استوقفني مقال الزميل الأستاذ عبدالله علي المنشور على موقع النزاهة بتاريخ 2/9/2007 بعنوان حكومة العطري.. حكومة تسيير أعمال فقط وليس لها أي صفة تقريرية” الذي أثار فيه مسألة دستورية في غاية الأهمية تتعلق بعمل حكومة الدكتور ناجي العطري المخالف لأحكام الدستوري السوري منذ السابع عشر من شهر الماضي، وهو التاريخ الذي بدأت فيه الولاية الثانية للدكتور بشار الأسد كرئيس للجمهورية العربية السورية، ويبدو أن هذه المسألة التي أثارها الأستاذ عبدالله ، لم ينتبه إليها أحد من أساتذة القانون الدستوري ولا حتى اللجنة الدستورية في مجلس الشعب، ورغم دعوته المهتمين والحريصين على القانون والدستور لإبداء رأيهم القانوني بالقرارات والمراسيم التي صدرت عن حكومة العطري ومدى مطابقتها لأحكام الدستور من تاريخ استلام رئيس الجمهورية ولايته الثانية وحتى تاريخه، إلا أن دعوته تلك لم تلق أية استجابة حتى الآن. لابل إن البعض اعتبر رأي الأستاذ عبدالله مجرد هرطقة كلامية، على اعتبار إن الحكومة تستمد شرعيتها من رئيس الجمهورية، ولم يسبق أن قدمت الحكومة استقالتها سابقاً في مثل هذه الحالة.. ويعتبر هذا الرأي أنه طالما لم يطلب رئيس الجمهورية من رئيس الحكومة تقديم استقالة حكومته، فإن هذه الحكومة شرعية وما يصدر عنها يعتبر شرعياً أيضاً..
وبعيداً عن هذا الرأي المخالف لأبسط المبادئ الدستورية، ومع أني لست خبيراً في القانون الدستوري، إلا انني أجد نفسي متفقاً مع رأي الأستاذ عبدالله القائل:”أن حكومة العطري.. حكومة تسيير الأعمال وهي حكومة بحكم المستقيلة مهمتها الوحيدة هي تسيير الشؤون اليومية المعتادة لوزارات الدولة إلى أن يتم تشكيل حكومة جديدة تتولى ممارسة كافة الصلاحيات الدستورية والقانونية”.
فالعرف الدستوري المستقر والسائد في أغلبية البلدان التي توجد فيها برلمانات، يقضي بأن يطلب رئيس الجمهورية الجديد من الوزارة بالبقاء في الحكم إلى أن تتألف الوزارة الجديدة، ويحدد نطاق أعمالها بما يسمى “تصريف الأعمال العادية”. وقد أصبح هذا العرف مبدأ أصيلا من مبادئ القانون العام الواجب التطبيق في حالات فقدان الحكومة لكيانها الدستوري المشروع. وطبقاً لهذا المفهوم، فإن الحكومة تبقى في مهامها لتسيير الأعمال فقط، وذلك تجنبا للأخطار والمحاذير التي قد تنشأ عن الفراغ في الحكم بسبب استقالة الحكومة أواعتبارها مستقيلة.ففي لبنان مثلا بين مجلس شورى الدولة في قرار له صدر في العام 1995 المهام التي يمكن لحكومة تسيير أو تصريف الأعمال أن، تقوم بها: (يمكنها البت بكافة المسائل التي لا تتسم بطابع المواضيع الأساسية المصيرية الحساسة كالاتفاقات والمعاهدات الدولية، والخطط الإنمائية الشاملة والطويلة المدى على سبيل المثال.راجع مجلة القضاء الإداري اللبنانية العدد التاسع سنة 1994 – 1995 ص (523).
وبالرجوع إلى الدستور السوري نجد أنه لم يأت على تحديد مهام حكومة تسيير الأعمال ونطاق عملها، كما فعل المشرع اللبناني الذي حدد بوضوح متى تعتبر الحكومة حكومة تسيير أوتصريف أعمال فالمادة 64 من الدستور اللبناني نصت في فقرتها الثانية: )على الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوما من تاريخ صدور تشكيلها. ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال).
أماالمادة 122 من الدستور السوري فقد نصت بوضوح : ” عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية أوعجزه الدائم عن القيام بمهامه لأي سبب كان، يستمر مجلس الوزراء بتسيير أعمال الحكومة ريثما يسمي رئيس الجمهورية الجديد الوزارة الجديدة” وهذا النص الدستوري وإن لم يأت على تحديد مهام حكومة تسيير الأعمال، إلا أنه حدد بوضوح لا لبس فيه أو غموض، الحالة التي تصبح فيها الحكومة..حكومة تسيير أعمال، حيث حدد ذلك وحصره في حالتين اثنتين فقط: الحالة الأولى : ” عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ” والحالة الثانية: عجزه الدائم عن القيام بمهامه ”
وما يهمنا من هذا النص الدستوري الحالة الأولى التي حددت بوضوح أنه “عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية.. يستمر مجلس الوزراء بتسيير أعمال الحكومة ريثما يسمي رئيس الجمهورية الجديد الوزارة الجديدة” وحيث أن ولاية رئيس الجمهورية انتهت في السابع عشر من تموز الماضي، فإن الحكومة أصبحت حكماً منذ ذلك التاريخ، حكومة تسيير أو تصريف أعمال فقط ، وكان من المفترض أن يقدم رئيس الحكومة استقالة حكومته مباشرة بعد أن أدى السيد رئيس الجمهورية القسم لولاية دستورية جديدة، وفي هذه الحالة يعلن رئيس الجمهورية قبول استقالة الحكومة، ويطلب منها الاستمرار بمهامها في ممارسة الأعمال اليومية العادية المعتادة لوزارات الدولة ومؤسساتها التي يعود لها إتمامها ويتعلق إجراؤها في الغالب على موافقة هذه الهيئات كتعيين موظفين وتصريف الأعمال الفردية التي لا يمارس عليها الوزراء سوى إشراف محدود.وذلك لحين تشكيل حكومة جديدة، تباشر مهامها بعد أدائها القسم الدستوري وفقاً لأحكام الدستور في هذا الشأن.
أما الأعمال غير العادية فلا يحق لحكومة تسيير الأعمال ممارستها طيلة فترة وجودها، وهي تلك الأعمال التي من شأنها إحداث أعباء جديدة أو التصرف بإعتمادات هامة أو إدخال تغيير جوهري على سير المصالح العامة وفي أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت طائلة المسؤولية القانونية كما في القرارات الصادرة عن رئيس الحكومة بصرف موظفين من الخدمة، والقرار الصادر عن وزارة الكهرباء القاضي بتعديل أسعار الكهرباء، وما يحكي عن نية الحكومة في رفع الدعم عن المواطن بحجة إعادة توزيعه على مستحقيه.. هذه القرارات تخرج بطبيعتها عن نطاق الأعمال العادية، التي لا يجوز لحكومة مستقيلة أو معتبرة بحكم المستقيلة من حيث المبدأ إن تقوم بها باستثناء ما يتعلق منها بتدابير الضرورة التي تفرضها ظروف استثنائية، وكذلك الأعمال الإدارية التي يجب إجراؤها في مهل محددة بالقوانين تحت طائلة السقوط. وان ما يبرر صلاحية الحكومة المستقيلة في هذه الحالة الاستثنائية ليس نطاق الأعمال العادية الموكول إليها تصريفها، إذ أن تدابيرها تخرج عن هذا النطاق، وإنما الحرص على سلامة الدولة والحفاظ على مصالحها… وفي هذه الحالات تخضع تدابير الحكومة المستقيلة وتقدير ظروف اتخاذها إلى رقابة القضاء الإداري في مجلس الدولة.
أما ما ذهب إليه الأستاذ عبدالله بقوله أنه لايجوز لحكومة تسيير الأعمال أن تعقد أي اجتماع طيلة فترة وجودها” فلا أعتقد أن هذا القول دقيقاً، كونه يدخل في نطاق الأعمال العادية، فعقد الاجتماعات ليس من المسائل الجوهرية التي من شأنها إحداث تغيير هام في سياسة الدولة أو يؤثر على مصالحها أومصالح المواطنين، إلا أن الأمر المتفق عليه هو أنه أن يجب لاتطول مهمة حكومة تسيير الأعمال، لأن في استمرارها لفترة طويلة فيه ضرر بمصالح الشعب والدولة التي قد تحتاج إلى اتخاذ قرارات ومسائل هامة وحيوية ، لاتستطيع حكومة تسيير الأعمال أن تتخذها، كما هوعليه الحال اليوم بحكومة د.ناجي العطري التي مضى على وجودها كحكومة تسيير أعمال أكثر من خمسين يوماً، وهي فترة طويلة.
باختصار واستناداً إلى ما تقدم يمكننا القول، أن حكومة السيد ناجي العطري تعتبر بحكم المستقيلة وفقاً للمادة 122 من الدستور السابق ذكرها، وأن كل ما صدر عنها من قرارات ومراسيم من شأنها أن تؤثر في مصالح الناس تعتبر صادرة عن جهة لاتملك صلاحية البت فيها، ويمكن للمتضرر منها الطعن بصحتها أمام القضاء الإداري، على أساس أن حكومة تسيير الأعمال لاتمتلك إلا صلاحية تسيير شؤون البلاد العادية التي يستلزمها حسن سير العمل في وزارات الدولة ومؤسساتها ومرافقها التي تتطلب متابعة يومية، وأما القرارات الهامة التي من شأنها إحداث تغيير هام في سياسة الدولة أو يؤثر على مصالحها أو مصالح المواطنين ..الخ يجب أن يُترك أمر البت فيها لحكومة جديدة تملك صلاحية تقرير ذلك وفقاً لأحكام الدستور السوري.
وفي النهاية، لا أزعم فيما ذهبت إليه أنه الأصح والأسلم. فقد أكون على خطأ أو صواب. إلا انه، وفي مطلق الأحوال، فإني أضم صوتي إلى دعوة الأستاذ عبدالله علي للمهتمين وأستاذة وفقها القانون الدستوري واللجنة الدستورية في مجلس الشعب والمحكمة الدستورية العليا…الخ ، لتوضيح هذه المسألة الدستورية الهامة والحساسة. على اعتبار أنه يجب على الجميع حكاماً ومحكومين احترام أحكام الدستور بغض النظر عن رأينا في بعض أحكامه ولاسيما المواد 3و8 و84 منه.
فدستور أية دولة يبقى المصدر الأساس لأي نشاط تقوم به تلك الدولة والمصدر القانوني لجميع السلطات فيها. بحسبان أن الدستور يتميز عن سائر القوانين بماله من طبيعة خاصة تضفي عليه صفة العلو وتسمه بالسيادة ، لأنه كفيل الحريات وموئلها ومناط الحياة الدستورية ونظام عقدها..
vik9op@gmail.com
دمشق
– ثروة