إﺫﺍ ﺍﺳﺘﺜﻨﻴﻨﺎ ﺑﻌﺾ المحاولات ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ، ﻭﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ محاولات ﺧﺠﻮﻟﺔ ﺟﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻟﻄﺮﺡ ﺭﺅﻯ ﺗﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻭﺗﻄﻮﻳﺮ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻭإصلاحه ﻟﻴﺘﻌﺎﻳﺶ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﻭرفع ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ تفاسير ﺗﻨﺎﻫﺾ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ، ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﺆﻛﺪ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻳﺖ، بل وفي منطقة الخليج، ﺗﻴﺎﺭ ﻭﺍﺳﻊ ﻭﻋﺮﻳﺾ ﻳﺴﻌﻰ ﻟﺘﺒﻨﻲ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻭإصلاحه. ﻭﻫﻮ ما يدعونا إلى العمل على إيجاد ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻜﻮﻳﺘﻲ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ الذي يستطيع ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﺍﻷﺻﻮﻟﻲ ﺫﻱ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ الديني ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻌﻰ ﻟﺘﺬﻭﻳﺐ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺗﺤﻮﻳﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺃﺻﻮﻟﻴﺔ مناهضة لقيم حياتية أساسية جديدة.
ﻟﻜﻦ، ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗﺘﻬﻢ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ في الكويت بمدارسها التفسيرية ﺍلمختلفة ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﻨﺎﻫﻀﺔ لكثير من قيم الحدﺍﺛﺔ؟ ﻭﻛﻴﻒ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ وتغيير ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ المناهض للحياة الجديدة؟
ﻓﻜﺮﻳﺎ، ﺃﺧﺬ ﺍﻟﺨﻮﺽ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻣﺪﺍﻩ، عالميا، وﻇﻬﺮﺕ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍلأصولية الدينية ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ، ﻭﺧﺮﺟﺖ رؤى تفسيرية بدﻳﻠﺔ عديدة، ﻭﺗﻢ ﻃﺮح مناهج ﺣﺪﻳﺜﺔ ﺳﺎﻫﻤﺖ ﻓﻲ تحويل ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ لخطاب متوافق ﻣﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻭركّزت ﺑﻘﻮﺓ على ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻷﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻻ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﺮﻭﺣﻲ، وهو جانب ضعيف عند ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ الأصولية ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ نظرا لتركيزها ﻋﻠﻰ الشأن ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ/ﺍﻟﻔﻘﻬﻲ ﺍﻟﻤﺆﺳﺲ ﻟﺮﺅﻯ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ تنهل من منهل التاريخ لا الحاضر، فكانت هذه الرؤى في الأعم الأغلب غير متوافقة ﻭﻗﻴﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﻦ. ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺩﻋﺖ ﺇﻟﻰ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ/الفقهي ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ. فبعدما ﺃﺧﺬ هذا ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻣﺠﺎﻟﻪ ﻭﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﺇﻟﻰ ﺁﻓﺎﻕ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﻭﺍﻟﺘﻘﺪﻡ، ﻗَﺒﻊَ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ/الفقهي في مستنقعه ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺩﻭﻥ ﻗﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺇﺣﺪﺍﺙ ﺣﺮﺍﻙ تغييري يلامس ضرورات الحياة الراهنة.
ﻛﻮﻳﺘﻴﺎ، ﺗﺠﺎﻭﺯ ﺍﻷﻣﺮ ﻣﺪﺍﻩ ﺃﻳﻀﺎ، ﻏﻴﺮ ﺃﻧﻪ ﺳﺎﺭ، في الأعم الأغلب ولا يزال، ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺢ الأصولية الدينية الفقهية التاريخية، المناهضة ﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺪﻳﻤﻮﻗﺮﺍﻃﻴﺔ ﻭالمعادية للتعدﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻭﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺣﻘﻮﻕ الإنسان، وما ندر هي أصوات أجبرت على عدم اختيار طريق المناهضة لأسباب سياسية ضيقة بدليل عدم وجود أطروحات فكرية تسند هذا الطريق، ﻓﻐﺎﻟﺒﻴﺔ الأﻄﺮﻭﺣﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ/الفقهية ﻫﻲ ﺃﻃﺮﻭﺣﺎﺕ ﻻ ﺗﻤﺖ لإنسان ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻭﻻ ﻟﻘﻀﺎﻳﺎﻩ بصلة.
ﻧﺄﺧﺬ مثالا من التاريخ الكويتي ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، أو ما يسمى بـ”ﺍﻟﻀﻮﺍﺑﻂ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ”، أي الضوابط ﺍﻟﺘﻲ استخدمها الإسلاميون في الكويت كضمانة لإضفاء الشرعية الدينية على مشروعات القوانين التي لابد أن تصدر من مجلس الأمة، وهي بعبارة أوضح مجرد عراقيل وضعت ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ المبادرات الوطنية الساعية إلى تحديث المجتمع لإضفاء مزيد من الحرية والمساواة فيه وترسيخ احترام أكبر لحقوق الإنسان. وأبرز تلك الضوابط/العراقيل وُضعت في طريق الحقوﻕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﻜﻮﻳﺘﻴﺔ إذ سعت لمرغ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺣﻞ ﺑﻌﺪ محاولات ﺗﻌﺪﻳﻞ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﻗﺎﻧﻮﻥ الانتخاب، في سعي لجعل ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺗﺒﺘﻌﺪ ﻋﻦ ﻫﺪﻑ ﻣﺴﺎﻭﺍﺗﻬﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻗﺮﺭ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻜﻮﻳﺘﻲ. فـ”الضوابط” ﻛﺎنت ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺗﺸﺮﻳﻌﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﻋﺪﺍﺀ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ الأمة ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺘﻤﻴﻦ ﻟﺘﻴﺎﺭ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺗﺠﺮﻳﺪ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻣﻦ ﻓﺤﻮﺍﻩ الحداثي. وهو ﺗﻨﺎﻗﺾ ﻣﺎ ﺑﻌﺪﻩ ﺗﻨﺎﻗﺾ في التشريع وﻳﻌﻜﺲ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮ ﻟلمشرّع ﻓﻲ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ الحداثي لحقوق المرأة، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻫﻮ ﻟﻴﺲ ﺳﻮﻯ ﺍﻧﻌﻜﺎﺱ ﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ/الفقهي في التشريع ﻟحقوق وﺤﺮﻳﺔ المرأة.
ﻭﺗﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﻜﻮﻳﺘﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻭﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺍﻟﺪﺍﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺃﻋﺪﺍﺋﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﺮﻟﻤﺎﻥ ﻳﺘﺤﻤّﻞ ﻧﻮﺍﺑﻪ ﺍﻟﻤﻨﺘﺨﺒﻮﻥ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺳﻦ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ. ﻓﻔﻲ العديد من الجمعيات التعاونية لا تزال ﺗﻮﺟﺪ تجارب لكوادر منتمية لتيار الإسلام ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺟﺎﺀت ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ الانتخابات لفرض “ﺿﻮﺍﺑﻂ ﺷﺮﻋﻴﺔ” ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺎﻣﻼﺕ في الجمعيات ﻣﻦ ﻣﻮﻇﻔﺎﺕ ﻭﻛﺎﺷﻴﺮﺍت، بإجبارهن ﻋﻠﻰ ﻟﺒﺲ ﺍﻟﺤﺠﺎﺏ (ﻟﻢ ﺗﻌﺘﺮﺽ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ)، وﻣﺎ أﻥ تنتهي العاملات من العمل ﺍﻟﺮﺳﻤﻲ ﺣﺘﻰ نراهن ﻳﺮﻣﻴﻦ ﻏﻄﺎﺀ ﺍﻟﺮﺃﺱ ﻭﻳﺘﺠﻬﻦ ﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﺣﻴﺎﺗﻬﻦ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﺗﺒﻀﻊ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺘﺰﺍﻡ ﺑـ”ﺍﻟﻀﻮﺍﺑﻂ” ﻭﺍﻟﺤﺠﺎﺏ. ﻭﻫﺬﺍ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺒﺮﻫﻦ ﺑﺄﻥ ﻫﺪﻑ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍلجمعيات ﻟﻴﺲ ﺍﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺍﺯﻉ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ للحجاب، ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ أﻧﻪ ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺻﺮﺍﻉ ﻧﻔﺴﻲ ﻳﻌﻴﺸﻪ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﻮﻥ فيها ﻟﺘﻨﻔﻴﺬ “ﺣﻜﻢ ﺷﺮﻋﻲ” ﻟﻴﺲ ﺇﻻ.
ﻓﺎﻟﻬﺪﻑ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﻒ ﻭﺍﻟﺪﻭﺭﺍﻥ ﻫﻮ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻣﻔﻬﻮﻡ “ﺍﻟﻀﻮﺍﺑﻂ” ﺍﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ/الفقهي، ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎﺏ الإدراك ﺍﻟﻀﻴﻖ ﻟﻠﻤﻔﻬﻮﻡ ﻭﺍﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﺑﻠﺒﺲ ﺍﻟﺤﺠﺎﺏ، ﻭﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎﺏ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻗﻮﺍﻧﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻜﻮﻳﺘﻲ. فاﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺑﺮﻣﺘﻬﺎ هي انفعال ﻟﺘﺜﺒﻴﺖ “ﻣﻈﻬﺮ ﺩﻳﻨﻲ” ﻭﻟﻴﺲ تفاعلا ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻫﺪﻑ ﺃﺧﻼﻗﻲ. ﻭﻫﻮ في تصوري ﻫﺪﻑ ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺻﺤﺎﺏ “ﺍﻟﻀﻮﺍﺑﻂ” ﺳﻮﺍﺀ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ الأمة ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻧﻴﺔ، ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻷﻡ والأخت ﻭﺍﻟﺒﻨﺖ ﻭالشغالة، ﻓﻬﻲ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ “ﺿﻮﺍﺑﻂ” ﺗﻨﺎﻫﺾ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻭﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ/الفقهي ﻭﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ مبدأ الطاعة المنتمي إلى مفهوم الاستبداد وﺍﻟﻤﺆﺳﺲ للانحراف الأخلاقي في نهاية المطاف. فـ”اﻟﻀﻮﺍﺑﻂ” ﻟﻴﺴﺖ ﺇﻻ ﻣﺴﻌﻰ ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺫﻛﻮﺭﻱ ﻧﺎﺑﻊ ﻣﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺃﺻﻮﻟﻲ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ ﻟﻠﺪﻳﻦ، ﻭﻗﺪ ﺍﺳﺘﻤﺪ ﻓﻬﻤﻪ ﻣﻦ ﺷﻜﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ الإسلامية ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﺿﺪ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺣﺎﻟﺔ ﺣﻴﺎﺗﻴﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﻓﻀﻰ ﺭﺍﻫﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺎﺩﺍﺓ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ والاجتماعية ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺧﺘﻠﻔﺖ ﻭﺗﻄﻮﺭﺕ ﺣﺘﻰ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ ﺣﻘﻮﻗﺎ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ أيضا.
ﺇﻥ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻓﻲ ﺃﻥ الأصولية ﺍﻟﻜﻮﻳﺘﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﻣﻊ العديد من قيم ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ هو ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﻓﻲ ﺃﻃﺮﻭﺣﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺒﺪﺃ ﻳﻨﺎﻫﺾ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ هذه ﺍﻟﻘﻴﻢ، ومنها قيمة التعددية الفكرية/الثقافية. فمثلا اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻫﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻳﻘﻴﻨﻴﺔ ﻭﻭﺍﺣﺪﺓ وهي المالك الوحيد لها وﻻ ﻳﻤﻜﻦ لهذه الحقيقة ﺃﻥ ﺗﺘﺠﺰﺃ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﺓ ﺣﻘﺎﺋﻖ يشاركها الآخرون في الامتلاك وفي التفسير، فهي تتبنى ﺭﺅﻯ ﺟﺎﺯﻣﺔ ﻭﻣﻌﻠﺒﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻗﻀﺎﻳﺎﻫﺎ، ﻭتمتلك ﺣﻠﻮلا نهائية ﻟﻜﻞ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻭﻓﻲ ﺃﻱ ﻓﺘﺮﺓ ﺯﻣﻨﻴﺔ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻻ ﻣﺠﺎﻝ ﻟﺪﻳﻬﺎ لخلق ﺗﻌﺎﻳﺶ ﻣﻊ ﺭﺅﻯ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻐﺎﻳﺮﺓ ﻭﻣﻨﺎﻓﺴﺔ إلا في حدود ضيقة، وبالتالي ﻻ ﻣﺠﺎﻝ لإخضاعها ﻟﺤﺮﻛﺔ ﻨﻘﺪ ﻭمحاﺳﺒﺔ ﻭمساﺀﻟﺔ، باﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ منطلقاتها ﻏﻴﺮ ﺑﺸﺮﻳﺔ ﺑﻞ ﺳﻤﺎﻭﻳﺔ ﻣﻘﺪﺳﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺼﺮﻳﺢ ﺍﻟﻨﻘﻞ، ﻭﻣﺎ ﻻ ﻳﺘﻮﺍﻓﻖ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮﻫﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻣﻊ ﺻﺮﻳﺢ ﺍﻟﻨﻘﻞ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺼﺒﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﺪ ﻣﻨﻪ ﻭﻓﻲ ﺧﺎﻧﺔ ﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﺍﻟﻤﺆﺩﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺴﻖ ﻭﺍﻟﻔﺠﻮﺭ ﺑﻞ ﻭﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮك.
ﺇﻥ ﺍﻓﺘﻘﺎﺩ ﻭﺟﻮﺩ ﺗﻴﺎﺭ عريض ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻳﺖ ﻳﻬﺪﻑ ﻹﺻﻼﺡ ﻭﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺍﻷﺻﻮﻟﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﺓ ﺃﺳﺒﺎﺏ، ولعل ﺃﻫﻢ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﻳﺘﻤﺜﻞ في تصوري ﻓﻲ ﻋﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﻇﺮﻭﻑ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻭﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﻀﻤﻦ سلامة ﻋﻤﻞ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ وتضمن ﻋﺪﻡ ﺗﻌﺮﺿﻬﻢ للملاحقة القانونية والإقصاء ﻭﺍﻟﺘﻬﻤﻴﺶ ﻭﺍﻟﻄﺮﺩ الاجتماعي ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺃﻧﺼﺎﺭ “ﺍﺣﺘﻜﺎﺭ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ” ﻭﻣﻬﻨﺪﺳﻲ “ﺍﻟﻀﻮﺍﺑﻂ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ” ﻭﺃﻋﺪﺍﺀ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ.
ﻟﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﻭﻗﻒ ﺟﻬﻮﺩ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﺘﺴﻠﺢ ﺑﺴﻼﺡ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﻭﺍﻟﺮﻛﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﻮﺩ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺣﻘﻮﻕ الإنسان، ﻻ ﺃﻗﻞ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ، ﻟﻠﻮﻗﻮﻑ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻠﻤﻀﻲ ﻗﺪﻣﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻧﺘﺸﺎﻝ المجتمع ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺻﺎﻳﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻭمن الاستبداد الديني.
fakher_alsultan@hotmail.com
- كاتب كويتي