نسي شيخ الإسلام ان المسؤولين الايرانيين يرددون في كل مناسبة ان ايران تحكم اربع عواصم عربية منها بيروت، غير آبهين للشعب اللبناني وعزته.
اما الود الذي ابداه مستشار المرشد الايراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي تجاه الحريري وإعلانه من السرايا ضم لبنان الى محور الممانعة المنتصر في المنطقة، فقد غاب غيبته الكبرى بعدما ذكرت وكالة “فارس” أن الحريري طرح في اللقاء طلب السعوديين من ولايتي أن تمتنع إيران عن دعم الشعب اليمني المظلوم وأن تحسن علاقاتها مع الدول الأعضاء في مجلس التعاون للخليج الفارسي، فرفض ولايتي الذي لم تشِِ ملامحه بما جرى وهو في السرايا مغتبطا بسيطرة بلاده المطلقة على الذراع اللبنانية.
قبل ذلك، عزة الشعب اللبناني بقيت بألف خير مع تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن القرارات الحاسمة في العراق وسوريا ولبنان وشمال افريقيا والخليج الفارسي، لا تُتخذ من دون اخذ الموقف الايراني في الاعتبار.
التعليقات الإيرانية لا تمس عزة الشعب اللبناني عندما تعتبر “أن استقالة الحريري والاتهامات المكررة الواهية هي سيناريو صهيوني سعودي أميركي لتأجيج التوتر في لبنان والمنطقة”.
كذلك الامر عندما تتهم الحريري بأنه “يلعب في أرض هؤلاء الذين يضعون خططا ضد المنطقة”. وكأن الحرس الثوري الإيراني يقوم بجولات سياحية من بغداد الى صنعاء الى دمشق.
الامر طبيعي، فالظاهر ان المسؤولين الإيرانيين لم تصلهم أخبار واقعة “حيّ السلّم”، ولم يعلموا ان العزّة خرت صريعة بعد ارغام مواطنين غاضبين على تقديم الطاعة لنعل يفتح الطريق الى الملكوت. او لعل تفاصيل الواقعة وصلت اليهم فاطمأنوا الى المصادرة الكلية للبلد، لذا سارع ولايتي الى الإعلان عن ضمّه رسمياً الى محوره.
في المقابل، يبدو ان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله لا يزال مطمئناً ويريد ان يطمئن مرجعيته في إيران الى ان الذراع لا تزال ملتزمة محرّكها، لذا لم نر “ردود فعل عفوية” في الشارع كما جرت العادة عند كل تصريح يمس الرموز المقدسة للبيئة الحاضنة.
لا تظاهرات، لا احراق دواليب، ولا شتائم علنية في الشارع.
الامر مفهوم، فنصرالله لم يرَ في الأوضاع الداخلية ما يدعو الى استقالة الرئيس سعد الحريري.
لم يأت في باله ان ما سمعه الحريري من ولايتي ربما دفعه الى الاستقالة. جل ما رآه ان الاستقالة فُرِضت لتخلق مشاكل في لبنان، وكأن لا مشاكل تنسف السيادة والأمان في الربوع اللبنانية.
نصرالله دعا الى الهدوء متبنياً نظرية وضع الحريري في اقام جبرية وقال: كنا نرى ان الامور تسير بشكل معقول والكل يلتقي في الحكومة وتتم مناقشة مختلف المسائل المطروحة ونعتقد ان الحكومة كانت تملك القدرة على الاستمرار ومراكمة الانجازات حتى اجراء الانتخابات النيابية المقبلة.
تجاهل نصرالله ان المسائل الخلافية ممنوع ان تناقش في الحكومة التي لا يمون رئيسها على وزير ينتمي الى محور الممانعة ويخدم مصالح هذا المحور على حساب لبنان وحكومته وشعبه.
لم يكن يرى في رئيس الحكومة الا موظفاً لتصريف اعمال البلاد، اما سياسة الدولة العليا، فهي حكر على ما تقرره الهيمنة الإيرانية على لبنان.
تجاهل نصرالله ان الأسباب الموجبة لاستقالة الحريري، او أي رئيس حكومة، مصدرها حزبه الذي ينسف السيادة ويفتح حروباً على حسابه يدفع ثمنها اللبنانيون، سواء آمنوا بولاية الفقيه ام لا.
اعتبر ان لا شيء حدث، وطمأن إلى أن لا شيء سيحدث.
لم ير في الاستقالة الا املاءً سعودياً يمس سيادة لبنان. ربما هو على حق في ما يراه، فالامور تسير بشكل معقول في البلد كما يريده الممانعون تحت الهيمنة الإيرانية.
لذا لا همّ لديه اذا ما بدأ تفعيل العقوبات الاميركية المرتقبة على “حزب الله” التي قد يتأذى منها الاقتصاد اللبناني الواقف أصلاً على صوص ونقطة.
أكثر من ذلك، أوحى بأن الاستقالة لا تستحق أي تصعيد. والمستقيل لن يؤثر على مشاريع الممانعين الاشاوس. على أي حال بعد تسهيله وصول عون الى بعبدا، لا يهمّ بقاء الحريري او غيابه. فالفراغ السياسي الذي فرضه “حزب الله”، طوال ثلاثين شهراً، انتهى وانتهت مفاعيله على السيادة، ولا لزوم للحديث عن السلاح خارج الشرعية على اعتبار اننا تعوّدنا.
التبسيط الذي اعتمده نصرالله في مقاربة استقالة الحريري ليس مستغرباً، ولا سيما بعدما مهّدت له جوقة الزجل المعطيات التي تناولها في كلمته، وفق اساليبها المعتادة المعتمدة على الشتم والاتهامات ونشر الشائعات.
الاحلى هو البعد العلمي في القراءة والتحليل. كأن يركز زجّال على تقاسيم وجه الرئيس سعد الحريري وهو يتلو بيان الاستقالة، وآخر يسأل عن حركة الفتح او الكسر في آخر الكلمة ليؤكد ان الحريري يتلو بياناً مفروضاً عليه.
وهناك من يطالب المجتمع الدولي بتحرير الحريري من معتقله السعودي. وهنالك من يستخف بإشارة الحريري الابن الى الأجواء المشابهة لتلك التي رافقت اغتيال والده الشهيد وقوله انه “لمس ما يحاك في الخفاء لاستهداف حياته”.
الانكى ان يتطرق نصرالله الى الموضوع ويطالب بمساءلة من تحدث عن خطر عودة الاغتيالات. كأنه لا يعرف معنى فعل الاغتيال من أساسه، على اعتبار ان المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الشهيد رفيق الحريري ورفاقه صارت من التاريخ.
وكأن الهدف هو حشر الرجل ليخرج ويثبت انه ليس في إقامة جبرية، ويصبح هدفاً سهلاً لـ”سيناريو صهيوني سعودي أميركي لتأجيج التوتر في لبنان والمنطقة”، ما يذكّرنا بسيناريو مماثل استهدف الشهيد جبران تويني. وهات يا بقلاوة على مفارق الضاحية… تكريساً لعزة الشعب اللبناني.
sanaa.aljack@gmail.com
النهار