يعد التنوع أحد أهم ملامح القوي الناعمة التي يمتلكها المجتمع المصري منذ آلاف السنين، حيث لم تؤد خبرة التعايش بين المصريين المختلفين في المعتقد الديني إلي مشكلات كبري تظل عالقة بالذهنية الجمعية المتوارثة للشعب المصري، وإن لم يمنع ذلك من وجود خلافات تظهر ثم تخبو. وقد كان للتوترات الدينية، التي تكاثرت في العقود الأربعة الأخيرة أثرها في تهديد وحدة النسيج الاجتماعي المصري، وسمحت بظهور خطابات انقسامية، وتحركات طائفية، وحالات من المواجهة المباشرة علي الصعيد الاجتماعي بين مسلمين ومسيحيين علي خلفية سوء إدارة التنوع الديني.
انطلاقا مما سبق، فإن هذه الدراسة لا تعني فقط- مثل غيرها- برصد التوتر الديني، المظاهر، الأسباب، التداعيات، فضلا عن أنها لا تعيد إنتاج حديث بات مكررا في المشهد المصري وهو التركيز علي وجود مشكلات أو هموم للمواطنين المسيحيين، البعض يهون من شأنها، والبعض الآخر يضخم منها، لكنها في نهاية المطاف تظل موجودة، تتراكم علي بعضها بعضا، وسط شعور من غالبية المسيحيين أنها لا تحل، بل تتفاقم.
هذه الدراسة- تنطلق من منحي مختلف- وهو النظر إلي مشكلات إدارة التنوع الديني مباشرة في سياق السياسات العامة Public Policies، من خلال اقتفاء سيرة المشكلات، والعوامل المختلفة التي أسهمت في تفاقمها، الحلول التي أتبعت في فترات سابقة للتعامل معها، بيان أوجه الفعالية والقصور فيها، وأخيرا طرح حلول ذات طبيعية برنامجية وإجرائية للتعامل مع المشكلات القائمة في ضوء المستجدات التي طرأت علي الملف الديني، ومواقف الأطراف المتباينة علي الساحة السياسية. يٌعد ذلك مساحة مختلفة للتعامل مع الشأن الديني في المجتمع المصري، يخرجه من الأحاديث العاطفية حول الوحدة الوطنية، ووحدة النسيج المصري، وينقله إلي خارج مساحة اجترار الهموم وسط مشاعر استقطابية بالتأكيد عليها من جانب البعض ونفيها من جانب البعض الآخر، ويدشن لمنهجية جديدة للتعامل مع هذا الملف ليس بوصفه علاقات بين مسلمين ومسيحيين فقط، ولكن- وهذا هو الأهم- باعتباره مجالا مهما للسياسات العامة التي تحقق الإدارة الرشيدة للتعددية والتنوع الديني.