله لبنانيون أو فلسطينيون، وداخل المخيمات قبل خارجها.
من هنا فإن امام 14اذار إعادة تعريف الخيانة والعمالة: فالخائن هو كل من لا يقول بـ”لبنان اولاً”.والعميل هو كل لبناني يعمل لجهة خارجية مرتبطا معها خارقا القوانين اللبنانية.
إنّ على قوى 14 اذار أن تدرك انه لا حوار بين المثلثين، وعلى 14 اذار ان تدرك ان العنف منهج يمارسه المثلث المعادي عليها تقتيلا وارهابا وابتزازا وتلويحا بالقمصان الصفر او “الاورانج” او السود. وأنه لا أحد على استعداد ان يدفع ضريبة الدم والشهادة بالنيابة عنك.
هل 14 اذار، وصلت الى هذه المفاهيم، ام أنها ما زالت تتغنج في تراث الهزائم! وتقبع في مستنقع الاوهام!
farouk_itani@live.com
* كاتب لبناني – بيروت