يبدو جلياً أن «نواب ورقة القيم العتيقة» يسعون جاهدين، وسط سكوت حكومي وصمت نيابي واضح، إلى تطبيق رؤاهم، وخنق أية مظاهر فرح قادمة، وتحويل الكويت إلى ما يشبه سرادق حزن وكآبة!
ففي خطوة متشددة ضد الحريات، صوبت «اللجنة السلبية لمحاربة الظواهر»، عبر أحد ممثليها، سهامها تجاه الحفلات، داعية إلى التشدد معها، وعدم الموافقة على إقامتها.
كما أكد عضو آخر في اللجنة أن هناك قوانين رادعة ستقدّم قريباً لكل من تسوّل له نفسه الانحراف والفساد الأخلاقي.
وقال عضو ثالث، فيما يبدو أنه سباق على الفوز بدرع التشدد، إن اللجنة ستحارب ما يروّج له من أمور مخالفة للشرع!
وطالب رابع وزيري الإعلام والتجارة بالوقوف أمام مسؤولياتهما، وردع كل من تسوّل له نفسه الإضرار بصورة المجتمع الكويتي المحافظ!
يبدو جلياً أيضاً أن من يسمون أنفسهم بالنواب المدنيين، أو غير المتشددين، لن يجاهر غالبيتهم، عدا واحد أو اثنين، بالتصدي لهؤلاء، وضوضائهم أو لتخريبهم، بل سيصمتون، أو سيعارضون فُرادى، وبصوت منخفض غالباً، وهذا يعني أن الكويت ستتحول تدريجياً إلى مجتمع شديد المحافظة منسجم مع قيم جزء منه، وستداس قيم الدولة التاريخية، قيم الغالبية، المتعلقة بالانفتاح على الآخر، والليبرالية، المجتمعية والتجارية، وستلتزم الغالبية، والأطراف الأقوى بالصمت، وكأن الأمر لا يعنيها، طالما أن بإمكانها توفير ما تريد وقت ما تشاء، وترك الأمة تحل مشاكلها بنفسها!
***
طالما تمسكنا بأسرة الحكم، وأحببنا قادتنا،
وكما قال ممثل الحركة الوطنية الليبرالية، المفترض، المرحوم عبدالعزيز الصقر، في كلمته في المؤتمر الشعبي في جدة: «بأن مبايعة الكويتيين لآل الصباح لم تكن يوماً موضع جدل لتُؤكد، ولا مجال نقد كي تتجدد، ولا ارتبطت بموعد كي تُمدد، بل كانت تعاوناً قائماً واتفاقاً، واستمرت محبة واتساقاً، وتكرست دستوراً وميثاقاً»!
وهذا شعور الشعب الكويتي كله تجاه آل الصباح، ومن هذا المنطلق نتمنى عليهم، من موقع «الميانة»، التدخل وإنقاذ ما تبقى من سمعة الدولة، فكل ما بني بين الأسرة والشعب من تقاليد معرّض للانهيار أمام هذا التيار القبلي والطائفي المتحالف مع القوى الدينية المتشددة، الذي سينشر الحزن والكآبة، وسيلحق الضرر الكبير بالحريات وبثقافة المجتمع، وسيدمر كل شيء ويخرّب على يد أعضاء «الهيئة العليا المسيئة»، بدعم من القوى المتشددة، والأخرى الساكتة، وسنندم على سكوتها، وعلى القوانين التي ستتقدم بها.
لقد آمن القطاع الأفضل من الأمة، تعليماً وفهماً والأوسع انتشاراً، بدستور 1962 يوم صدوره، أملاً في أن يكون القاطرة التي ستنقلنا للقرن الحادي والعشرين، وما بعده، سواء من خلال الاستمرار في جني ثمار حرياتنا، وتزايدها مع الوقت، أو من خلال تشريعات مكملة تقربنا، كدولة وشعب، إلى مصاف الدول المتقدمة. فإن كانت مخرجات هذا الدستور الحالية والمستقبلية لا تضمن هذا الأمر، فما الداعي لاستمرارنا في التمسك به؟ وبالتالي فالحل الوحيد هو في عدم الالتفات كلياً إلى كل مطالبات التخلف، وأن تتجه الدولة بقوة نحو مزيد من الانفتاح، فهكذا كانت الكويت طوال تاريخها، ولا يجوز أن تأتي فئة شبه طارئة وتفرض علينا طريقة حياتها ورؤاها!
a.alsarraf@alqabas.com.kw