ولا عزاء للمتضررين في مسلسل الأخطاء الطبية !!

1

تحفل صحفنا المحلية بأخبار مفجعة عن أخطاء طبية فاحشة ترتكب آناء الليل وأطراف النهار، كما تمتلئ صناديق بريدنا الالكترونية بصورة شبه يومية بتلك الأخبار الصادمة الدالة على الاستهانة بالروح البشرية ، وذلك من قبل بعض من يفترض أنهم الأمناء عليها والحريصون على مداوة عللها وبرء أمراضها ! فإذا بالطبيب يتحول إلى جزار ، وتلتف اليد التي يفترض فيها الحذق والمهارة والقدرة على إزالة الآلام واجتثاث الأمراض على عنق المريض لتقضي على حياته أو لترتكب أخطاء لا يمكن إصلاحها بأي حال من الأحوال، لتتحول حياة المريض إلى كابوس مرعب ليس له نهاية ، يتمنى معه لو قضى نحبه ومات بكرامته بدلا من ذلك الإحساس الممض بالعجز وعدم القدرة على ممارسة تفاصيل حياته اليومية !

عشرات القصص التي تقشعر من هولها الأبدان وتشمئز من بشاعتها النفوس ، فهاكم قصة عبير التي أسلمت روحها وهي تهب الحياة لابنها نتيجة لأخطاء فادحة من القائمين على عملية الولادة التي قيل لوالدة عبير فجأة أنها ستكون قيصرية ! وقد تم التعتيم على طبيعة تلك الأخطاء من قبل المستشفى التي احتجزت جثة عبير في ثلاجتها لمدة 15 يوما . وقد تبين لاحقا أن طبيبة التخدير لا تملك تصريحا لممارسة المهنة ، كما أتضح أن طبيبة النساء والولادة لا تملك هي الأخرى تصريحا لممارسة المهنة ، وقد أغلقت وزارة الصحة ذلك المستشفى الخاص الكائن في حي بني مالك بجدة ، وقد أثبتت التحقيقات بعد ذلك أنه قد تم إغلاق ذات المستشفى من قبل مرتين نتيجة لأخطاء طبية جسيمة ثم أعيد فتحه ! ولا أدري لماذا يعاد فتحه دون التثبت من إمكانياته وكفاءة أطبائه ودون أن يتعرض مرتكبي تلك الأخطاء لعقوبات قاسية تردع كل من تسول له نفسه الإهمال أو التهاون بصحة عباد الله ؟ و من يضمن لنا أن ذلك المستشفى لن يعود ليشرع أبوابه لجز أعناق المرضى الأبرياء مرة أخرى ؟! كما سبق أنه أعيد فتحه من قبل مرتين وليس مرة واحدة !

لا يزال عبد الله مولود عبير يبحث بفيه عن ثدي أمه وعن دفقات حنانها ونفح عواطفها ، بينما تلهب رؤيته قلب أمها المحترق على ابنتها الشابة التي قتلت بتلك الطريقة البشعة !!

عشرات وعشرات القصص لا تحدث فقط في المستشفيات الخاصة ولكنها أيضا تحدث في المستشفيات الحكومية الكبيرة ، وأحدثها ولا أعتقد أنه سيكون آخرها قصة رجل متوسط العمر دخل إلى مستشفى الحرس الوطني بجدة لإجراء عملية قلب مفتوح وهو متفائل منشرح ، كونه سيستعيد صحته خاصة وأن عملية القلب المفتوح أضحت من السهولة بمكان كما أن نجاحها غالبا مضمون . ولكن يد الإهمال العابثة أعادت فتح قلبه فور انتهاء العملية بعد أن نسي الجراح استبدال شريان مسدود ، وأدت إعادة فتح قلبه تلك إلى فشل الكليتين في أداء وظائفهما وما لبث الرجل أن قضى نحبه تاركا زوجة مكلومة وأبناء محزونين على أبيهم الذي اقتلعته يد الإهمال والتهاون من أحضان أسرته ليوارى الثرى بين دموع أهله وفجيعة ذويه !

عشرات الحالات والجرائم التي تحدث كل يوم والتي يقرر الأهل فيها أن يلتزموا الصمت وأن يتجنبوا الشكوى والمساءلة ، ثم يزدردون ألآمهم وإحساسهم بالقهر والظلم والتهاون والإهمال ، ويمضون وهم لا يفكرون في محاسبة أو مساءلة المتسببين في تلك الأخطاء القاتلة !! يضربون كفا بكف ويمصمصون شفاههم .. وكله مقدر ومكتوب وعمر الإنسان وقدره مخطوط على جبهته !! ولذلك لا داعي للمساءلة والمحاسبة فما قدره الله قد كان ولا راد لقضاء الله وقدره ، ولن تعيد الشكوى لفقيدهم حياته كما لن تعيد لمريضهم بصره الذي فقده أو إحدى حواسه أو أجهزته التي عُبث بها نتيجة لأخطاء في العلاج .. وهلم جرا !! وتتفشى الأخطاء الطبية وتزداد حدتها وترتفع وتيرتها ، فمن أمن العقوبة زاد في الإهمال وتهاون في الأداء ، رغم قدسية المهنة وثقل الأمانة الملقاة على كاهله . ولا ينكر القضاء والقدر مسلم ولكن الإيمان بهما لا يعني ترك المهمل دون محاسبته أو التغاضي عن الأخطاء ، بل إن تعاليم الدين نفسها تقتضي أن يحاسب كل مخطئ على خطئه ، ولذلك يتوجب فك الاشتباك ما بين مفهومي المحاسبة على الأخطاء وبين الإيمان بالقضاء والقدر .

والقضية في تقديري تتبلور في أن مفردتي المساءلة والمحاسبة غير موجودة في معجمنا الثقافي ، وفلسفة المطالبة بالحقوق وتحرير الشكاوى والتعويض عن الأخطاء هي الأخرى مؤودة في ثقافتنا ، والخوف يلجم الألسنة ويكبل الأفواه عن الشكوى والمطالبة بالحقوق ! والمواطن الذي اعتاد السكوت والصمت دون أن ينبس ببنت شفة حتى في حال انتهاك حقوقه ، يستمرىء السلبية ويراقب الأخطاء ترتكب والدماء تسفك والحدود تنهار دون ردود أفعال مقاومة من قبله ! والمواطن الغارق في لجج اليأس من عقوبات رادعة للمهملين والمتجاوزين لا بد أن يفضل السكوت والصمت على تحرير الشكاوي ومحاسبة المسؤلين ، فحتى لو تجرأ وطالب بعقوبة المخطئ فغالبا لا يتساوى العقاب مع حجم الخطأ أو الجريمة المرتكبة !

والقضية خطيرة وشائكة وتتداخل فيها الكثير من الجوانب الهامة ، وتحتاج منا إلى نظرة ناقدة مشّرحة لذاتنا ولثقافتنا ولمنظومتنا السياسية والاجتماعية لنحاول الخروج من أفلاك السلبية ودوائر اللامبالاة ، وتقتضي منا أن نغرس في أبنائنا منذ نعومة أظفارهم الإحساس بالمسؤولية والشجاعة في مقارعة الظلم وأن لا يخافوا في الحق لومة لائم ، فلا يجب أن يكون هناك أحد فوق المساءلة والمحاسبة . كما يتعين علينا أن نمهد الأرض لزرع ثقافة الحقوق والواجبات ، فالمواطن الذي اعتاد على السكوت عن حقوقه بالمقابل لا يؤدي ما عليه من واجبات ، والحقوق والواجبات ليست إلا سلسلة تتضافر مع بعضها البعض لتكون منظومة يتم بها تحقيق العدالة وإعطاء كل ذي حق حقه .

وأنا أهيب بالمسئولين في وزارة الصحة من خلال هذا المنبر أن يتصدوا لمرتكبي الأخطاء الطبية ، وذلك بتنصيص عقوبات رادعة يأتي على رأسها الحرمان من ممارسة مهنة الطب نهائيا في حال إثبات الخطأ والتهاون ، وأن لا يسقط الحق العام فيما لو سقط الحق الخاص عن طريق عفو أهل المريض ومسامحتهم للطبيب المخطئ والمستشفى القائمة على العلاج ، حتى يتسنى لنا إيقاف هذا المسلسل الدامي للأخطاء الطبية !

Amal_zahid@hotmail.com

1 تعليق
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
السيد الهاشمي
السيد الهاشمي
16 سنوات

ولا عزاء للمتضررين في مسلسل الأخطاء الطبية !!
عندما تدفع رواتب بقيمة اللوز فلا تتوقع عاملين غير القرود

وزارة الكحة كما وضح من حالة مستشفى بني مالك ليس عندها متابعة و انظمة مراقبة و انما هي تعمل لمضايقة الاطباء السعوديين العاملين بالقطاع الخاص و التضييق عليهم في كل أمر

و سؤال أخير لماذا لا تعمل وحدة علاج الحروق في مستشفى الملك فهد العام بجدة ( أكبر مركز لعلاج ضحايا الحوادث و الاصابات في جدة) منذ اكثر من ستة أشهر؟

فقط لتجديد البويات و تحسين المظهر و الحصول على شهادة تقدير للاداري النابغة

السيد الهاشمي
hashim@balkhy.com

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading