إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
ِ
لعل ابلغ موقف سياسي على طريقة يحيا جابر في روايته المسرحية “شو منلبُس” هو استعارة من اغنية رحبانية تحمل طابعا وطنيا، وفيها “بيّي راح مع العسكر، حمل سلاح راح وبَكَّر، بَيِّي عَلّا بيِّي عّمَّر، حارَب وانتَصَر بِعَنجَر”. وجاءت استعارة جابر لتقول “حارَب وانهَزَم بِعَنجَر”.
“شو منلبُس” رواية تؤرخ لسيرة بيوت مناضلين في الحرب الشيوعي اللبناني، من الجنوب اللبناني خصوصا، ومن سائر لبنان عموما، من الذين حملوا السلاح باكرا، في مواجهة العدو الاسرائيلي، قاتلوا واستشهدوا وأُسروا ، ومنهم من عاد من الاسر شهيدا، ومنهم من عاد معوقا، وقلة عادوا سالمين يحملون في اجسادهم وعقولهم ندوبَ الأسر والمَهانة، وفخرَ الصمود والمقاومة والنجاة.
نجاة هؤلاء المناضلين، كان يجب ان تكون تتويجا لانتصار، بعد التضحيات التي قدموها. فلم يبخلوا بأي غال ونفيس من اجل تحرير بلدهم وليس قراهم فقط، من الاسرائيليين واحتلالهم. حتى العمليات “الاستشهادية” انخرطوا فيها، مع انها تخالف ايديولوجيتهم .
يستعرض جابر بتفاصيل تستولد تفاصيل وتعيد انتاج تفاصيل كي لا يغيب اي تفصيل عن تأريخ تلك الحقبة السوداء من تاريخ البلد.
ولا يفوته تسجيل تلك الواقعة “الهزيمة” في عنجر حيث كان مقر الحاكم الفعلي للبنان، رئيس جهاز الامن والاستطلاع السوري في لبنان اللواء غازي كنعان، حيث استدعى كل من الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي والمسؤول العسكري للحزب، ومهندس العمليات العسكرية ضد جيش الاحتلال الاسرائيلي، الياس عطالله ليبلغهما بضرورة وقف العمليات العسكرية ضد الاسرائيليين وعدم القيام بأي عملية ما لم تحصل على موافقة غازي كنعان.
هنا كانت الهزيمة، حيث بات الشيوعيون في الجنوب بين نارين، نار الاسرائيليين من جهة، ونار الحلفاء الاعداء من جهة ثانية. فـ“يوسف سلامة” بطل الرواية، مناضل شيوعي تعرض للاعتقال على يد الاسرائيليين، وتنقل بين معتقلات “مدرسة النبطية” و”معتقل انصار” ومعتقل داخل الاراضي الاسرائيلية، ليفرج عنه لاحقا. ويجد ان قريته “النهر” في جنوب لبنان، لم تعد تتحمله بعد “هزيمة عنجر“، فيتعرض لمحاولة اغتيال، على يد مسلحين، كان جابر أشار اليهم، بتطويق “يوسف” العائد من المعتقلات الاسرائيلية، بعلمين “اخضر” وهو علم حركة أمل، وأصفر وهو علم “حزب الله“.
نجا يوسف من محاولة الاغتيال واتهجر من قريته “النهر” الى محلة “الرميلة” بين الجنوب وبيروت، حيث تجمع الشيوعيون امثاله، وسواهم، بقيادة الياس عطالله لمواصلة النضال ضد ….
جابر يسرد معاناة العائلة، بين العودة الى القرية، والعيش مهجرين في بيت صادروه في الرميله، لينهي سيرة المناضل “يوسف” في سويسرا، لاجئا ام نازحا ام مهجرا، لا فرق.
أنجو ريحان ابدعت منفردة في سرد الرواية، ربما لانها كريمة مناضل شيوعي جنوبي من قياديي الحزب العريق. وعانت ما عاناه سائر افراد عائلات الشيوعيين من عسف وجور وظلم ملاحقات الثنائي المتحكم بقرار الجنوب حينها ولبنان كله لاحقا، فكانت تسوقنا الى البكاء حينا، وإخراج ضحكة حينا آخر
أنجو ريحان تألقت على عادتها. نقلت الينا احاسيس ومشاعر حقيقية وصادقة لا تمثيل فيها، بل نابعة من القلب المقهور، ومن الانسان الذي خسر كل شيء ولم يعد لديه ما يخسره، وما زال متمسكا بحب الحياة.