هناك مقولة معروفة لعالم الاقتصاد الامريكى الشهير ملتون فريدمان تقول ” لا توجد وجبة بدون مقابل… هذه هى خلاصة نظريتى الاقتصادية والباقى مجرد تفاصيل”، وهذه المقولة هى خلاصة لنظرية اقتصادية اساسية فى علم الأقتصاد خلاصتها إنه لا يوجد اقتصاد بدون سعر،أى إذا غاب مفهوم السعر ينتهى ما يسمى بعلم الاقتصاد، أهم سعر فى علم الاقتصاد هو سعر الفائدة. ولكن ما يسمى بالاقتصاد الإسلامى لا يعترف بسعر الفائدة ومن ثم يمكن أن نسميه أى شئ إلا أن نطلق عليه اقتصاد ، فهو نظام بدائى لا يمت لعلم الاقتصاد بصلة، وما يقال عن الاقتصاد الإسلامى يقال عن كل أوجه أسلمة الحداثة ومصطلحاتها.
المشكلة الأساسية تكمن فى تعامل المسلمين مع الحداثة،فهناك فريق من المصلحين المسلمين حاولوا تحديث الإسلام والتوفيق بينه وبين الحداثة مثل رفاعة الطهطاوى ومحمد عبده وغيرهم ولكن جهودهم لم تنجح فى ذلك ، وهناك من حاول تحييد الثقافة والتراث الإسلامى بالقوة لكى تسير دولته فى طريق الحداثة بدون معوقات وحتى يتأقلم المسلمون مع الحداثة مثل اتاتورك ولكن التجربة متعثرة رغم مضى أكثر من ثمانين عاما عليها، أما الفريق الثالث وهو الاكبر والاوسع انتشارا والاكثر تأثيرا ونفوذا وتغلغلا فهو الفريق الذى عمل بجدية على أسلمة الحداثة وتشويهها.
فرغم أن محمد على بذل جهدا كبيرا فى بناء مصر الحديثة ،وحاول التأقلم مع الحداثة إلا أن ظهور جماعة الاخوان المسلمين عام 1928 مثل نكسة خطيرة لدولة محمد على، وبعد صدام الاخوان مع عبد الناصر وهروبهم إلى السعودية ، تحالف الإسلام الوهابى الحنبلى البدوى المتزمت مع الإصولية الإسلامية المصرية فى شقها الراديكالى وسعوا ليس فقط لاسلمة الحداثة وإنما لاسلمة العالم ايضا. ومع ارتفاع اسعار البترول اثر ازمة 1973 توفرت اموال طائلة لهذا التحالف الشرير.
وبدأت تهل على المجتمعات الإسلامية نتائج اسلمة الحداثة مثل:
■ أسلمة الزى
وقد أصبح الزى الإسلامى عنوان المرحلة وأحد نتائج ظهور الإسلام السياسى، فالزى الإسلامى هو رمز المرحلة التى امتدت من عام 1973 وحتى الآن وتسميها د.هالة مصطفى ” المرحلة السعودية”.
■ الاقتصاد الإسلامى والبنوك الإسلامية
ومن عجائب الامور أن هذه البنوك التى تجمع اموال المودعين من آجل تحقيق النقاء الإسلامى المزعوم تودع هذه الاموال فى بنوك غربية وفقا للنظام المتعارف عليه دوليا لسعر الفائدة، كما أن وثائق 11 سبتمبر اثبتت تورط عدد من هذه البنوك الإسلامية فى عولمة الإرهاب الإسلامى.
■ التعليم الإسلامى وأسلمة التعليم الرسمى
ويكفينا أن نقول أن احصائيات 2001 أظهرت وجود 39000 تسعة وثلاثين الف مدرسة إسلامية فى باكستان وحدها، وفى مصر يشكل التعليم الإسلامى 22% من التعليم العام علاوة على آلاف المدارس الإسلامية الخاصة وأسلمة التعليم الرسمى، وفى السعودية يغلب نمط التعليم الدينى على معظم التعليم هناك، ولهذا ليس بمستغرب أن تشكل السعودية وباكستان ومصر المراكز الرئيسية للإسلامية الدولية ومراكز تفريخ الارهابيين والفكر الارهابى عالميا.
■ الطب الإسلامى
مثل التداوى بالاعشاب البدائية والحجامة والطب النبوى والتداوى ببول البعير، وبالطبع هذا العلاج البدائى الضار مخصص فقط للغلابة والبسطاء والمهوسيين دينيا، أما من يروجون للطب الإسلامى فهم انفسهم وجوه مألوفة فى اكبر مستشفيات العالم مثل هوبكنز ومايو كلينك وكليفلاند سنتر ومصحات لندن وباريس.
■ التوسع الكبير فى المنظمات الإسلامية
مثل رابطة العالم الإسلامى، منظمة الغوث الإسلامية، منظمة المؤتمر الإسلامى، منظمة الشبيبة الإسلامية، منظمة الثقافة والعلوم الإسلامية… ولعل أحدث هذه المنظمات هى الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين والذى يرأسه يوسف القرضاوى وامينه العام محمد سليم العوا وهو منتج قطرى لمنافسة السعودية فى حقل الأسلمة.
أضف إلى ذلك هناك الكثير من منتجات اسلمة الحداثة مثل أسلمة الإعلام، القوانيين الإسلامية وأسلمة القضاء،إنتشار دار النشر الإسلامية لدرجة أن معظم الكتب فى معرض القاهرة الدولى للكتاب هى كتب إسلامية تباع بأقل بكثير من سعر التكلفة ، أسلمة العلوم، الانتشار الواسع للثقافة الإسلامية السلفية، العداء السافر للدولة القومية،إنتشار المطاعم الإسلامية واصبحت كلمة حلال من الكلمات المألوفة فى مناطق تجمع المسلمين فى الغرب، أما اغرب ما رأيته فهو مطعم إسلامى فى حى الهرم بالقاهرة يقدم كباب وكفتة إسلامية رغم ان كل المطاعم حوله يملكها مسلمون وتنحر ذبائحها على الطريقة الإسلامية، علاوة على الانفجار فى الفتاوى الإسلامية لمحاصرة المسلم فى كل شئون حياته بالرؤية السلفية.
أما احدث منتجات أسلمة وتشويه الحداثة فهو مفهوم ” الديموقراطية الإسلامية”، وهو مصطلح مثله مثل الآقتصاد الإسلامى لا يمت بصلة للديموقراطية الحقيقية، فما تسمى بالديموقراطية الإسلامية تعادى الحريات وخاصة الحريات الدينية وحرية الإبداع، وتعادى العلمانية ،والسلام ،والتنمية، والعقلانية، والحداثة ،والانفتاح، والفصل بين الدين والدولة، والمساواة بين المسلم وغير المسلم، والليبرالية. فماذا تبقى من قيم الديموقراطية الحقيقية ولم تعاديه ما تسمى بالديموقراطية الإسلامية؟، وهل يمكن أن يسمى هذا الكائن المشوه ديموقراطية؟.
ولكن لماذا ظهر مفهوم الديموقراطية الإسلامية؟
فى السنوات الاخيرة وخاصة بعد 11 سبتمبرتردد فى الغرب أن هناك تعارض بين الثقافة الإسلامية والديموقراطية فقد ذكر صمويل هنتنجتون فى كتابه الشهير “صدام الحضارات” ،” الثقافة الإسلامية تفسر إلى حد كبير فشل قيام الديموقراطية فى أماكن كثيرة فيما يسمى بالعالم الإسلامى”. ويرى عالم السياسة جون هول أن الإسلام دين توحيدى ذو وجه قبلى ينتج نظاما اجتماعيا لا يمكن أن يسند سلطة سياسية ،ولذلك تنتج المجتمعات الإسلامية دولا ضعيفة ومجتمعات مدنية ضعيفة ولا تنتج ديموقراطية فهى فى حالة خضوع وإذعان لإرادة فوقية الهية تسوق الجماعة فيها الفرد للخضوع الإجبارى لهذه الإرادة.
وأيضا يتردد صعوبة الاصلاح الإسلامى منذ مقولة لورد كرومر “إصلاح الإسلام معناه نهايته” والتى أكدها ووافق عليها د. جلال امين فى مقالة له بجريدة الحياة بعد 11 سبتمبر.
ولهذا تكثف الحديث عن مفهومى الإصلاح الإسلامى والديموقراطية الإسلامية بعد 11 سبتمبر. وفى حين أن الطب الإسلامى والشعوذة والمداواة بالحجامة وبول البعير موجه اساسا إلى الداخل الإسلامى، فإن مفاهيم الإصلاح الإسلامى والديموقراطية الإسلامية موجهة اساسا للغرب. وقد شاهدت بعد 11 سبتمبر داعية إسلامى مصرى معروف يعيش فى كاليفورنيا يتحدث إلى ال س. ان. ان عن الاصلاح الإسلامى بلغة أقرب إلى ثقافة الديموقراطية الغربية وشاهدت نفس الشخص يتحدث إلى التليفزيون المصرى بعدها بأيام بلغة اقرب إلى لغة المتطرفين.، وهكذا فإن الكثير من دعاة الإصلاح الإسلامى المعاصرين لا يوجهون جهودهم إلى تغيير الثقافة الإسلامية فى الداخل وإنما تجميل وجه هذه الثقافة فى الغرب.
أما الديموقراطية الإسلامية فهى دفاع ذاتى يقول أن الإسلام لا يتعارض مع الديموقراطية، ولكن الخطير إنها تستخدم كغطاء لاقناع الغرب بإشراك الأسلام السياسى فى
الحكم بما فى ذلك الوصول إلى قمة السلطة، ولهذا تم تأسيس منظمة الإسلام والديموقراطية فى العاصمة واشنطن وليس فى الرياض أو قندهار.
وفى حين أن العلاج بالحجامة وبول البعير يتصدى له فى الداخل الإسلامى شيوخ ومشعوذون فإن الحديث عن الديموقراطية الإسلامية يتصدى له فى الغرب شخصيات اكاديمية وناشطون بارزون من الشرق الأوسط، وفى النهاية تلبس الديموقراطية عمامة إسلامية فى موجة جديدة لخداع الغرب وخداع العالم.
لا يوجد شئ إسمه ديموقراطية إسلامية أو ديموقراطية مسيحية أو يهودية كما إنه لا يوجد اقتصاد مسيحى وإسلامى ويهودى. ممكن أن نقول المسلم الديموقراطى مثل المسيحى الديمواقراطى لأن كل الاديان بها من يؤمن بالديموقراطية ومن لا يؤمن، أما الكلام عن الديموقراطية الإسلامية فهو مجرد كذبة جديدة وخداع وتضليل للعالم، والإسلاميون الذين يريدون ان يحكموا بلادهم بمفهوم الديموقراطية الإسلامية هم فى الواقع يريدون معالجة مسائل شائكة وغاية فى التعقيد بالحجامة ، فمعالجة الأوضاع السياسة المتردية فى المجتمعات الإسلامية بما يسمى بالديموقراطية الإسلامية لا يختلف كثيرا عن معالجة الأمراض المستعصية بشربة الشيخ محمود أو ببول البعير.
فى معرض القاهرة للكتاب فى يناير 2006 شاهد أحد اصدقائى طابورا طويلا يقف متلهفا لشراء زجاجة من بول البعير.
وفى السادسة من مساء 29 يونيه 2007 كنت فى أحد المولات فى واشنطن وشاهدت طابورا طويلا يصطف للحصول على أحدث تليفون محمول يسمى I Phone
والذى أطلقت الشركة المنتجة له بيعه فى تمام السادسة من مساء ذلك اليوم.
I Phone هو تليفون يمثل أحدث صيحة فى عالم التكنولوجيا به ذاكرة حجمها ستين جيجا بايت تستطيع أن تخزن عليها آلاف الاغانى والصور وتشاهد عليه أحدث الأفلام وأن تستخدمه ككمبيوتر لتطلع على رسائلك الالكترونية فى أى وقت وأى مكان وكل ذلك عبر شاشة حساسة تعمل بالتتش اسكرين.
الفرق بين طابور بول البعير وطابور هذا التليفون هو الفرق بين مجتمع أسلمة الحداثة ومجتمع تقديس العلم والفصل بين الدين والدولة والسياسة، ولا علاج للمجتمعات الإسلامية إلا بالفصل بين الدين والدولة وخلاف ذلك تبقى الديموقراطية الإسلامية أداة تخريب …. ونموذج حماس ليس ببعيد.
magdi.khalil@yahoo.com
وهم الديموقراطية الإسلامية
لو حذفت الواو من العنوان لأستقام المعنى.