«ليست أقوى الأنواع هي التي تعيش، ولا الأكثر ذكاءً، بل الأكثر استجابة للتغيير».
(تشارلز داروين 1809 ـــ 1882)
* * *
لم يتطلب الأمر أكثر من فيروس لتظهر حقيقة أوضاع العالمين العربي والإسلامي وبقية العالم الثالث، وحقيقة أوضاع الدول المتقدمة.
انقسم العالم، خلال نصف القرن الماضي لدول غنية بالمال، وتفتقد كل شيء آخر، ومثال ذلك الدول النفطية وغيرها. ودول ثرية بالأموال وقوية بعلومها وخبراتها وتراكم الثقافة لديها، وعراقة جامعاتها وحداثة صروحها البحثية وتقدم مختبراتها، ومثال ذلك العالم الغربي، مع دول كاليابان وسنغافورة.
قامت دول المجموعة الأولى، النفطية الثرية، التي تفتقد كل شيء تقريباً، بالاستعانة بعشرات ملايين الأيدي العاملة والخبيرة من دول العالم الثالث، الفقيرة غالباً، للقيام بمهام بناء وإدارة المصانع وتعبيد الطرق وبناء المصافي والمستشفيات، وغيرها من الأعمال والخدمات.
كما احتاجت الدول الغربية عشرات الملايين من الأيدي العاملة من نفس الدول لتلبية احتياجاتها وأداء مختلف المهن والوظائف، بسبب نقص الأيدي العاملة فيها نتيجة هبوط معدل المواليد لديها، وحاجتها لتجنيس المهاجرين لها لتعديل تركيبتها السكانية المعرّضة للتآكل.
وبالتالي، عاش نصف سكان العالم تقريباً على النصف الآخر في تغطية مصاريف معيشته، من خلال ما يتلقاه من أجور، أو ما تتلقاه دولهم من مساعدات مالية وغذائية.
* * *
فشلت مجموعة الدول النفطية الريعية الثرية، مع استثناءات نادرة، خلال السنوات الخمسين الماضية في خلق قاعدة، يمكن الاعتماد عليها اقتصادياً مستقبلاً، واستمر اعتمادها الكلي على استخراج النفط وبيعه. وسبب تصرفها يعود لقلة إدراكها، وإن ثروتها غير قابلة للنضوب، قريباً على الأقل من جهة أخرى. ولأن حكومات هذه الدول لم تولِ «الدنيا» ما يكفي من أهمية، بقدر ما أولته من أهمية لما بعدها، والأدلة على ذلك كثيرة. فأكثر ما تحتاجه الدول المتخلفة هو إنشاء دور العلم والتربية والصرف عليها بسخاء، لكن جميعها تقريباً أولت أهمية أكبر لدور العبادة، التي لا يستفاد منها لأكثر من ساعة في اليوم، ومع هذا تبلغ أعدادها عشرات أضعاف الأولى ويُصرف عليها (نسبياً) أكثر بكثير مما يُصرف على أي نشاط تعليمي أو علمي، علما بأن الصلاة، وكل عبادة أخرى، يمكن أن تؤدى في البيت بطريقة رائعة، لكن لا يمكن إجراء الأبحاث والتجارب من داخل البيوت!
كما كان واضحاً أثناء الأزمة مدى الاهتمام الرسمي، تحت ضغط حزبي ديني، بموضوع فتح المساجد، مع اهتمام أقل بكثير بموضوع فتح المدارس! فكيف يمكن لأي دولة أن تتقدّم وهي «تولي» التعليم كل عدم الاكتراث هذا؟
* * *
وفي ليلة وضاءة «شرفنا» فيروس كورونا وبدأ «يشلخ» فينا دولة دولة، ليكشف فساد أوضاعنا، وسوء أحوالنا وخراب سياساتنا النقدية والمالية، وإن احتياطياتنا النفطية قد تصبح قريباً غير ذات قيمة، واحتياطياتنا النقدية التي اعتقدنا أنها ستكفينا لعشرات السنين ستتآكل سريعاً، ولن ترقّع ما فتقته السياسات الخاطئة، فأموال الدنيا لن تفيد مَن أدمن وأُتلف دماغه، وتليف كبده!
وزدنا على ذلك بانشغالنا بحروبنا الداخلية والخارجية، واختلافاتنا بعضنا مع بعض ومع جيراننا، وحتى البعيدين عنا، وأصبحت أغلبية دولنا تشكو من فساد مستمر منذ عقود، لا أمل في القضاء عليه، هذا غير وباء الدكتاتوريات الدموية التي أنهكت العديد من دولنا، والانقلابات العسكرية التي قضت على ما تبقى من كرامة لدى شعوبنا، وما تسبّبت فيه الميليشيات والأحزاب الدينية من خراب في كل ركن من دولنا.
وحدها الدول الغربية، التي اعتمدت على العمل، وعملت للدنيا، كأنهم باقون أبداً، ستتغلب في النهاية على كل كارثة، وخير دليل على صحة مواقفها تعلق آمال العالم أجمع بها، وليس على الدول الأكثر تقوى، وبقدرة الدول الغربية على إنتاج مصل ينقذ الجميع من وباء فتّاك، ثم يأتي من يتهم الغرب بالتآمر علينا، وكأننا قصّرنا مع أنفسنا في هذا المجال، ولم نرحب بتآمرهم علينا!
* * *
كان الناس يرددون: علموا أبناءهم الرماية والسباحة وركوب الخيل..
واستبدلوا بذلك مؤخراً: ادفعوا أولادكم إلى الهجرة، فهناك سيتعلمون كل شيء!