نزلت كلمات ساركوزي كفقيه حداثي كالمطرقة علي أهل البداوة وبردا وسلاما علي كل من يعرف معني الحضارة والإنسانية الكريمة. فكم هي واسعة الفجوة بين نمطين حضاريين مر احدهما بكل تفاعلات التاريخ هضما واستيعابا، إبداعا وتخليقا لها مقارنة بنمط آخر ينظر بريبة الي ما هو خارج سكني أهل الكهوف تشده ثقافته للعودة الي فروع الأشجار والقفز بين الأغصان رغم ادعاءه قناعته منه بان آدم تم خلقه في أحسن تقويم. فما تقويم ساركوزي إذن؟
كان إصرارنا بان حوار الحضارات فاشل مثله مثل حوار الأديان فإن الحرب بين الثقافات أصبحت حتما مقضيا. فبعدما تغلبت فرنسا علي مسالة الحجاب جاءت قضية النقاب. كان قرار الدولة الفرنسية بمنع الحجاب امتثالا لحق الطفل وللصغيرات من البنات اللائي لا يعرفن شيئا عن سبب إخفائهن للملامح وللشعر وكل ما هو خارج الوجه والكفين في حياه كريمة قبل أن تشوهه العقيدة الدينية بجعله موضوعا جنسيا قابلا للاستهلاك من البالغين.
فما أكثر المسكوت عنه في الثقافة العربية الإسلامية. أولها ادعاء العفة بينما المضاجعة المتعدد ة للنساء هي حلال طيب. يسمونها نكاح. حتى صوتيات اللفظ لم تكن رحيمة بالأذن العفيفة لتختار لفظ زواج بدلا من نكاح. يطيب لهذه الثقافة أن تمارس الاستمناء أو أحلام اليقظة المرضية بتأجيج الخيال بمن هم إماء وفي ملك اليمين. فمن لم يجد من ينكحها من الحرائر وجد بغيته في السبايا والمحظيات. ومع ذلك فان الفقر الاقتصادي الدائم للمواطن صاحب العقيدة السمحاء طوال تاريخ الإسلام جعل خياله متوحدا مع أولي الأمر الذين ضجت مضاجعهم بهؤلاء النساء. ولنعد لكتب التاريخ لنجد أن وفرة المحظيات مقصورة على مقصورات الخلفاء والسلاطين فيما يسمي الحرملك. فالخداع بان بني آدم خليفة الله في الأرض فان تاريخ الإسلام كله لم يثبت هذه المقولة إنما حصرها في خليفة إسلامي يستبيح ثروات الناس وبجانبه مسرور السياف. هكذا اقر تاريخ الإسلام بان بني آدم هو فقط الحاكم ومعه القتلة حاملي السيوف لحمايته وحماية أنصبتهم المالية وحيازة النساء. لهذا كان الدعاء المصريين علي الحاكم طوال التاريخ بالقول ” يخرب بيت أبوه”.
أطلقت السلطات الإسلامية مشايخ وفقهاء السلطان لنهش عقول المواطنين (هم مواطنون مع إيقاف التنفيذ) واخفت عن الأعين النساء بالوقر في البيت أو بالاختباء وراء حجاب أو برقع. هكذا تخلصت السلطات من أعباء مطالب الاستهلاك لنصف المجتمع ووفرتها للصرف منها علي حرملك السلاطين والخلفاء. فالمرأة عورة. فيا لها من شيطان أمرد يجري من الإنسان التقي الورع الحالم في يقظته ومنامه بها مجري الدم في العروق. بينما هي في عرف الخلفاء وأعضاء مجلس الشورى وأصحاب الثروات متاعا حلالا حتى ولو أغدقوا عليها الملايين ثم يقتلوها علي طريقة ألف ليلة وليلة.
قدر العولمة والانفتاح أن جعلت العرب والإسلاميين أن كمن له الحق سيرا بالبيجاما في الزمالك حسب قصيدة أحمد فؤاد نجم ” كلب الست”. فذهبوا بالنقاب والبرقع الي باريس. فحي الزمالك الذي كان راقيا أيام فساد الملك فاروق لا نجد له مثيلا في الرقي بعد أن طال العفاف والشرف كل أحياء مصر بعد الثورة المباركة. لهذا فان حاول احد المرور في نفس الحي الذي سكنه كلب الست فلن يعرف احد انه راقي اللهم من بعض الأشجار الشائخة. هو حي لم تعد تمر به اوتومبيل سفينة في قصيدة التحالف لنفس الشاعر نجم. اليوم يركبون اوتومبيلات الطبقة الجديدة كلها مصفحة وضد القنابل والرصاص. فكم من مرة خرج الباشا مكشوفا في سيارته محييا الناس في ذات الحي. الآن يمتد نفوذ باشوات زمن العروبة والاسلام بين العواصم العربية بعد أن صارت القومية العربية ايديلوجية الجميع يقتلون هناك وينهبون هنا.
باريس الثقافة ليس بها كلب الست حتى يعض مرتدي البيجاما في القصيدة. إنما ذهبوا بالنقاب ليسيروا في الشانزليزيه ويدخلوا متحف اللوفر ليتفرجوا علي الأصنام داخلها ليضعوا جدولا زمنيا لتحطيمها ثم يصعدون بلالا ليرفع الآذان من فوق برج ايفل. فباريس مازالت في مخيالهم بلدا للكفر لم تعطهم الفرصة بعد لتخريبها لان بها القانون والحضارة والحقوق المدنية. قانون باريس يضمن التعامل بالمثل، هذا ما قررته الثورة الفرنسية منذ أكثر من مائتي عام فهل سمع أصحاب النقاب عنها؟ أم أنهم توحدوا مع أهل الكهف من كثرة قراءتها كل جمعة في المساجد والزوايا فنسوا أن هناك حياه مختلفة يجري عليها قول نفس الشاعر الشعبي: الحياة عندنا موش كذلك؟
ففي باريس عليك أن تعلن بوضوح شخصيتك وهويتك وملامحك. فليس هناك ملثمون أو قطاع طرق. التعامل بالتساوي لم يكن يوما صفة عربية أو إسلامية فتاريخ الإسلام صنعه ملثمون ومن هم وراء حجاب. حتى أن نصف الدين كان مطلوبا أن نأخذه ممن جاء الأمر بان تقر في بيتها. ورغم ذلك دفعتها الظروف لان تكون مكشوفة في موقعة الجمل وقبل ذلك في تحريضها لقتل عثمان بأن نعثلا قد كفر.
فما الخطأ فيما قاله ساركوزي رغم انه لم يعض أحدا. النقاب بالفعل يزدري مكانة المرأة الإنسانية وكرامتها. فهي في عرف الذكر العربي، الموحد بالله، موضوعا جنسيا ربما ينقض وضوءه لو رأى منها شيئا علي الإطلاق. بعضهم هذبته فترة تفوق 1400 عام فاكتفي بالوجه والكفين. فما هي معدلات التحول الحضاري عند العرب ليصلوا الي أن يحترموها لو رأوها مثلما كان الحال في الزمالك زمن ملك مصر الفاسد أو مثلما هي في عواصم العالم خارج كهوف الشرق الأوسط.
انه رمز استعباد للمرأة – هكذا قال الرئيس الفرنسي. فاستبعادها من الحياة طوال تاريخ الإسلام هو استعباد لها ( لاحظ ظاهرة الاشتقاق بالقلب في العربية) وهو ما لم يعد ممكنا في الحاضر فاتوا بالنقاب كبديل ورمز مكافئ له. فالعبودية والاستبعاد هما ضمن مفردات ثقافة عنصرية الأديان والمعتقدات. فالعبيد مستبعدون لأنهم مستعبدون من حق الممارسة سوي العضلية منها لضخ الثروة من ناتج العمل. وهو ذاته في المرأة حيث الجسد الذي هو محط اللذة لمن له حق الوصاية عليها. وهو ذاته المسكوت عنه في ثقافة الإسلاميين. إلا يقف لها أصحاب اللحي في الكويت كحائل دون وصولها للبرلمان. فحتي تحت قبته لا يرون فيها إلا الجسد. فهل حياه المسلم هي إهتياج جنسي شبق دائم توجب عليه إلا يري ما يؤججها؟
بعد تصريحات ساركوزي فقد اكتسب الإسلام فقيها ومفتيا شرعيا وحداثيا جديدا يضاف الي الفقهاء الأربعة ويكشف ما أخفوه عنا – غفر الله لهم خطاياهم. قال الرجل ” النقاب ليس من الدين في شئ” وكان من الممكن للإسلاميين ومن هاجموا ساركوزي بغباء أن يلتقطوا الخيط ويصلحوا أمرهم. فلا النقاب ولا الحجاب هو من الدين أساسا. فمشكلة الإسلام المزمنة انه أصبح كحصان طروادة لتمرير البداوة والجاهلية العربية لا لسبب سوي انه ظهر في بلاد العرب.
سألني صديقي الملحد: وماذا عن المرأة أليست هي من يلبس النقاب؟
بالفعل هي من يلبسه بل وبعضهن يدافعن عنه لكنه وضع تمت صناعته قسرا. لقد أقنعوها بأنها ناقصة عقل ودين. أقنعوها بأنها تنسي وذاكرتها ضعيفة وقدراتها العقلية مشكوك فيها وبان شهادتها ناقصة لا ثقة للقاضي بها إلا إذا عززتها إمراة اخري تكمل بها ما تفتقده الاولي.
هي إذن صناعة اجتماعية وسياسية رديئة لعصور طويلة، تحولت عند بعضهن الي جينات إيمانية علي كروموسوم العقيدة. سيكولوجيا فان تعريف الجمال هو وعد بالإشباع. لكن المشكل أن المسلم الحالي بعد أن نهشت عقله المفاهيم العربية ببداوتها لم يعد يري في الإشباع إلا الجنس. ويبدو انه الشئ الوحيد الذي يدركه العقل العربي. فكلما كانت المرأة جميلة اعتبرها العقل الموحد بالله أن ستجذب إليها من يفتك بها بأكثر مما ينبغي. وان هناك تناسب طردي بين الجمال مع الصغر في السن وبين الاشتياق الجسدي منها. والدليل يأتي في القول: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ . فالمعني واضح والألفاظ كاشفة. فهذه الفئة العمرية غالبا فاقدة للجمال، لهذا فلهن الحق في خلع الحجاب. فلا خطر منهم علي الرجل المؤمن. فهل التشريع الإسلامي مقصور علي حماية الشبق الذكري لأهل التقوى والإيمان.؟ فالمقارنة بين نساء شوارع الشانزليزيه مهما كان فارق السن وبين مثيلتها في بلاد التقوى وولاية الفقيه تجعلها كترمومتر نقيس به الفضيلة بين العواصم ومدي تشبع الرجل بها في كل منهما.
هنا يلح علي تانية بيت الشعر لفؤاد نجم القائل:
وحي الزمالك مسالك مسالك
تحاول تفكر تهوب هنالك
تودر حايتك
بلاش المهالك
فلماذا يذهب المؤمن إذن الي الشانزليزيه اللهم إلا إذا كان راغبا أن يودر حياته ويكتشف الفارق الحضاري ومدي عنصريته واستبعاده واستعباده لأنثاه مع احتقان دائم لغدده الليمفاوية دون أي قدرة علي الإشباع لا الجنسي أو الحضاري والثقافي. الزمالك زمن الباشاوات كان بها كلب الست قال عنه نجم: جابت فوكس رومي وله ودان.
أما الشانزليزيه ففبها القانون الذي هو اشرس من فوكس وابو فوكس كمان.
elbadry1944@gmail.com
ًساركوزي فقيهاً حداثيا
Excellent article with daring ideas and concepts. When will the bedouins wake up to realize the reality of modern times vis-à-vis drinking camel’s urine as a medication. Camel’s urine may sound off the topic of El Badry’s discussion, BUT close analysis of their culture, if they have any, points to the intricate mosaic of the bedouins culture as of hejab to camels urine.
ًساركوزي فقيهاً حداثيا الأخ محمد البدري لم التقعر والتطويل والأستطراد ونثر الأفكار مشتته ومبعثرة؟ قرأت عن ساركوزي في بداية مقالك. لكنني حتى منتصف المقال لم أجد شيئا عن ساركوزي. وقصة الزمالك لم افهمها. وانت تناقش وجهة نظر انت البستها خصمك الأسلامي. المفروض ان تكون صادقا في مناقشة رأي الخصم. الصدق مع الخصم وانصاف الخصم فوز بنصف الجدال. لا يوجد امرأة تؤمن بأنها ناقصة عقل ودين في اوروبا بالشكل الذي فهمته وعرضته انت. أغلب الناشطات في قضايا الحجاب حاملات ماجستير من جامعات الغرب. وهنّ يعرفن كيف يخاطبن العقل الغربي. وهنّ أكثر معرفة بنقاط ضعف العقل الغربي وقبوله الرأي الأسلامي المناقض لفكر… قراءة المزيد ..
ًساركوزي فقيهاً حداثيا يستحق السيد ساركوزي عضوية شرف في “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” السعودية, فكلاهما لديه نزوع للتدخل فيما هو مسموح او غير مسموح بارتدائه من قبل افراد في المجتمع تتيح العولمة للفرد استشراق الرأي العام العالمي حول مسألة ما , والمساهمة العربية شحيحة هنا, ولكن هنالك أراء بالانجليزية تنشر بمعدل عشرة آراء يوميا فيما يتعلق بموقف ساركوزي هذا وكلها مستهجنة , الرأي الوحيد الذي وجدته مؤيدا هو محاولة لباكستاني لاستنباط حكم شرعي ديني؟! .. احدى مشاكل الخطاب الاسلامي باعتقادي هو (الاجابة على الأسئلة الخاطئة) وخطورة الأمر ان هذا النهج متأصل في الفضائيات العربية التي تلعب دورا اساسيا… قراءة المزيد ..