بدأ الانسحاب الروسي من سوريا ام لم يبدأ… هل هو مناورة ام انسحاب حقيقي؟ الاكيد ان شيئا حصل يؤكد انه لم يعد من امل لدى موسكو في المراهنة على بشّار الاسد.
ليس سرّا ان الاعلان الروسي عن بدء الانسحاب من سوريا في الرابع عشر من آذار 2016 ليس حدثا عاديا. هل صدفة انه يأتي بعد الرابع عشر من آذار اللبناني في العام 2005 الذي اخرج القوات السورية من لبنان؟ هل يخرج الرابع عشر من آذار السوري بشّار من سوريا بعدما اخرجه الرابع عشر من آذار 2005 من لبنان؟
في ايلول ـ سبتمبر الماضي، بدأ التدخل الروسي المباشر في الحرب على الشعب السوري. تحدّثت موسكو، تحت غطاء محاربة “داعش”، عن ضرورة انقاذ بشّار الاسد الذي صار نظامه في حال “موت سريري”. هل كان فلاديمير بوتين يريد انقاذ بشّار الاسد ام المزايدة على رأسه من اجل ثمن تريد روسيا قبضه؟
استطاع فلاديمير بوتين توفير جرعة حياة جديدة لبشّار الاسد ونظامه وذلك بعدما تبيّن ان الميليشيات المذهبية التي ارسلتها ايران الى سوريا، في مقدّمها ميليشيا “حزب الله” اللبنانية، لم تعد قادرة على تنفيذ المطلوب منها. تحرّك بوتين في الوقت المناسب بتنسيق مباشر مع ايران واسرائيل في الوقت ذاته. من يتذكّر ان الجنرال قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الايراني زار موسكو قبيل التدخل العسكري المباشر لروسيا؟
كذلك، لم يتأخّر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو عن المجيء الى موسكو لتأكيد وجود تفاهم روسي ـ اسرائيلي في شأن كل ما له علاقة بالموضوع السوري من قريب او بعيد. فعندما اكتشفت اسرائيل ان هناك من يحضّر لعمليات تستهدفها تنطلق من الجولان، سارعت الى اغتيال سمير القنطار، وهو درزي لبناني كان في سجونها اثر تنفيذه عملية استهدفت سكّان احدى المستوطنات الاسرائيلية القريبة من الحدود اللبنانية في سبعينات القرن الماضي. لم يكن سمير القنطار سوى اداة ايرانية انتهى مفعولها عندما صار واضحا ان لا شيء يعلو على التفاهم الروسي ـ الاسرائيلي في سوريا.
لم يكن استهداف القنطار بتلك الدقة سوى نتيجة للتنسيق الروسي ـ الاسرائيلي الذي عكس رهانا، موقتا، على بشّار الاسد ونظامه في ظلّ شروط معيّنة. هذه الشروط لم تعد متوافرة حاليا في ضوء اكتشاف موسكو ان ثورة الشعب السوري حقيقية اكثر بكثير مما يعتقد وان لا شيء يمكن ان يوقفها.
يكمن جديد الاعلان الروسي عن بدء الانسحاب العسكري من سوريا في انّ هناك تطورا طرأ على الارض في وقت بدأت في جنيف جولة جديدة من المفاوضات بين النظام والمعارضة باشراف الامم المتحدة.
ليس سرّا انّ سوريا اكتشفت ان بشّار الاسد لم يعد يمتلك قوّات تستطيع الاستفادة من الغارات الجوية التي نفّذتها. وليس سرّا ايضا انّ روسيا تبحث عن ثمن لرأس بشّار الاسد.
اكثر من ذلك، ليس سرّا ان ايران ما زالت متمسّكة ببشار الاسد وبامكان اقامة دويلة تحت سيطرته، ذات امتداد في لبنان. مثل هذه الدويلة تؤمن لايران جسرا الى “حزب الله” الذي يسيطر على مقدرات الدولة البنانية والذي يظلّ الى اشعار آخر كنزا ثمينا لا خيار آخر لدى طهران سوى المحافظة عليه. مثل هذا المشروع الايراني قائم على وهم اكثر من اي شيء آخر لسبب في غاية البساطة. يعود هذا السبب الى ان ليس في الامكان اقامة دويلة في سوريا ليس فيها اكثرية سنّية مهما اشترت ايران اراض ومهما قامت بعمليات تطهير ذات طابع مذهبي. هذا سبب اكثر من كاف لاقتناع موسكو بان ليس في الامكان الذهاب بعيدا في التنسيق مع ايران بدل جني مكاسب تصب في خدمة المصالح الروسية بالاتفاق مع الادارة الاميركية. في مقدّم هذه المصالح الروسية اغلاق الساحل السوري في وجه اي انابيب للغاز يمكن ان يكون مصدره الخليج العربي ووضع اليد على حقول الغاز السوري التي تشكّل ثروة كبيرة.
انسحب الروس ام لم ينسحبوا، بات مصير بشّار محسوما. كلّ ما فعله الرجل انّه لعب الدور المطلوب منه ان يلعبه في تدمير سوريا وتفتيتها.
مهما تحدّث النظام السوري عن تنسيق مع موسكو في شأن الانسحاب العسكري الروسي، يظلّ السؤال المطروح هل اقتنع بوتين بأن لا مفرّ من قبض ثمن رأس بشّار قبل فوات الاوان؟
في غياب الاجوبة الواضحة والحاسمة عن مثل هذا السؤال، ما لا بدّ من ملاحظته انّ هناك ارتفاعا لاسعار النفط في الايام القليلة الماضية. مثل هذا الارتفاع للاسعار لا يمكن سوى ان يسرّ الرئيس الروسي الذي يمر بلده بازمة اقتصادية عميقة، كما يعرف قبل غيره انّ روسيا ليست دولة عظمى، بل كل ما تستطيع عمله هو الاستفادة من تخاذل رئيس اميركي اسمه باراك اوباما يختزل مشاكل الشرق الاوسط وازماته بالملفّ النووي الايراني.
ما ثمن رأس بشار الاسد؟ هل قبض بوتين الثمن او بعض الثمن سلفا؟ هل ارتفاع اسعار النفط دفعة اولى اقنعت بوتين بان الرهان على بشّار الاسد رهان خاسر… هذا اذا كان الرئيس الروسي قبل يوما الدخول في مثل هذا الرهان!