بحث: كل هؤلاء القتلة هل لهم أب واحد؟
-1-
من يشاهد التلفاز اليوم أو يقرأ الصحف ويتتبع الأحداث التي تجري في مناطق مختلفة من العالم، أول ما يلفت نظره هو الكم الهائل من قتلة الأبرياء الملثمين الذين يحتلون عنوانين الأخبار، ويتصدرون الصفحات الأولى. فتيان إرهابيون هزيلون معدمون يتراقصون أمام الشاشة فرحين بجرائمهم، مدججين بمختلف أصناف الأسلحة المتوسطة والخفيفة. ميليشيات مسلحة منتشرة تقوم بجرائم منظمة، تتواجد في معظم البلدان المعتلة بإحدى الآفات الثلاث للمجتمعات أو جميعها: الفقر والجهل والتخلف.
في محاولة لفهم ظاهرة الإرهاب، لا بد من القيام بدراسة جادة عن ماهية الشخصية الإرهابية واستيعابها، وكيف تم تشكيلها. ثمة دراسات كثيرة أُجريت حول ظاهرة قتلة الأبرياء وسفاحي العصر أو الإرهابين كما يُـطلق عليهم، حيث تطرقت تلك الدراسات إلى أسباب حقيقية أدت بالفعل ألى تفاقم وتزايد أعدادهم، وبحثت تلك الدراسات في طرق وأساليب متعددة للحد من تبعات تلك الظاهرة المخيفة. معظم الحلول التي طُرحت كانت عسكرية، وهذا أمر بديهي لا بد منه من أجل حماية الأرواح البريئة، لكن لم تقلل كثيراً من الظاهرة، أعداد الإرهابيين في تصاعد وأشباحهم تحوم حول الرؤوس، وقد تفتك بروح أي كان وفي أي مكان.
عودة إلى تلك الظواهر، ومع القيام بمحاولة لتلمس جذورها، نرى أن ثمة حلقة مفقودة بالرغم من جميع التفسيرات التي طُُرحت عنها لأنها اختّصت في فئة المسلمين دون غيرهم. كثير من الباحثين ركًزوا على أسباب وعوامل أساسية في تفريخ الإرهابيين والقتلة، ولكن لم تجب على تكاثرها واختلاف مشارب مرتكبيها. معظم النتائج بيّنت أن منابر المساجد وفقهاء الجهاد لهم الدور الأكبر فيما يجري اليوم في البقاع الإسلامية وخارجها من إرهاب، وهذا فيه كثير من الصواب، لكن أليس مَن لديه قابلية هو من يستمع لهؤلاء المحرّضين ويتبع فتواهم؟؟ كيف تشكلت في داخله قابلية الفتك بأرواح الأبرياء والتلذذ بذاك العمل؟؟
يا ترى هل إرهاب العصر كان كله ذا سحنة دينية إسلامية؟ ماذا عن الإرهابيين الذين ليسوا بمسلمين، وقاموا بجرائم تطهيرية بشعة؟؟ مثلما فعل المسيحيون ببعضهم البعض في “رواندا” في عام 1994، على حسب تقرير منظمة العفو الدولية قُتل مليون شخص خلال الإبادة الجماعية التي ارتكبتها ميليشيا إنتراهاموي وعمليات الانتقام التي نفذها الجيش الوطني الرواندي. اغتصبت نساء يصل عددهن إلى نصف مليون امرأة. جرائم الإبادة الجماعية التي قادها أفراد قبيلة “الهوتو” في حق قبيلة “التوتسي” شيء لا يتصوره العقل. كانوا يقتلون الأبرياء بدم بارد، ويغتصبون النساء ويجزون أعناقهن كالفراخ. أما الرجال فكانوا يضربون رؤوسهم بالفؤوس، أو يحرقونهم وهم أحياء، أو يقطعون أطرافهم ويتركونهم ينزفون حتى تفارق أجسادهم الحياة. وما هو أبشع في تلك المذابح هو أن الراهبات والقساوسة كانوا متعاونين مع القتلة. كانوا يشون للسفاحين بالفارين الذين يلجأون الى الكنائس ودور التعبد. بعد أن انتهت تلك الجرائم واستتب الأمن، بعض القرى التي تضررت من تلك التصفيات، غيّر أهلها من الديانة المسيحية إلى الديانة الإسلامية.
ثمة جرائم بشعة أخرى تمت على أيدي مسيحيين في القرن المنصرم. بين عام 1992 وعام 1995 قام اهل صربيا وجيوشها المسيحية بمذابح وحملات إبادة جماعية ضد مسلمي البوسنة والهرسك، خلّفت مقابر جماعية بالآلاف، استخدم الصرب في قتلهم للبوسنيين شتى أنواع الأسحلة. كانوا يقتلون ويدفنون أناساً أحياء. مرات وصل معدل القتل إلى ألف شخص في اليوم الواحد على حسب ماذكرته “مادلين أولبرايت” في مذكراتها. معظم الجثث التي وجِدَت في المقابر كانت لرجال تتراوح أعمارهم بين 15 و60 سنة. قضى القتلة على جيل بأكمله. بعض القرى البوسنية ظلت بلا رجال، نساء وأطفال فقط. بلغ عدد ضحايا ذاك القتل العرقي الى 100 ألف إنسان معظمهم من المدنيين على حسب تقرير “بي بي سي”، والسبب هو سعي المسلمين والكروات في البوسنة إلى الانفصال عن بلجراد، وهو ما عارضه صرب البوسنة. طبعا لن يغيب عن الذاكرة جريمة الهولكوست المخيفة ضد اليهود العُزل التي قادها الحزب النازي واتباعه ابان الحرب العالمية الثانية، راح ضحيتها 6 ملايين يهودي من مختلف بقاع الدنيا، وقبلها في الثلاثنييات مذابح الأرمن من قبل الأتراك حيث قضى على اثرها 300 الف ارمني. ذاك العنف كله لم يكن لمنابر المساجد ولا شيوخ المسلمين أي دور فيه.
ثمة دراسات أخرى حاولت أن تفّسر ظاهرة الإرهاب بصورة مختلفة. حيث استنتج الباحثون فيها أن التعليم والكتب المدرسة هي التي تنمي الروح العدائية تجاه الغير وتغذيها في نفوس الصغار، خاصة في دول مثل السعودية واليمن وباكستان وأفغانستان. اثبتت الدراسة أن المناهج المدرسية في تلك البلدان تحرّض على الجهاد من أجل نشر الإسلام أو الدفاع عنه، لكن لم توضح الدراسات لماذا في نفس تلك الدول، ثقافة الجهاد والموت تفشّت أكثر في المناطق التي تخيـّم عليها العادات القبلية الصارمة أكثر من غيرها؟؟ لماذا أهل المدن لم يتأثروا كثيرا بتلك المناهج المبطنة بكره الآخر ومحاربته؟؟ وماذا عن الدول الاخرى التي لا تتبع نفس النهج في مسيرتها التعليمية؟؟ مثل لبنان التي عاشت في القرن المنصرم ولمدة 15 سنة حرباً أهلية اُرتكبت فيها أبشع الجرائم، كمجزرة مخيم “صبرا وشاتيلا” ، ونظيرتها قتلة الصومال وأيضاً السودان وما يفعله الجانجويد في “دارفوار” اليوم من مذابح وتشريد لمليون انسان في العراء. وماذا عن الجزائر التي في عقد التسعينات قٌطعّت رؤوس ما يقارب 100 ألف إنسان، معظمهم من المدنيين الأبرياء؟؟ وعنف العراق اليوم والذي لم يكن للدين أي دور في حياة ناسه منذ تأسيسه، والجهاد لم يكن قط جزءاً من ثقافة العراقيين؟؟ وماذا عن السلطة الفلسطينية التي استغلت بؤس فتيان معدمين، سلّحتهم بأحزمة ناسفة، وقاموا بقتل المدنيين في إسرائيل، فبددوا قضيتهم وحقوقهم الشرعية بتلك العمليات الانتحارية، وها هم اليوم صاروا يقتلون بعضهم بعضاً بوحشية عجيبة، مع ان الفلسطينيين أكثر الشعوب العربية ثقافة، وأكثرهم حملة للشهادات العلمية؟؟ لعقود طويلة المسجد لم يأخذ تلك المساحة في حياة الإنسان الفلسطيني، لكن مؤخراً ومع الإنتفاضة الثانية تمكنت الميليشيات الإسلامية المسلحة من بسط سيطرتها وبث ثقافتها المحرضة على القتل في الأراضي المحتلة؟؟؟ ومصر التي كانت تكتب والعالم يقرأ لها، تحولت إلى بؤرة ملغومة انفجرت في أواخر الثمانينيات حتى التسعينيات. ومن المتوقع أن يعود المصريون لدوامة الإرهاب، وقتل العُزّل في أي وقت من الآن. أما العجب الأكبر هو ما يجري في دول افريقيا. فبعض دول افريقيا الإسلامية وغير الإسلامية، ينتشر بين فتيانها ثقافة السلاح والقتل، حتى اضحَى لديهم اقتناء بندقية أهم بكثير من توفير رغيف خبز وماء شرب نظيف لأسرهم الجوعى.
كل تلك البلدان تحتاج إلى دراسات ميدانية وعلمية لتقصي حقائق انتشار قتلة الابرياء فيها. بالطبع العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية تؤكد أن لها دوراً في تحريك دفة العنف والإرهاب، لكن ثمة قضايا اخرى لم يُسلط الضوء عليها. إنه لمن الصعب ان يُستخدم مقياس واحد لكل تلك البلدان، لذلك يتطلب الأمر ان تـُدرس كل دولة على حدة، وستكون العراق هي الدولة الأولى التي ستوضع تحت المجهر لفهم ما يجري على أرضها من جرائم عنف مروعة… وللحديث بقية…
salamhatim2002@yahoo.com