تابعنا ندوات واستمعنا الى محاضرات بكت على الماضي ولم تفكر بما هو آت.. حدث ذلك في ذكرى قيام أول وأشهر وحدة عربية “الجمهورية العربية المتحدة” والتي لم يتجاوز عمرها ٢٤ شهراً كابدت ما كابدت حتى انفصلت وتقطعت.
وحكايتنا مع تجاربنا الوحدوية حكاية مفارقات مأساوية تستحق أن تروى فصولها بكثير من الواقعية وبقليل من دموع الحنين. فلم يلاحظ الملاحظون أن مشاريع وحدتنا تنتهي دائماً بدم ودموع وندم..
فإذا كانت نهاية وحدة “الجمهورية العربية المتحدة” قد انتهت بكثير من أنهار الدموع المسفوحة عليها الى اليوم.. فإن نهاية المشروع وحدة العراق وسوريا في العام ٩٧ وهو المشروع الذي لم ير النور قد انتهى بأنهار من دماء “الرفاق” المسفوحة في اعلان “النائب” صدام بأحكام خيانة تلتها أحكام اعدام جاهزة ما زالت وصمة عار في جبين كل من صفق وكل من هلل ومن زغرد وهو يرقص منتشياً على بقايا جثث “الرفاق”الذين تحولوا في غمضة عين الى »خونة« وتحول مشروع الوحدة
الى “مصيدة” موت واعدام.
وكذلك هو مشروع الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق حينما هتفنا ونحن صغار “بردى ودجلة ونهر النيل تلاقوا بعد فراق طويل” وهو اللقاء الذي لم يتم بل جاءت بديلاً عنه حملات اعلامية ضارية بين البلدان الثلاثة شقت الصفوف بدلاً من أن توحدها وفرقت بدلاً من أن تجمع وشرعت المعتقلات وفتحت أبواب السجون على خلفية فرز بين مؤيد لهذا القطر ومعادي لذاك القطر.. وكانت “الوحدة” مرة اخرى هي المصيدة وهي الجلاد والضحية وهي الدم المسفوك.
ولسنا بحاجة لأن نذكر أنفسنا بالنهاية المأساوية المريرة التي انتهت إليها وحدة الشطرين الشمالي والجنوبي في “اليمن السعيد” في صيف عام ٤٩٩١ حين سالت أنهار وأنهار من الدماء وتراكمت الاشلاء وسقط الضحايا بلا ثمن في أفقر البلدان العربية.. لنكتشف مرة أخرى وليست أخيرة أن “الوحدة” كانت مصيدة النهاية وكانت الضحية وكانت الجلاد وكانت الخنجر مغروساً حتى النصل في خاصرة الحلم الذي ما زال مجرد حنين عند البعض من الذين مازالوا الى اليوم قادرين على ذرف الدموع بلا حدود..!!
وحتى لا يشيع عمودنا هذا شيئاً من الكآبة ونحن نستعيد ذكرى مشاريع وحداتنا العربية المجهضة دعونا نذهب الى جانب آخر من ذكريات الوحدة المصرية السورية ونستحضر بعض الصور التى احتفظت بها ذاكرتنا البكر الأولى ونتأمل لقب “المواطن الأول” الذي اخترعته الوحدة ومنحته للرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي.. فبعد تولي الرئيس عبدالناصر رئاسة “الجمهورية العربية المتحدة” التي ضمت مصر وسوريا أطلقوا على القوتلي لقب “المواطن الأول” حتى لا يزعل.. وهو لقب برتوكولي لا معنى له على الاطلاق في تراتبية المناصب ولا حول له ولا قوة أي باختصار لا يحرك ساكناً.
والمفارقة أن هذا اللقب “المواطن الأول” يكرس مفهوماً مغلوطاً للمواطنة بحسب الدرجات ولا نريد أن نقول إنها كرست مفهوم التراتبية في المواطنة باطلاقها لقب “المواطن الأول” على القوتلي الذي لم يقتنع به أصلاً وفهم أنه “شلوت لفوق” كما في التعبير المصري الشائع.. ولذا كان القوتلي أول من أرسل برقية تأييد ومناصرة الى الضباط الذين قادوا الانفصال ونجحوا فيه ولكنهم لم يعيدوا “المواطن الأول” الى الرئاسة.
وستظل ذكرياتنا عن الوحدة وعن “الجمهورية العربية المتحدة” مشوبة بالدموع طالما استمر لدينا هذا الحنين العاطفي الجياش الذي ما زال أسير طوباويته العربية التي ترفض أن تتعامل وأن تتعاطى مع الواقع بواقعية ما أحوجنا إليها في قراءة وفي تحليل وتفسير واقعنا العربي المعقّد الذي لن تحقق وحدته أغنية “وحدة ما يغلبها غلاب” فهي وحدة غلبت وهزمت نفسها.
* كاتب وإعلامي من البحرين
“وحدة ما يغلبها غلاب” لكنها غلبت نفسها بدم ودموع وندم. إن تاريخ الشرق الإسلامي العربي مرتبط بتاريخ الدم في البداية والدموع في النهاية , أما الندم فيأتي في الوقت الذي انتهى أو قد ولى كل شيء إلى الأبد , وهكذا نحن على مر العصور , وقد شد انتباهي في احد الأفلام الوثائقية التي تسرد سير الإحداث في اسبانيا العرب في مرحلتها النهائية حيث تم تلاحم القوى الإسلامية مع المسيحية للانتصار على الخصم الإسلامي الآخر – ما أشبة الليلة بالبارحة نحن شاهدنا مثل دلك بأم عيوننا منذ بداية التسعينات – , أو بكاء احد الأمراء مثل الطفل الذي فقد لعبته في… قراءة المزيد ..
“وحدة ما يغلبها غلاب” لكنها غلبت نفسهانتيجة عدم تطبيق العدل والديمقراطية واحترام الانسان اي ظلم الانسان لاخيه الانسان. فنرى القابلية للاستعمار من ذل وفقر وخوف وهوان وايمان بالعنف والمليشيات الطائفية ومافيات مخابراتية ونظم الشمولية او حزب القائد قاد الشعب السوري والمنطقة الى الدمار والذل والفقر. يقول الله عز وجل: لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا. ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما. نعم جيلنا الذي عاش الثورات، بدءاً… قراءة المزيد ..
“وحدة ما يغلبها غلاب” لكنها غلبت نفسها
لقد طبق الله على هذه الامة الذل وافقر والخوف نتيجة عدم تطبيق العدل والديمقراطية واحترام الانسان. لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا. ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما. . جيلنا الذي عاش الثورات، بدءاً من عبد الناصر والبعث، لم يزدد إلا ضلالاً وجهالة وسخفاً وتخلفاً…وفقرا وتهجيرا ثم استعمارا