من أين للحزب المتسلط هذا التفاؤل بحتمية انتصاره على اللبنانيين، الذين لا يرون رؤيته، وهُم الغالبية، مهما غالى في نظرته إلى جمهوره، ووسع بين المقاعد في ملعب “الراية” الشهير، الذي يذكر بقصر الرياضة في برلين أيام هتلر، وان كان لا يضارعه فخامة؟
تفاؤل الحزب يوحي بان فائض الاوهام لديه يفوق فائض القوة، الى حد اقتناع آله وصحبه بانه صار قوة اقليمية، يحسب حسابها في مصير المنطقة.
من علامات ذلك، التمادي في الكلام على المملكة العربية السعودية. ليس اللافت نقله رسالة كلفه بها الحرس الثوري الذي أنجبه، بل اداءه الذي يشي بانه يتخطى “التكليف” الى الاقتناع بان اكتافه صارت أعرض مما يحتمل رأسه.
لكن وهم القدرة يترافق مع عمى، عرفته كل القوى التي لا تتنبه الى دروس التاريخ. ففيما كان أمين عام الحزب يفذلك عدد ضحاياه، ويستعرض قوته الاقليمية المتخيلة، ويقرأ الاتفاق النووي بما يسوغ مزاعمه السياسية، كان رئيس منظمة الطاقة الذرية الايرانية، ووزير الخارجية السابق، علي أكبر صالحي، يبلغ الوكالة الدولية أن بلاده وافقت على اخضاع صناعتها الصاروخية والعسكرية لتفتيشها.
لم يكتف صالحي بذلك، بل كشف، ايضا، أن الدول الـ 5+1 ألزمت طهران، الى جانب التفتيش، بـ 6 شروط لم يكشف عنها.
الحزب اياه، يستمر يتجاهل المضمون الفعلي لهذا الاتفاق، والنتائج الاقليمية التي سيفرزها لاحقاً، فيهلل، كما ايران، لشعار ان التخصيب حق من حقوقها المسلم بها، ويعتم، على طريقتها أيضا، على ان التخصيب ممنوع بدرجة اعلى من 5 في المئة.
هذا الشرط هو لب الاتفاق، لكنه لا يمنع طهران وحزبها في لبنان، من التصرف على طريقة زياد الرحباني في احدى مسرحياته، حين يتكلم عن زوجته: ضربتني، بس أنا صرخت عليها.
يترك فائض الوهم للحزب اياه اتهام الآخرين بالسعي الى الفتنة، متناسيا “أفضاله” في بذرها منذ 6 شباط 1984، بمشاركة حركة “أمل”، ويمنحه شعورا بالاستعلاء يترجمه بادعاء القدرة على نصح الآخرين، من موقع التفرد برؤية المستقبل، والحرص على دعوتهم الى “قراءة المتغيرات” وافهامهم انه “جاهز للتسوية وللحرب” في آن.
لكن لماذا يستعجل الحزب، اليوم، تسوية، ويهدد بالحرب إن لم تولد، طالما أنه بهذه القوة التي يفاخر بها، ويتحكم بمصير المنطقة ومستقبلها، كما يزعم؟ ولماذا يريد التفاهم مع “الخونة وعملاء اسرائيل (واميركا سابقا) على كيفية إدارة الشأن اللبناني، طالما يرى ميزان القوى لمصلحته من الآن وحتى يوم القيامة؟
الجواب بسيط، ومنطقي، يُستلهم من حقيقة الاتفاق النووي ومزاعم طهران والحزب: فائض الوهم سيسقط قريبا، ولن يستطيع صاحبه أن يترجمه في أي تسوية داخلية، وسيجبر على الانصياع لمعادلة التوازن الوطني، شاء أو أبى.
وسيشاء!
RACHED.FAYED@ANNAHAR.COM.LB